ذاكرة مجد الكروم على لسان الحاج إبراهيم نايف الخطيب
هوية – أ. زياد غضبان
سورية – حلب – مخيم النيرب
الاثنين 20/10/2025
بعد سنواتٍ طويلةٍ من الغربة قضاها الأستاذ إبراهيم نايف الخطيب في السعودية، وأثناء زيارته لوطنه الثاني سورية بعد غياب دام خمسة عشر عامًا، ارتأينا ترتيب لقاء معه لننهل من ذاكرته الحيّة ما حفظه من رواية أجداده عن بلدتهم مجد الكروم.
استقبلتنا شقيقته الحاجة فاطمة في منزل العائلة استقبالًا يليق بأهل الكرم والجود، ذلك المنزل الذي لجأوا إليه أثناء الهجرة، والذي ما تزال جدرانه تروي قصص المعاناة واللجوء في المخيم المنكوب.
بعد التعريف بمؤسسة هوية وبغايتها من اللقاء، استهلّ الأستاذ إبراهيم حديثه قائلاً:
“أنا الأستاذ إبراهيم نايف الخطيب، من مواليد 20 آذار 1948، في قرية مجد الكروم الواقعة شرق عكا بنحو 17 كيلومترًا.”
تحدث عن والده الذي كان يعمل حارسًا ليليًا للأراضي، ثم استرسل في وصف بلدته، قائلًا إن عائلتهم الخطيب كانت من أوائل العائلات التي استقرت في القرية، التي كانت تقوم حول عين ماء يقصدها الناس من القرى المجاورة. واشتهرت البلدة آنذاك بزراعة التين والزيتون وبعض المحاصيل مثل البامية والطماطم وغيرها. ولم تكن فيها مدارس، بل كُتّاب لتعليم القراءة وتحفيظ القرآن الكريم.
وبفخرٍ ظاهرٍ، تحدّث عن جده الذي كان ذا هيبةٍ ومكانةٍ بين أهالي القرية، التي كانت تضم نحو 200 عائلة، من بينها عائلات الخطيب، خلايلي، شعبان، سرحان وغيرها، وقد اتسم أهلها بروحٍ واحدةٍ من التكافل والتعاون؛ فإذا جُمعت الفواكه أو الزيتون قُسّمت بينهم، وقليلٌ من كان يبيع إنتاجه.
أما الأعراس في مجد الكروم، فكانت تجمع أهل البلدة جميعًا، يتعاونون في الذبائح والولائم والزينة، في أجواءٍ من الفرح والمحبة. وخصّ بالذكر فاكهة الجوافة ذات الطعم المميز، التي كانت تُصدَّر إلى دول الجوار.
ثم انتقل الأستاذ إبراهيم إلى الحديث عن أحداث التهجير كما رواها له والده وخاله، فقال:
“كان خالي في زيارةٍ لبيت أخته حين بدأ القصف على القرية، فهرع الجميع إلى الخارج واحتموا تحت أشجار الزيتون الضخمة. وكان جيش الإنقاذ يشرف على تنظيم خروج الناس خوفًا عليهم من القصف.”
بعدها تابع روايته عن معاناة اللجوء في حلب، حيث واجهوا البرد والألم وفقدان الديار، لتبدأ رحلة الغربة الطويلة.
وفي ختام اللقاء، عندما سألناه إن كان يمكن أن يتنازل عن بلده، تنهّد بصوتٍ شجيّ وقال:
“طبعًا لا… لا مجال للحديث في هذا الموضوع.”
ثم أضاف بإيمانٍ راسخٍ:
“أكيد… وعدُ اللهِ حقّ.”
لقد كان لقاءً مليئًا بالحنين والاعتزاز بالوطن الذي لم يره، لكنه يسكن وجدانه، فالإحساس بالانتماء يتوارثه الأبناء عن الآباء، جيلاً بعد جيل
.