مفتاح الدار… وسيرة وطن لا يشيخ
شهادة الحاج يحيى محمد نمر أبو راشد
(مواليد طيرة حيفا)
صحنايا – 1/11/2025
هوية – فدوى برية
عصر يوم السبت الأول من تشرين الثاني 2025، التقى فريق «هوية» بالحاج يحيى محمد نمر أبو راشد (أبو راشد) في أشرفية صحنايا، في جلسة امتزج فيها التوثيق بالذاكرة، والسيرة الشخصية بتاريخ وطن لم يغادر أهله رغم طول المنفى.
في مستهل اللقاء، جرى التعريف بمنصة «هوية» ومنهجيتها في توثيق جذور العائلات الفلسطينية، وأهمية حفظ الذاكرة العائلية بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الأرشيف الوطني الفلسطيني. بعدها بدأ الحاج أبو راشد روايته، معرفًا بنفسه:
“أنا يحيى محمد نمر أبو راشد، من مواليد عام 1945، من طيرة حيفا، قضاء مدينة حيفا.”
يحمل الحاج أبو راشد سيرة وطنية وسياسية طويلة؛ فهو عضو لجنة مركزية وعضو مكتب سياسي في جبهة التحرير الفلسطينية، وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني، ومن المؤسسين الأوائل للجبهة، وكتب لسنوات مقالات سياسية في صحيفة «إلى الأمام».
يستعيد من ذاكرة والدته أنها درست حتى الصف الرابع، بينما كان والده معروفًا بتديّنه ومواظبته الدائمة على المسجد. ويذكر أن جديْه، لأمه ولأبيه، كانا شريكين في شركة نقل في طيرة حيفا، وأن بيت العائلة الكبير في البلدة كان يضم عددًا من أفراد الأسرة، ولا يزال يحتفظ بصورته حتى اليوم.
زار فلسطين وهو صغير برفقة شقيقيه، وكانت نابلس إحدى المحطات التي تركت أثرًا خاصًا في ذاكرته، لما حملته من شعور بالانتماء والدفء العائلي.
وفي سنوات دراسته الثانوية، وتحديدًا في الصف الثالث الثانوي، تطوع للعمل الفدائي، في خطوة مبكرة عبّرت عن وعيه السياسي والتزامه الوطني. ولا يزال يحتفظ حتى اليوم بمفتاح داره في طيرة حيفا، وقد تمكن عام 1980 من زيارة منزله هناك، في مشهد تختصره الذاكرة ولا تنساه.
يتوقف الحاج أبو راشد عند سيرة شقيقه عمر أبو راشد، الذي انتمى للعمل الفدائي في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية، وأُسر في الرابع من كانون الثاني/يناير 1968 بعد تنفيذه عملية فدائية، وقضى في الأسر اثني عشر عامًا. أُفرج عنه ضمن عملية النورس في آذار/مارس 1979.
لاحقًا، شغل عمر أبو راشد منصب سفير فلسطين في سريلانكا، ثم عاد إلى غزة حيث تولّى إدارة فرع الأجانب في وزارة الداخلية، إلى أن توفي عام 2006 بعد صراع مع مرض السرطان.
النكبة ومسارات اللجوء
عند وقوع نكبة عام 1948، كان جدّه لأبيه موجودًا في مدينة نابلس، بينما كان جدّه لأمه قد تزوج زوجة ثانية في مدينة النبك السورية، حيث كان يقضي شهر العسل. قررت العائلة الانتظار قليلًا، على أمل الاجتماع في نابلس والانطلاق منها معًا.
غير أن المسارات تفرقت؛ فوالدته اتجهت إلى النبك عند أهلها، بينما توجه والده إلى نابلس. ومن هناك، انتقلت العائلة إلى دمشق، واستقروا في دوما لقربها من النبك، حيث سكنت عائلتا أبو راشد والسعدي معًا قبل أن تتوزع لاحقًا.
حتى عام 1951، بقيت عائلة والدته مجتمعة في دوما، قبل أن ينتقل هو ووالداه وأخوه إلى شارع الأمين في دمشق، قرب مدرسة الأليانس في حي الشاغور.
أكمل دراسته الثانوية في حارة الشوام القديمة قرب الشاغور، ثم تنقلت العائلة بين بستان الحجر في الإطفائية وشارع خالد بن الوليد، إلى أن تزوج وانتقل للعيش في مخيم اليرموك، بداية في الشارع المؤدي إلى مقبرة الشهداء، ثم قرب مركز الهويات في دوار شارع فلسطين.
ومع اندلاع الأزمة، اضطر إلى مغادرة المخيم، وانتقل مع زوجته إلى أشرفية صحنايا حيث يقيم حتى اليوم.
في ختام اللقاء، لم يكن ثقل الشهادة في تفاصيل الأماكن وحدها، بل في نبض الكلمات، وفي حبٍ عميق لفلسطين لم يخفت مع السنين. وطن يسكن ذاكرته اليومية، وتفيض به عيناه كلما استعاد الطفولة والبيت والمفتاح.
هي شهادة تختصر سيرة جيلٍ كامل، لم يغادر الوطن وإن غادره جسدًا، وبقيت فلسطين حاضرة في تفاصيل يومه، كما لو أن الزمن لم ينجح يومًا في اقتلاعها.
