«نحن ما بعنا… ولو بدّنا نبيع ما ناضلنا»
الحاج بهيج راغب مسعود وروايات ترشيحاويّة تثلج الصدور
حلب – مخيّم النيرب | الجمعة 26 كانون الأول / ديسمبر 2025
#هوية – إعداد: أ. زياد غضبان
مقابل ملعب مخيّم النيرب، اعتاد الحاج بهيج راغب مسعود الجلوس لمتابعة المباريات، مستعيدًا في ذاكرته مشاهد قريته ترشيحا. وبعد أدائه صلاة المغرب، استقبل وفد مؤسسة «هويّة» في منزله، حيث كان جالسًا على أريكته الخاصة، وعيناه شاخصتان إلى لوحة المسجد الأقصى المعلّقة في غرفته، مرحّبًا بالوفد بترحاب يليق بشيخوخته وابتسامته الصادقة، مستعدًا للحديث عن تاريخه الجميل.
وفي مستهل اللقاء، وبعد تدوين شجرة العائلة، قدّم فريق «هويّة» بطاقة التعريف بالمؤسسة وشرح رسالتها في حفظ شجرة العائلة الفلسطينية وصون الرواية الشفوية من الضياع. وقد عبّر الحاج بهيج وعائلته عن تقديرهم العميق لهذه الجهود، مؤكدين أهميتها في نقل الذاكرة الوطنية إلى الأطفال الذين لم يشاهدوا من فلسطين إلا جرائم الاحتلال بحق أهلها.
ترشيحا كما سكنتها الذاكرة
بدأ الحاج بهيج بالتعريف عن نفسه قائلًا:
«أنا الحاج بهيج راغب مسعود، مواليد ترشيحا عام 1943»، مشيرًا إلى أنه غادر قريته وهو في الخامسة من عمره.
وأوضح أنه كان يقيم في الحارة الصغيرة (التحتاني)، حيث كانت توجد في بدايتها بركة ماء. ووصف منزل العائلة بأنه كان تعلوه شجرة تين كبيرة، علّق عليها حبلًا كان يلعب به مع إخوته وأبناء الجيران، ومنهم عائلات: القاضي، نظيرة، الصفدي، الداهودي.
وأشار إلى أن ترشيحا كانت قائمة على جبل مرتفع يُسمع منه هدير بحر عكّا من بعيد، وتضم حارات عدّة، منها حارة البحرة والحارة المسيحية، إضافة إلى ملعب كبير كان الأهالي يتابعون فيه المباريات. وذكر أنه لم يلتحق بمدارس القرية، بينما درس شقيقه الأكبر مفيد – رحمه الله – حتى الصف الخامس.
وتحدّث عن وجود المساجد والكنائس، وعن المياه الجمعية العذبة في الوادي القريب من قرية الكابري، معتبرًا إياها من أجمل ما ميّز ترشيحا. كما أشار إلى أن القرية اشتهرت بزراعة الدخّان (التبغ)، حيث كان والده يبيعه لأهالي المدينة، ما جعله ملاحقًا من قبل الانتداب البريطاني بتهمة بيع مواد مهرّبة.
الحياة الاجتماعية والعادات
استعاد الحاج بهيج مظاهر الفرح في ترشيحا، حيث كان الأهالي يعيشون كعائلة واحدة، مشيرًا إلى الدبكة المختلطة والموائد العامرة، ولا سيما الكبّة التي حافظ عليها معظم أبناء ترشيحا حتى في الشتات. وتحدّث عن أيام العيد، وزيارة المقابر، وتوزيع الحلوى عن أرواح الموتى، إضافة إلى اللباس الفلسطيني الأصيل الذي كان يمنح البلاد رونقها وأصالتها.
وعن سبب تسمية القرية باسمها، نقل الحاج رواية متداولة على لسان أهلها تقول إن الاسم يعود إلى عبارة «طارَ شيحا» بعد وفاته.
الهجرة… وجع لا يزول
وعند الحديث عن الهجرة، استعاد الحاج بهيج الذكريات بغصّة واضحة، موضحًا أن قرار الخروج جاء بعد القصف الجوي المتواصل. وأشار إلى أن بعض الأهالي خرجوا حفاة بملابسهم، وآخرين على الدواب، باتجاه الحدود اللبنانية، واصفًا تفاصيل موجعة عن الهجرة القسرية ليلًا، والسير نحو المجهول، وصولًا إلى لبنان، إلى جانب فقدان شقيقه مفيد خلال تلك المرحلة.
وأضاف أن القطارات كانت بانتظارهم لنقلهم وتوزيعهم على مناطق في لبنان وسورية، قبل أن يُنقلوا إلى مخيّم النيرب، الذي كان آنذاك معسكرًا للفرنسيين غير صالح للسكن. وروى تفاصيل الحياة في المهاجع، حيث كانت ست عشرة عائلة تسكن في بركس واحد، وكان نصيب عائلته البركس رقم 16.
«نحن ما بعنا»
وفي ختام اللقاء، وعند سؤاله عن حلم العودة، أجاب الحاج بهيج برفض قاطع قائلًا:
«هذا الكلام ليس بعقل… لو بدّنا نبيع ما طلعنا، ومقولة إننا بعنا أرضنا مرفوضة».
وأضاف:
«المقاومة اللي بدأت بالبارودة أعطت فكرة للناس كلها إننا ما بعنا… لو بدّنا نبيع ما ناضلنا».
وعن التوطين مقابل التنازل، قال:
«لا، ولا بطلع من المخيّم. المخيّم هو البلد الثاني لفلسطين، لأنه دليل على الحفاظ على التراث».
وختم اللقاء بالدعاء لأهل غزّة، بعين دامعة وقلب يعتصره الألم على ما حلّ بهم، مؤكدًا أن الذاكرة باقية، وأن الحق لا يسقط بالتقادم.
