أبو أدهم دكور: لأني أؤمن بأن فلسطين ستعود
أوصيتُ أن تُعاد رفاتي إلى قدِّيثا ولو بعد ألف عام..
محمد السعيد/ جنوب لبنان
في مدينة صور، الجنوبية جداً للبنان، ثلاثة مخيمات وعدد كبير من التجمعات، يحار بينها تجمع المعشوق، الذي يزيد حجمه بمقبرته حجم مخيم، ويسمى تجمعاً لقلّة سكانه وعدم اعتراف الأونروا به.
على أطراف تجمع المعشوق، يمضي أبو أدهم دكور سنوات تقاعده في المتحف الفلسطيني، يستقبل هذا ويودع ذاك. وهناك استقبلنا وكان حوار عن العودة والنكبة والقرية الفلسطينية.
«العودة»: كيف يعرّفنا الأستاذ محمود دكور بنفسه؟
محمود يوسف دكور، من مواليد قرية قديثا قضاء صفد في شمال فلسطين سنة 1937، متزوج ولي ستة أولاد ذكور أصغرهم عمره 15 عاماً. أنهيت دراستي الجامعية في قسم اللغة العربية في جامعة بيروت العربية ودبلوم في التربية من الجامعة ذاتها، وشهادات في التربية من الأونروا. عملت لمدة 44 سنة في مدارس الأونروا مدرساً ومدير مدرسة. أنهيت العمل في الأونروا عندما بلغت الستين في عام 1997.
«العودة»: ماذا تعني لك قرية قديثا؟
في الحقيقة، هي الوطن وهي مكان ولادتي، هي كل شيء في حياتي، هي الوطن الذي افتقدته لـ62 سنة. قديثا الغالية هي جزء من قلبي، ومن عقلي ووجداني ومن حياتي.
بطبيعة الحال، هي جزء من فلسطين، فلسطين المقدسة والمباركة، فقديثا معناها المقدسة، مع أنني سميتها في التصنيف الذي ألفته عنها بركان الجبل نسبة إلى الاسم الكنعاني.
«العودة»: كيف عايشت صدمة النكبة.. وماذا تحمل هذه الذاكرة من تلك الأيام؟
عشت النكبة منذ كنت طفلاً في الحادية عشرة، وأذكر كيف هجرت من بلدي، هجرت إلى قرية أخرى لأن بلدي كانت محاذية للمستعمرات الصهيونية ولمدينة صفد، وعندما سقطت صفد بيد الاحتلال، والمستعمرات القريبة كانت تقصف قريتنا الصغيرة، فاضطررنا للانتقال إلى قرية أخرى اسمها الجِشّ، وفي 29 – 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1948، أذكر كيف كنت في قريتي أقطف الزيتون، وزرت بيتنا وكنت معرّضاً في أي وقت للقصف أو لإطلاق النار. وعصراً سمعت الطائرات وهي تقصف وبدأت المدفعية مع حلول الظلام واضطررنا بعد القصف العنيف لأن نلجأ إلى الأودية. الوالدان كانا يقطفان الزيتون ونزلا إلى وادي الجش، أنا وأختي كنا بالقرية مساءً واختبأنا في الحارة التي كنا نسكن فيها، حارة المسيحية في ذلك الوقت، حتى عاد أبي وأمي بعد أن ظننا أنهما قتلا؛ لأن الكثيرين قد قتلوا في ذلك الوقت أثناء القصف.. ومع الفجر بدأنا ننسحب إلى لبنان ووصلنا إلى بنت جبيل شبه حفاة وعراة لا نملك شيئاً، ووجدنا اللاجئين المهجرين يسألوننا عن أهلهم وأقاربهم، وذلك في 30 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1948، عندها أصبحنا لاجئين بكل ما للكلمة من معنى.
«العودة»: حق العودة.. ماذا يعني للأستاذ أبو أدهم؟
أنا أوصيت أن تُعاد رفاتي إلى قديثا ولو بعد ألف عام، هذه وصيتي لأني أؤمن بأن فلسطين ستعود دولة عربية مستقلة، وسيعود الشعب المشرّد المقهور المظلوم إلى فلسطين، أنا صعب عليّ أن أعود كريماً، ولكنني لا أيأس، وأملي أن تكون العودة على أيدي هذا الجيل، لأنهم جيل العودة وامتداد لحياتنا وامتداد لكل فلسطين. فلا بديل للعودة ولو بمال الدنيا.
«العودة»: ماذا تقولون عبر «العـودة» للأجيال القادمة؟
لا بديل من فلسطين، ولو فتحت أمامنا كل البلدان وأُعطِينا كل الجنسيات وأُغنينا بكل أموال الدنيا، لا يمكن أن نستبدل فلسطين ببلد آخر، ولا بديل من الوطن ولا نتنازل عنه ولا نبيعه بأغلى الأثمان، ولا نقبل بديلاً من فلسطين، لأنها الأرض المقدسة التي باركها الله.
ومهما مورست علينا الضغوط وحيكت المؤامرات التي نراها ونسمع بها كل يوم، فالقدس هي القدس وفلسطين هي فلسطين ولا شيء سواهما، مهما تغيّرت الأزمان ومهما كثرت الضغوط ومهما قُهرنا، فقد قهرنا قبلكم وصبرنا، فاصبروا كما صبرنا وتمسكوا بفلسطين التي ليس لها مثيل في الدنيا من كل وجهات النظر الروحية والثقافية والاجتماعية.
ليس لكم إلا فلسطين، فلا ترضوا لها بديلاً مهما حصلت الإغراءات والتهديدات.. ستعودون وستعيشون إن شاء الله في فلسطين أحراراً كراماً، ونأمل أن نعيش لنرى هذا اليوم ونعود ونعيش ولو ليوم واحد في فلسطين. ♦
مجلة العودة - العدد السادس والثلاثون - السنة الثالثة – أيلول (سبتمبر) 2010 م– رمضان 1431 هـ