حافظ علي عثمان (ابو هشام) من مجد الكروم قضاء عكار ومواليد 1929 استذكر متكئاً على على عصاه ليقول: هكذا انتهيت عاجراً بعد ان كنت شاباً مقاوماً وناجحاً في عملي، اذكر عن فلسطين الكثير وهل يمكن للمرء الذي عاش فيها وشرب مياهها وتنفس هواءها ان ينسى لحظة واحدة من لحظات حياته فوق ترابها؟ ابي كان ضابطاً لأحد سجون عكا، وفي الوقت نفسه كان يدير بساتين الزيتون التي نملكها في مجد الكروم، كنت قد تعلمت مهنة تصليح السيارات الى جانب تدربي على السلاح والمقاومة، إذ إن العصابات الصهيونية كانت في الاربعينات في اوج نشاطها الارهابي وكانت فلسطين لا تزال تحت الحكم البريطاني وبالتالي لم يتحرك البريطانيون قيد أنملة امام عصابات الصهاينة، ولم يردعوهم بل سهلوا لهم عمليات القتل عن طريق امدادهم بالاسلحة وتسهيل دخولهم فلسطين . وفي المقابل مطاردة الثوار وملاحقتهم لقد امدوهم بكل اشكال الدعم وربما ليسوا وحدهم من قام بذلك فالمؤامرة ضد فلسطين وشعبها شاركت فيها اطراف عربية كثيرة . شاهدت بنفسي مجازر العدو في عكا وحيفا وكيف اندثرت على اثرها عائلات بأكملها، كانوا يلغمون المنزل ويزنروه بالمتفجيرات ليلاً وأهله نيام لينفجر بهم فتتطاير الجثث وتحترق وعلى غفلة من الجميع هذه المباغتة دفع ثمنها عائلات كثيرة اطفالاً ونساء وشيوخاً وشباباً، ومع هذا لم يكن الاستسلام واراداً امام احد، بل كان الشباب يطاردون هذه العصابات حتى اوكارها ولطالما نجحوا في مواجهتها وردها على اعقابها . كان مشهد الرعب يمتد من عكا لمجد الكروم ولانه لم يكن آنذاك من وسائل نقل سريعة كالسيارات كان الناس يقضون ضحايا إصاباتهم ونزفهم ما اضطرنا احياناً لنقلهم على البغال وعلاجهم بوسائل بدائية .
وها هي الأيام تمتد سنوات وسنوات لأتزوج في الغربة وأعيش في الغربة وانجب اربعة ابناء وليستشهد بعضهم وليغترب الآخر مرة أخرى ولتستشهد زوجتي وابقى وحدي بانتظار ان يتحقق الحلم . فهل سيتحقق؟
هذه هي اوراق ملكيتي لأرضي وبيتي احتفظ بها حتى اليوم كأنني اعزّي نفسي بها بان فلسطين حقيقة هي وطني، وانني أنا حافظ علي عثمان كان لي في يوم من الايام وطن وبيت وارض وان لي فيه جذوراً ورائحة جذور وعبق وتاريخ . . انا حقيقة ولست وهماً كما هي عروبة فلسطين حقيقة وليست وهماً كما يريدون ان يقنعونا بعد اثنين وستين عاماً على نكبة التهجير .
الخليج - 15/5/2010