بسم الله الرحمن الرحيم
حكاية محمد سليمان البياري
من البداية احكي حكايته: فهو ابن خالتي/خضرة حسن عبد العال ابو الوفا، ابنة عائلة من قرية "القسطينة"، انجبت طفلا وحيدا، تلتحق بالرفيق الاعلى هي وزوجها، فتحتضنه والدتي اي خالته ويتربى في قرية "الخيمة" ليصبح شابا يافعا عند وقوع النكبة، فيغادر برفقتنا في رحلة عرفنا بدايتها ولم نتعرف بعد على نهايتها.
وكانت اولى محطات رحلة العذاب "خربة عمورية"، ومن ثم قرية "عجور"، لنستقر بها بعض الوقت عند اخوال والدتي ووالدته وهم عائلة "خلاوي" وتحديدا عند الشقيقين عبد ربه و عبد المنعم خلاوي والذين هما ايضا ابناء شقيقة جدي لوالدتي.
كان لدينا "بغلين" احدهما يسمى "الهادئ" والاخر يسمى "الشموص". وذات يوم طلبت والدتي من ابن شقيقتها "محمد سليمان" الذي احكي قصته ومن ولدها "محمد" الذي كان على ابواب الشباب ويصغر ابن خالته بقرابة الخمس سنوات، ان يركبا البغلين ويعودا بهما الى قريتنا، قرية "الخيمة" التي ما زال والدي موجودا بها لاحضار بعض التموين والمستلزمات لنا بسبب نفاد ما لدينا من تموين كنا قد احضرناه معنا.
استجابا للطلب وتحركا ركوبا في طريقهما من "عجور" الى "الخيمة"، واثناء المسير صادفتهما قافلة عسكرية صهيونية، وهما على بعد اطلقت صليات من الرصاص واصدرت لهما امرا بالتوقف، توقف ابن خالتي ونزل شقيقي عن بغله الشموص وابتعد قليلا عن المكان واخفى نفسة وامر البغل ان ينبطح فاستجاب. هنا امسكت القافلة العسكرية بابن خالتي وسالوه عن الاخر الذي كان يرافقه - هذا ما عرفناه لاحقا - فاجابهم بانه طفل وهو ولده وانه خاف وهرب، صدقوا ما قاله وقاموا بشد وثاقه بقطعتي قماش من " دمايته" اي "القمباز او الكبر" حسبما كنا نسمي اللباس الفلسطيني التقليدي، وبقطعة ثالثة من نفس القماش ايضا اغلقوا فمه، واثناء قيامهم بذلك تصادف قدوم قافلة تموين الى اهالي قرية عجور مكونه من جمال وبغال ودواب اخرى محملة بالكثير من المواد التموينية وغيرها، فنصب الصهاينة لها كمينا وفاجئوها واستوقفوا حراسها ومرافقيها، وقاموا بقتل جميع الحراس والمرافقين، البعض قتلوا بالرصاص والبعض الاخر قتل بما كان يحمل من الادوات الحادة كالسكاكين او الخناجر "الشباري - جمع شبرية"، ثم اتجهوا الى الدواب الحاملة للمؤن فقاموا بقتلها جميعا بقرا في البطون ثم غادروا المكان.
هنا وبعد ان اطمان شقيقي "محمد" لمغادرة الصهاينة ركب بغله وانطلق سريعا الى والدتي واخبرها بما جرى، والتي قامت بدورها واخبرته لاخوالها ولاهالي عجور، الذين اصطحبوا شقيقي الى مكان الحادث صباح اليوم التالي: فحملوا الشهداء وحملوا ما وجدوه سليما من مواد التموين ثم قفلوا عائدين الى عجور، الرحمة للشهداء ولعنة الله على الطغاة الصهاينة.
واعود هنا الى ابن خالتي "محمد سليمان البياري" الذي غاب عنا قرابة الستة سنوات (6 سنوات)، لنفاجئ به يعود الينا في مدينة خليل الرحمن "الخليل" والتي كانت اخر المحطات الفلسطينية من رحلة العذاب والتي اروي تفاصيلها في حكاية "رحلة المليون ميل" من التشرد والعذاب والغضب. اقول عاد لنا ابن خالتي بشخصية محطمة نفسيا منهكة بدنيا من شدة ما لاقى من التعذيب والعذاب خلال اسره هو ومجموعة من الاسرى الفلسطينيين كانوا طلائع الاسرى الفلسطينيين لدى عصابات الصهاينة. ليعيش بعدها بضع سنين امضاها متنقلا بين فلسطين والاردن امضى بعضها في مدينة مادبا يعمل في الحقول الزراعية ليعود الينا مريضا ويلتحق بالرفيق الاعلى بعد ستة اشهر امضاها بحضننا . رحمك الله ياابن الخالة وغفر لك واسكنك فسيح جناته.
ابن خالتك
مصطفى ابو فنونه
ملاحظة: هذه الحكاية هي جزء من حكاية النكبة واللجوء - التي عرفت بداياتها ولم نتعرف بعد على نهاياتها، والتي ستنتهي حتما باذن الله بتحرير فلسطين والعودة. وهي جزء من حكاية رحلة اسرتي وعائلتي وبعض اهالي قريتنا "الخيمة" ، كما كتبتها مما رايته بام عيني وما سمعته من احداث في لحظات حدوثها واحتفظت به الذاكرة، ليظل ذكرى وتاريخ لاحداث قضيتنا. وباذن الله سيتم نشرها لاحقا.