ياسر قدورة - صور
في صباح اليوم الأول من آذار 2011 انطلقتُ مع الوالد من مدينة صيدا إلى مدينة صور جنوب لبنان للقاء حسن عبد الوهاب سلمون (أبو العبد)، الذي فاجأني بشبابه رغم كبر سنه. فقد ذهبت لزيارته وأنا أعلم أن لديه الكثير ليقوله عن سحماتا وعائلاتها لأنه خرج منها شاباً عام 1948، لذلك كنت أتوقع رؤية كهل على عكاز وقد أنهكته السنون.. على عكس ذلك وجدته نشطاً، لا تبدو عليه علامات الهرم، بل لا يزال يحتفظ بروحه المرحة التي تسهل الطريق أمام الزائرين لإزالة الحواجز والرسميات والدخول في المفيد.
بداية اللقاء مع سؤال فرض نفسه: عبد الوهاب أم سلمون؟
فيقول: "على زمن الأتراك كانت كلمة سلمون تستخدم كلقب أو صفة للعائلة كي لا تدفع الضرائب، إلا أننا عندما لجئنا إلى لبنان عام 1948 لم يسجل جميع أفراد العائلة اسم عائلتهم سلمون، بل منهم من سجل اسم العائلة عبد الوهاب، كما أن جزءاً من العائلة في نهر البارد سجلوا أنفسهم (القادري) كالشيخ علي القادري وأولاده، فهم مسجلون (القادري)... والقادري نسبة للطريقة القادرية".
أما مضيفنا- أبو العبد - فاسمه مسجل في أوراقه الثبوتية: حسن عبد الوهاب.
وعائلة عبد الوهاب (سلمون) لها أكثر من فرع، وقد ساعدنا على رسم جزء من شجرة العائلة ابتداء من والد جده.
حسن كان وحيداً، لم يكن له سوى أخت واحدة هي خديجة وهما من مواليد سحماتا، ووالدهما عبد الوهاب استشهد في سحماتا، أما عمه عبد الغني فقد توفي في لبنان.
" والدي استشهد في سحماتا. كان كل إنسان يتمنى أن يكون له والد مثله.. مشى معنا أيام النكبة حتى أخرجنا من البلد، أوصلنا ورجع على أساس أن يلحقوا بنا ثاني يوم إلى لبنان. استشهد بـ (برزة) هو وحياة أبو إبراهيم موسى. ( وبرزة هي خربة تقع شرق خربة قرحتا وتبعد عنها حوالي 5 كلم، ويمر بقربها الطريق البري الذي يقود إلى صفد).
الوالد استشهد مباشرة أما ابو ابراهيم فقد بقي مصاباً مدة 11 يوماً حتى علم به أهله. دفعوا 10 ليرات لشخص درزي فأحضره إلى رميش ثم إلى مستشفى صور، حيث كان عندنا مكتب فلسطين الدائم، عالجوه وربنا شفاه وعاش 104 أو 105 سنوات.
أيام العدوان والقصف كنا نطلع على منطقة الزيتون ونرجع، يومها طلعنا وما رجعنا.. الوالد أوصلنا لخارج البلد ورجع.. عادوا إلى البلد حتى يجيبوا البقر، كل واحد بدو يجيب شي يطلعوا معه.. عندما رجع طوقوه وقتلوه في برزة.. "
يحدثنا أبو العبد وهو من مواليد 1932 بإيجاز عن جده ووالده. جده أحمد عبد الوهاب كان "شو ما يصير عنده حتى لو حصل على حبة راحة هديك الأيام يشيلها لي حدّ المخدة، ولما آجي عليه يقول يا جدّي شلتلّك هاي، خذها بس عشان لمّا أموت تقرأ لي الفاتحة. كان ختيار ما يروح ويجي كتير، أيام النكبة كان تجاوز الثمانين سنة. . توفي في سحماتا قبل النكبة هو وأخوه محمود.
الوالد كان يعمل بالفلاحة، كنا الجيل الأول من العائلة في المدرسة، رفضت أمي أن أذهب إلى قرية أخرى لإكمال الدراسة، فأعدت صفي رغم أني كنت الأول في الصف.. آخرون من البلد كانوا يذهبون للدراسة في الأحمدية في عكا، مثل الشيخ محمود الجشي وعبد الرحيم الجشي.. درست في سحماتا وبعدها في معليا، درست عند عمي الشيخ عبد الله وبعدين اختلفت أنا وإياه (ضاحكاً)، ولا أذكر السبب، فذهبت وختمت القرآن عند الشيخ محمود الجشي."
كان والد حسن عبد الوهاب يسكن عند البركة وسط سحماتا، وكان عندهم دكان للحاج عبد الله عبد اللطيف، وبجانبهم دار مصطفى الحسين ودار محمد عبد شحادة، ودار محمد هدلة محمود علي نصرة وعبد الوهاب وأخوه عبد الله. الوالد عبد الوهاب أحمد عبد الوهاب كان قد سافر إلى أمريكا وعاد ولم يطل الغياب، كان ذلك قبل ولادة ابنه حسن.
سألناه إذا كان قد أخرج معه شيئاً من سحماتا فيرد بالإيجاب: معنا أوراق الأرض. الأوراق عندنا. عندما رجع ابن عمي إلى فلسطين كانت الأوراق موضوعة بمكان ما داخل منزلنا، فأحضرها وأحضر لي معها ساعة.. في ذلك الوقت كانت الناس تذهب وتعود لإحضار ما أمكن من البلاد. الساعة التي أحضرها له ابن عمه كانت من الوالد عبد الوهاب، والساعة الآن – كما يقول ابو العبد – مع ابنه عبد الوهاب في أبو ظبي الذي كان قد تقصى أخبارها من محل الصنع فقالوا له أنها صنعت بالأرجنتين سنة 1915.. وهي ساعة جيب من نوع لونجينزLONGIENS.
سألناه عن مجموعة من الأسماء من عائلة عبد الوهاب وسلمون قرأناها في كتب أو مجلات فأعطانا موجزاً عن البعض:
نايف محمود علي عبد الوهاب المعروف بـ نايف محمود علي نصرة:
محمود علي نصرة كان متزوجاً في فلسطين وزوجته بقيت عند أهلها، فهي من البقيعة واسمها ظريفة، وكان لها ولد صغير هو نايف عاش وأمه في فلسطين ولكنه جاء لزيارتنا أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.. وكذلك ذهبت أخت نايف إلى ترشيحا في تلك الفترة وزارت أخاها لبضعة أيام.
يوسف أحمد عبد الرازق سلمون:
أيام الانتداب البريطاني عندما كان يقع أي حادث، تأتي القوات البريطانية وتطوق البلد ويعتقلون رجال البلد ويجردونهم من ملابسهم، في ثورة الـ 36 كانوا يجردون المعتقلين من الملابس بحثاً عن أي أثر تتركه أحزمة السلاح على جسد الثوار.. من الرجال ( القبضايات) الذين كانوا يعتقلون باستمرار يوسف أحمد عبد الرزاق سلمون فامضى مدداً طويلة في المعتقلات لا سيما فيما كان يعرف بالقطمون.
أحمد عبد القادر سلمون: المعروف بالقرم، كان عنده دكان في سحماتا والولد يذهب ويشتري ما يريد مقابل بيضة أو تعريفة.
محمد عبد القادر سلمون: المعروف بالحدق، كان حلاقاً وجزاراً يعمل حسب الظروف. عندما يكون عنده لحم يعمل بها حتى تنتهي – واللحوم تذبح في البلد - وإذا لم يكن عنده لحم يعمل بالحلاقة. وكان الناس يحلقون لآخر السنة بصاع من قمح، الراس مقابل صاع من القمح.
ويشير أبو العبد إلى أن العائلة كان بها الكثير من المشايخ، وأحياناً كانت صفة الشيخ أقرب إلى اللقب لأن العائلة كما ذكر سابقاً تنتسب إلى طريقة السلطان عبد القادر الجيلاني.. وكثير من مشايخ عائلة عبد الوهاب كانوا معمّمين، أما الشيخ مصطفى عبد الوهاب فلم يكن معمّماً وكان يرتدي اللباس البلدي بالحطة والعقال..
وفي ختام اللقاء يكشف لنا أبو العبد عن هوايته بالتصوير، فقد كان في بعلبك يستأجر كاميرا من شخص اسمه واكيم عوض ليلتقط بعض الصور، وبالفعل وجدنا عنده مجموعة من الصور القديمة والقيمة، صورنا بعضها ووعدنا بأن يزودنا بمجموعة أكبر عندما نرتب معه لزيارة أخرى.