وداعاً أبا ماهر
كنت في السنوات الأخيرة قبل النكبة أسمع أن قلة من الشباب أنهوا دراستهم في القرية وغادروها ليكملوا دراستهم، أذكر منهم حسين يوسف قدورة وأحمد حسين اليماني ومحمد ابراهيم قدورة.
ثم أخذ اسم أحمد اليماني يتردد في أنه يعمل سكرتيراً لرئيس حزب العمال الفلسطيني السيد سامي طه الذي اغتالوه في المطار وكان عائداً من بريطانيا. وكان المغدور يعمل على رفع مستوى الفلاحين والعمال ومنها رفع سعر الدخان الذي كانت تحتكره شركة ديك-سلطي-قرمان. ثم ابتدأ الصراع بين أهل البلاد الفلسطينين وبين المهاجرين اليهود منهم من دخل بطرق شرعتها الحكومة البريطانية ومنهم بطرق مختلفة براً وبحراً. كنت أسمع عدة حوادث تحصل بين العرب واليهود في مصفاة البترول في حيفا(الرفينري) والعامة تلفظه (الفينري)، عاد الشاب أحمد اليماني إلى القرية كنا نستمع إلى الأخبار من الراديو الوحيد الموجود عند رئيس اللجنة علي العبد قدورة. وكنت أذهب كغيري نستمع إلى المذيع يقرأ نشرة الأخبار كان يلهث قبيل ابتداء النشرة فعلق أحد الحضور يقول: كأنه قادم من المعركة وإذا بالمذيع يقول الآن وصلنا من المعركة لا أذكر اسم المذيع ولكن أذكر اسم المعلق على الأخبار وهو كما أحفظه عزمي النشاشيبي واحفظ مما قاله في بداية التعليق : قاتلنا ونقاتل وسوف نقاتل.. كان أحمد اليماني يستمع إلى الأخبار يكتبها ثم يعلقها على أبواب الدكاكين ليقرأها من لم يستمع إلى الأخبار.
بعد هذا بأقل من سنة حدثت النكبة وذهبنا إلى قرية البقيعة وهي إلى الشرق من قريتنا بعد الإجتياح الإسرائيلي وبعد أن قصفت القرية عدة مرات، واستشهاد أكثر من خمسة عشر شهيداً، كان أبو ماهر في البقيعة لم أره ولكني سمعت أنه أخذ مجموعة من رجال القرية وذهبوا يتقدمهم أبو ماهر للتفاوض مع اليهود وأن يعود الناس إلى بيوتهم ثم عرفت أن اليهود ألقوا القبض عليه وعلى أخيه هاني ثم أركبوا العجزة رجالاً ونساءً وهم الذين بقوا في القرية أركبوهم على ظهور من عادوا ووجهوهم نحو الشمال باتجاه لبنان وأطلقوا فوق رؤوسهم زخات من الرصاص. سجن أبو ماهر شهوراً ثم ألقوا به على الحدود اللبنانية كما سمعت منه، ثم أصبح أبو ماهر مدير للمدرسة الإبتدائية في مخيم غورو في بعلبك ثم انتقل مديراً لمدرسة عين الحلوة في صيدا وافتتح صفاً جديداً هو الأول ثانوي كما كان يسمى بعد السيرتفيكا) شهادة المرحلة الإبتدائية واقتداء به بذل الأستاذ كعوش جهده وفتح أول ثانوي في مخيم غورو بعلبك وهو الصف الذي التحقت به بعد انقطاع عن المدرسة استمر أربع سنوات، وكنت أنهيت المرحلة الإبتدائية في فلسطين. أنهينا الصف الثانوي الثاني ورفضت الأنروا أن تفتح صفاً جديداً أو أن تعطينا منحة لندرس في مدارس خاصة فكان إضراب هو أنجح إضراب قام به الفلسطينيون وذهبت أنا من بعلبك إلى عين الحلوة لتنظيم الإضراب. مررت على طالب اسمه سليم أبو سالم كان تلميذاً في الإنجيلية في صيدا. كان أبوه قد سبقنا إلى المدرسة فقد ارتاب في هذا الغريب الذي يخرج مع ابنه وما أن رآني أبو ماهر حتى انفجر ضاحكاً وقال للرجل هذا من بلدنا.
كنا في غورو ابتدأنا بالإضراب قال أبو ماهر غداً سيبدأ الإضراب عن المدارس وغيرها. وقد نجح الإضراب وحصلنا على منحة قدرها 225 ليرة لبنانية وهي كافية للإلتحاق بأي مدرسة في تلك الأيام.
كنت رأيت أبا ماهر في مهرجان رياضي كشفي في الملعب البلدي في بيروت ولم يكن حينها أكبر منه في لبنان. كنت مشتركاً في سباق العدو وفي شد الحبل رآني المفتش ذياب الفاهوم وإلى جانبه صديقه أبو ماهر قال الفاهوم لأبي ماهر هذا الذي خرّب المباراة في تعلبايا فمال عليه أبو ماهر وسمعته يقول: أتركه أحسن ما يخرب لنا العرض. بعد سنتين كنت في المتوسط الرابع أو الرابع ثانوي في الكلية الإنجيلية في زحلة وجاء زميل أخبرني أن أبا ماهر يريد رؤيتي وكان حينها مديراً لمدرسة كامل الخوري في فرن الشباك. ذهبت إلى بيروت وجدت ابا ماهر في ساحة المدرسة سلمت عليه ووجه إلي سؤالاً مقتضباً وأجبت على سؤاله فـأنا لم أشترك في أي حزب من الأحزاب على كثرتها وان كنت أقرأ كثيراً مما يكتبون أذكر على سبيل المثال المحاضرات العشر لأنطوان سعادة كان ذلك في الخمسينات. أعود وأقول بعد هذا اللقاء المقتضب وأظن أن أبا ماهر كان مؤمناً بصدقي. بعدها سنة 1956 حدث شيئ جديد فقد افتتحت مدرسة مجانية متوسطة وثانوية للفلسطينيين في منطقة برج البراجنة البناء لآل جلول.
وحملت المدرسة إسم مبرة الملك سعود كنت أسمع منذ أوائل الخمسينات أن هناك مبلغاً من المال تتبرع به السعودية للفلسطينين المبلغ هو 180 ألف ليرة لبنانية كانت توزع على العائلات المستورة وليس نحن منها في بعلبك وسمعت أحدهم يقول شو إحنا عائلات مفضوحة؟!!
أقول استطاع أبو ماهر مع مجموعة من أصدقائه أن يحولوا هذه الهبة لفتح مدرسة وتجهيزها بمقاعد جيدة لكل طالب مقعده ومختبر ومكتبة وأن يجندوا لها مجموعة جيدة من الأساتذة، اذكر منهم الأستاذ والشاعر عارف أبو شقرا وكان يدرّس في مدرسة المقاصد ولا وقت لديه ولكنه ولأننا فلسطينيون كيّف وقته ليعلمنا كما لا أنسى الأستاذ أحمد عرابي وهو ايضاً أستاذاً للأدب العربي وقد أصبح بعدها مديراً للمدرسة والأستاذ حمدي دعدع للرياضيات والعلوم وهو خريج الجامعة الأمريكية هو والأستاذ محمد بركات الفار أستاذ اللغة الإنكليزية ، كان الأستاذ حمدي دعدع يسمعنا بعض المقطوعات الموسيقية لبيتهوفن وقال أنه سيعلمنا تحميض الأفلام ولم يفشل مرة في إجراء أي إختبار تطبيقي في المختبر. كما كان الأستاذ محمد بركات الفار يرسلنا إلى الجامعة الأمريكية لشراء بعض الكتب التي تساعد في رفع مستوانا كما لا أنسى للأستاذ أحمد عرابي ما أضافه إلى البرنامج المقرر مثل النقد الأدبي لإحسان عباس وفن القصة ليوسف نجم وفن المقامات. وأنا كأحد طلاب المدرسة في سنتها الأولى اعتبرها من أفضل سنوات تعليمي وأسجل لأبي ماهر حرصه الشديد على إنجاح المدرسة فبالإضافة إلى فريق الكشاف والصبغة الوطنية للمدرسة فعلم فلسطين كان يرتفع كل يوم صباحاً قبل الدخول إلى الصفوف ونقسم القسم المعروف "فلسطيننا لن ننساك ولن نرضى وطناً سواك فلسطيننا نشهد الله والتاريخ... إلى بقية القسم وصورة المجاهد والقائد عبد القادر الحسيني وخريطة لفلسطين تواجه الصاعد إلى الصفوف. أقول كان ابو ماهر يتفقد الطلاب ليلاً دون أن يشعروا بذلك وهو يعرف أماكن سكنهم وهي متفرقة ومتباعدة أخبرني أحدهم بأنه شعر بأبي ماهر يتنصت خلف الباب ففتح بشكل تلقائي وعصر أبا ماهر قليلاً بين الباب والجدار ثم عاد وأغلق الباب. ومن الأشياء التي لا أنساها أننا دخلنا الصف وأثناء الشرح وإذا بالشباك يفتح ويدخل أبو ماهر كان سبقنا وجلس على الشرفة ثم خرج دون أن يكلم أحد. وكان أبو ماهر في خطاباته يحذر من البضائع اليهودية ومنها حينها البافكا والكوكا كولا. في هذا العام زارنا أحمد الشقيري وعندما رأى ملابسنا الموحدة وعلم فلسطين وصور المجاهدين وغيرها قال هذه ليست مدرسة عادية هذه كلية حربية ألقى كلمة وتجول بيننا يسألنا عن قرانا في فلسطين. كما زارنا بعض أمراء السعودية وفي تلك السنة 1957 زار الملك سعود لبنان وذهبنا للسلام عليه في دار السفارة في رأس بيروت قرب عامود المنارة القديم. كنا بلباسنا الموحد وهو من النجاحات التي قام بها أبو ماهر فحيث أن الأنروا تدفع منحة 225 ليرة للطالب وبما أن المدرسة مجانية فقد اقتطع أبو ماهر مبلغاً من المنحة واتفق مع تيوفيل خوري وهو صاحب محل ملبوسات مشهور قرب سينما البرج، فأرسل من قبله خياطين أخذوا مقاسات الطلاب وبعد مدة جاءت الملابس بنطلون كاكي وقميص كاكي من نفس اللون وبلوزة كاكي من لون مختلف.
أقول ذهبنا إلى السفارة وقفنا صفين من مدخل السفارة إلى ساحتها وخرج الملك مستعرضاً الطلاب على مهل وحتى باب السفارة ثم عاد وكان يرافقه حارسان أحدهما باللباس الوطني السعودي ويحمل في وسطه خنجراً معقوفاً وآخر بلباس مدني مع مسدس في وسطه، وفي وسط العرض توقف الملك واستمع لقصيدة عن فلسطين ألفها وألقاها الأستاذ عارف أبو شقرا وإلى كلمة ألقاها أحد الأساتذة. بعض الأساتذة قبل يد الملك والبعض لم يقبّل. وكان إلى جانبه الوجيه الفلسطيني محمد فستق أبو محمود بل كان متأبطاً يد الملك ويقول: يعيش جلالة الملك سمعت أن هناك علاقة مصاهرة بين الملك وبين أبو محمود محمد فستق. ذهبنا للسفارة راكبين لنصل مرتاحين وفي تمام أناقتنا وعند العودة قادنا أبو ماهر من السفارة منحدرين نحو الحمام العسكري ثم إلى برج البراجنة. كان لقاء لمدة دقائق بين مجموعة من الطلاب وأنا منهم كان صمت لم أفهمه وكلمات قليلة ثم قال أبو ماهر إطلعوا برا، عرفت بعدها أن بعضهم احتج على وجودي وأنا لم أكن أدري والذي أخبرني بعد سنوات هو زميل لي وهو الذي أوغر صدر بعض الطلاب عليّ، لا أنسى ذلك لأبي ماهر كما لا أنسى ثقته بي فإذا حدث شجار بن الطلاب وكنت موجوداً يأخذ بشهادتي معتمداً على صدقي في رواية ما أرى.
زرته أكثر من مرة في بيته وهو قريب من المدرسة في أول الطريق الواصل بين شارع برج البراجنة وشارع الرويس قرب محطة بنزين وجدت بعض الطلاب هناك وأم ماهر تعاملهم كأخوتها هذا شيء لا عهد لي به بين مدير المدرسة وزوجته وبين الطلاب.
هذا ليس مدير مدرسة هذا قائد يربي قادة.
كما كان من حسن حظي هذا العام والأعوام التالية أن تعرفت إلى محمد حسين اليماني وكنا زملاء مدرسة في فلسطين مع أخيه هاني.
جاء والد أبو ماهر إلى المدرسة ومعه ولداه هاني ومحمد يريد تسجيلهما وجرى حوار بين الرجل والأستاذ فقبلت المدرسة هاني وأجلّت محمد للعام القادم فهو لا يزال صغيراً. كنت أنا حينها في الصف الإبتدائي الأول، وأنت ترى رغبة الأب القوية في تعليم اولاده وأظن أن تجوله في مناطق متعددة في فلسطين أثناء الثورة الكبرى 1936-1939 وكان والد أبو ماهر أحد ثوارها وقد يكون انتبه إلى أهمية التعليم وكان من السابقين في تعليم أولادهم رأيت هاني مرات عديدة في بيروت وهو هادئ الطبع وحضرت عرسه في مخيم البداوي.
أما محمد فهو كتلة من الحيوية والنشاط وخفة الدم من هذا النوع الديناميكي الذي لا يهدأ وعندما استشهد في أوائل السبعينات شعرت أن أبا ماهر خسر درعاً متيناً يدرأ عنه النبال. وخسرت أنا صديقاً هو الأقرب لروحي فقد كنا نفهم على بعضنا باللمحة أو دون اللمحة وقد جلت وأياه في بيروت طولاً وعرضاً رحمك الله يا محمد كله يرخص في سبيل فلسطين دماً ومالاً وجهداً.
عزيت أبا ماهر وقلت له أنني إلتقيت بحسين نسيت بقية اسمه أمام اللعازرية وكأن الخسارة عقلت ألسنتنا فلم يكن هناك كلام بل وجوم وصمت.
انتهت السنة الدراسية 1957 عدت إلى بعلبك وأثناء الصيفية أخبرني مدير المخيم أنني مطلوب إلى سرايا بعلبك وعلي أن أسأل عن موظف في الأمن من آل حمادة، حاولت أن أعرف شيئاً من مدير المخيم فقال لا أعرف ذهبت إلى بعض الأصدقاء في بعلبك عرفوه وقالوا هذا قومي سوري وهو صديق فلان صاحب محل نوفوتيه أعرفه ولكني نسيت إسمه فقال : إذهب وقل له أنا من قبل فلان وسأتصل به قبل ذهابك. حوالي العصر ذهبت إلى السراي وسألت عن الرجل فأرشدوني إلى باب أسود مغلق وورائه رجل شرطة قلت أنا أرسل في طلبي مسؤول الأمن حمادة قال: أهلاً وسهلاً بالأوادم الذين يأتون إلى السجن بأنفسهم. لم أكن أعرف أن هذا الباب هو باب السجن فتح الباب وأدخلني إلى فسحة بمقدار غرفة فيها ما يشبه بحيرة ومقعد حجري يجلس عليه والد أحد زملائي في المدرسة محمد خالد وهو مثلي طلب للتحقيق معه، سألت الرجل فلم يجبني شيئاً ولا كلمة كأنه يقول لي كل واحد يدبّر حاله لم أر زميلي هناك ثم أدخلت إلى غرفة وعلى أرضها كثير من الفراش غير المرتب ويستلقي عليه رجل وبيده كرباج سألني عن إسمي وهل كنت طالباً في المدرسة السعودية قلت: نعم. قال: أنت كنت الأول في صفك، قلت: ليس دائماً أحياناً الأول وأحياناً الثاني قال: لماذا لم تشترك في الكشاف قلت في السنة السابقة كنت متراخياً في دروسي وقد عزمت أن لا أضيع وقتاً هذا العام على غير الدراسة. قال: هل طلب منك مدير المدرسة(أبو ماهر) أن توزع منشورات قلت لا قال: ولا تعلم عن أحد يوزع منشورات، قلت: لا، وهناك أسئلة نسيتها وكلها تدل على أن المخبر كأنه كان معنا في الصف. قال إذا كنت صادقاً فحرام أن يبقى الرجل في السجن. إعتقدت أن ذلك من أساليب التحقيق ولكن أبو ماهر كان حينها في السجن فعلاً ولا علم لي بذلك، ثم أردف المسؤول قائلاً وهو يهز الكرباج أنا أعرف أنك لست صادقاً ولكني لا أريد أن أهينك، وإذا كان عندك شيئاً تقوله معك وقت حتى نهار الغد. أنا لا اذكر إن كان أهلي علموا بذلك فقد يكون والدي يعمل خارج بعلبك وفي الغالب في منجم للحديد في قرية مرجبا ضهور الشوير، وإن كان موجوداً فماذا عساه يفعل فكرت طويلاً في سبب اختياري وزميلي الآخر للتحقيق. ابتدأت الأمور تنجلي كان هناك حملة لإبعاد أبو ماهر عن إدارة المدرسة نظراً لدوره الوطني ومثلما حاولوا معي حاولوا مع حارس المدرسة كامل عبد الرازق والذي كنت مستأجراً غرفة عنده وهو يعاملني كأحد أولاده، وقد أخبرني أنهم طلبوا منه أن يشهد ضد أبو ماهر ولكنه رفض فأسمعوه عبارات جارحة. أثناء الصيفية كنت في بيروت والتقيت بأبي ماهر يمسح حذاءه قرب اللعازارية كان في كامل أناقته أخبرته بما حصل معي فقال: أنا فعلاً كنت في السجن وأنا الآن ذاهب للتحقيق فهناك تهمة جديدة قلت أرجو أن لا تكون نتيجتها سيئة قال: والله أنا متوقع ستة أشهر كان لكثرة ما يساق إلى المحاكم أصبح خبيراً كالمحامين، وهو في الغالب يدافع عن نفسه وكان للناس مواقف مختلفة فعندما يقوم أبو ماهر بعمل مجيد يدافع فيه عن فلسطين أمام القضاة كنت أسمع الناس يمدحونه ويثنوا عليه، وإن حكم عليه بالسجن يوجهون له الإنتقاد لما يعرض له نفسه. مرت سنوات قضيتها في بحمدون وبيروت والقاهرة ثم عدت في الستينات موظفاً في الأنروا كنت أرى أبا ماهر في مناسبات العزاء، فهو حريص على ذوي القربى، رأيته في مهرجان للثورة في مخيم الجليل في بعلبك وقد ابتدأ خطابه بذكر عدد كبير من الشهداء يزرعهم في ذاكرتنا وقلوبنا، أكبرت منه ذلك.
في أوائل السبعينات التقيت به مع مجموعة وتمشينا حول رأس العين في بعلبك، سألني رأيي في أوضاعنا قلت: أنا لم أشترك في أحزاب ولا أعرف ماذا يجري قال: ذلك أفضل فالذي يكون على السطح يستطيع أن يشاهد كل ما حوله، أشكر لأبي ماهر ثقته المتكررة مع أني لم أكن في حركة القوميين العرب وإن كنت أذهب إلى مقر الحركة في بيروت وهناك رأيت الكاتب والصحافي غسان كنفاني، كما أني لم أكن عضواً في الجبهة الشعبية ولا في غيرها مع صداقة للجميع وكان بعض الأصدقاء يطلقون علي (الحيادي الإيجابي)، ثم كانت لقاءات مطولة مع أبي ماهر وفي بيته المواجه للملعب البلدي قرب الإطفائية فقد كنت أحد أعضاء اللجنة التي اختارها لكتابة كتاب عن قريتنا سحماتا وكلّف الأعضاء بجمع كل ما يقدرون على جمعه حول القرية أرضاً وسكاناً وتراثاً وأثناء الحديث عن عائلات البلد إقترحت أن نترك لكل عائلة أن تكتب عن نفسها فهي أدرى بماضيها وحاضرها، فرُفض الطلب ثم طلبت أن تقرأ المسودة قبل أن تذهب للطباعة فقال الأستاذ علي يوسف قدورة لا تخف أنت ستقرأها وتنتقدها كمان ولكن ذلك لم يحدث فبعد شهرين وجد أبو ماهر المخطوطات عند من أخذها فاستعادها أبو ماهر ولا أدري من كتب الكتاب كل ما أعرفه انه وصلني كتاب أو كتابين ومهما كان رأي الناس فيه فقد خرج للوجود وبفضل أبي ماهر كتاب يؤرخ لقريتنا وهو أحد إنجازات أبو ماهر فهو مؤسس الكشاف العربي الفلسطيني ومؤسس مبرة الملك سعود وإنجازات كثيرة فقد كان قدوة في الوطنية وتربية الأجيال. وقد توّج حياته بكتاب من عدة مجلدات عن تجربته النضالية . هذا عمر طويل من النضال مذ كان يافعاً وحتى الأيام الأخيرة استطاع فيه أبو ماهر أن يكون قامة من قامات الشعب الفلسطيني. " من رأى منكم منكراً فليغيره" عمر طويل مديد وأنت تعمل باليد واللسان والفكر على تغيير المنكر الإسرائيلي لم تبخل بدم ولا مال ولا جهد، كنت ناسكاً نذر نفسه لفلسطين وقائداً يربي قادة فاستحقيت الاحترام والتكريم من الناس وفزت برضا الله ورضوانه.
نحن نحبك يا أبا ماهر ولك مني سلام وعلى الأرض السلام
محمد خشان