ياسر قدورة – مخيم برج البراجنة
حاولت ترتيب زيارة خاصة للحاجة زهرة فهد مرة (أم رجا) قبل هذا التاريخ بشهر أو أكثر، ولكن الأمر لم يكن سهلاًُ لأن الحاجة تقيم في مخيم نهر البارد، واجتياز حواجز المخيم بحتاج إلى تصريح رسمي وترتيب مسبق ولهذا لم يتم الأمر. ولكنني التقيت أخاها رأفت مرة في بيروت يوم الخميس 31/3/2011 وأخبرني أن الحاجة زهرة في زيارة لأختها حسنة (أم أركان) في برج البراجنة وستغادر إلى نهر البارد في اليوم التالي.. فرتبت أموري على عجل، وتوجهت إليهم في نفس اليوم فاجتمع لي الخير كله باجتماع أم رجا وأم أركان وأخيهما رأفت في جلسة واحدة.
ولحظة دخولي قالت أم أركان لأختها هذا ياسر قدورة ابن احمد عبد الرحمن، فراحت أم رجا تذكر لي أسماء أعمامي وجدي واخوته فعرفت أن ذاكرتها لا تزال بخير رغم أنها على أعتاب الثمانين من العمر، فقلت لها لهذا السبب أتيت.
ترتيب شجرة العائلة كان أمراً يسيراً باجتماع هذا العدد من أفراد العائلة، باستثناء أسماء بعض أبناء المغتربين الذين نحتاج لمتابعتم في جلسات أخرى، ولكننا وضعنا الجزء الأكبر من الشجرة الذي يبدأ من الجد حسن مرة.
حدثتني أم رجا عن عائلة مرة في سحماتا وقالت أن جدها حسن مرة كان له عدد من البيوت في البلد، وأرضهم واسعة جداً وكانت نساء العائلة تعمل فيها كما الرجال: ( كنا نزرع دخان، نحصد، نذرّي ونتبّن.. وفي ناس ما كان عندهم أرض كنا نوقفهم أجير لسنة، نعطيه مصريّاته وبدلة صيفية وبدلة شتوية)..
ثم تتوسع أم رجا في الحديث: ( إحنا ماتت أمنا ونحن اطفال وظل يستنّى أبو العبد (والدها) حتى صرت صبية، أعطاني لأهل سبلان وأخذ بنت سبلان له، وتقول هذول الأربع إخوة وأخت مش من إمي وأبوي، هذول من خالتي امرأة أبوي " هنا حسين محمد الحسين" من سبلان)..
وهنا يتداخل كلام أم رجا وأم أركان، فتحدثنا أم رجا بخبر ثم تتوسع به أم أركان أو العكس.. ( أبوي كان فلاح.. وكان يشتغل دخان على الهاون، تهريب. اشترى مكبس وصار يفرم دخان، يحمّلنا اياهن ونروح على عكا نبيعهن.. أبوي فهد كان أهل البلد ينادونه فهد فضة على اسم ستّي أم أمه لأبوي ومش على اسم امه.. فأمه اسمها شيخة صالح قدورة.. فضة هي أم جدي أحمد، وكانت فضة شاطرة ومشهورة كتير وتعمل أكل الأعراس.. أكل الدهر عليها وشرب وبعدهم الناس بيقولوا لنا: بنات فهد فضة.. مكبس الدخان كان عبارة عن خشبة وله مزراب وسكين مثل ساطور اللحام، يضع رجله عليها ويبلّش. وينزل الدخان مثل شعر البنات).
سألتهما عن محمد حسن مرة الذي علمنا أنه قد هاجر من سحماتا أيام الحكم العثماني، فأجبات أم رجا: ( هاجر ورجع، وهو عمها أبو جوزها لهذه الحرمة، عن أم أركان).. فتابعت أم أركان الحديث: ( الأتراك أخذوا إخوته إلى تركيا على الجيش، اختبأ في البير لأنهم أخذوا محمود ودوخي وما رجعوا.. اختبأ في البير ولمّا رحل جيش تركيا ذهب إلى أميركا بالبحر واشتغل برجاوي - بائع قماش متجول- ، بقي 7 سنين، وبعدها عاد وتزوج حياة حماتي وذهب إلى أميركا، وكانت امرأته حامل .. ورجع لسحماتا وابنه حسن بالمدرسة. ولمّا رجع جاب لنا صورته وهو حامل رزمة قماش).
وتكمل أم رجا حديثها: "محمد حسن مرة كان عنده دكان بسحماتا، يبيع عجوة، سكر، رز، راحة، سنيورة وكل شي.. كنا بسعادة وهداة بال يا حبيبي.. اشترى زتون بيغطي عين الشمس، كان يعمل صابون على إيدو بالبرميل أبو 12 جرّة. نحن فلاحين، نحصد ونفلح ونذرّي، إحنا الحريم إيدنا وإيد الرجال. صار عنده أولاد ويساعدوه بالدكان خاصة ابنه علي.. الدكان كان بجانب عمتي مريم، وبجانب دار مبدّا طنوس لتحت".
"أما أحمد حسن مرة فقد كان عضواً بلجنة الوجهاء في سحماتا، وكان يسجل كل شيء للمختار، فلان شو عنده أولاد وشو عند بنات، شو عنّا طرش وأرض، يسجّل. بعد مقتل المختار محمود صالح حسن وقف أحمد مرة إلى جانب علي صالح في تسيير شؤون المخترة.. كان أحمد متعلم بتركيا، يقيّد اللي بدّو يطّعّم واللي بدّو يروح على المدرسة. وكان أحمد حسن مرة متزوج من أخت علي صالح، كان دايماً حامل الدفتر ويسجّل".
تتحدث أم أركان عن محمود ودوخي مرة اللذين أخذهما الجيش التركي ولم يرجعا، أما محمد مرة فقد تمكن من الهرب. محمود كان متزوجاً وله بنتان: جميلة وحميدة، حميدة توفيت في سحماتا وجميلة تربّت عند أعمامها وخرجت معهم إلى لبنان.. أما دوخي فقد تزوج من آل معروف من دير القاسي وخلف ابناً توفي في سحماتا بفعل ضربة تلقاها من عجل.. ذهب محمود ودوخي مع الأتراك ولم يرجعا ولم يعرف أحد أخبارهما، ولكن أم أركان تذكر أنهم عندما ذهبوا لدفن جدها في بعلبك وجدوا قبراً مكتوب عليه "دوخي مرة" وهو قبر دوخي حسن مرة على الأرجح.
ثم تعود أم رجا للحديث فتقول: " وأمي ماتت وأنا صغيرة، وعشان أنا كبيرة إخوتي يظلوا يدزوني روحي وتعي.. كان عامل بيت سيدي مضافة، الله وكيلك ما يفضى ولا يوم.. يجوا الثوار يتحمموا ويلبسوا ويقولوا لي روحي يا زهرة وقفي على الكوربا بس تشوفي الجيش – انت ما حدا بيظن فيك لأنك صغيرة – آجي أقول لهم إجوا العسكرية، يروحوا يدبّوا حالهم ويتخبوا. كان عمري شي أربع أو خمس سنين ومن يومها وأنا حاملة الهمّ. ماتت إمي وخلفت لنا ولد هالطول طول ابن 7 أيام وماتت، وصرنا مطرح ما في مرضعة نروح لعندها.. يوم إجا عمي عبد الرحمن قدورة، الله يرحم الطيبين والميتين، لاقاني رجليّ من هون مهبّرة. قال لأبوي يا فهد بوجّه الله عليك، إن كنت زارع كل رزق سحماتا ما تخلّي هالطفلة تغمّر، يا ويلك من الله.. كان الله يرحمه يبعث لنا بنته رفاعية ، وكانت صبيّة، تغمّر لنا القمح"
عن بعض أفراد العائلة حدثتنا أم رجا وأم أركان، فطالب مرة الله يرحمه كان يقرأ ويكتب.. درس في المدرسة (المنزول) ومدرسة تين عزيز، حتى صار في الصف الخامس والسادس ثم راحوا إلى ترشيحا وإلى عكا، وعندما صار يقرأ ويكتب توظف مع الانجليز في عكا.. وجواباً على سؤالي إذا ما كان أحد أفراد العائلة قد عرف بالإنشاد أو العتابا تقول: " من النسوان محسوبتك شاطرة بالمهاهاة والعتابا"، وقد أسمعتنا بعضاً مما تحفظه، ويمكن للسامع أن يجد في صوتها وإلقائها قوة وحماسة أكثر مما يظن العارفون بكبر سنها.