دينا آغا - صيدا
في واحدة من الزيارات التي أقوم بها إلى كبار السن من شهود النكبة الذين لا يزالون يحتفظون في ذاكرتهم بصورة الوطن، توجهت إلى منزل الحاجة أنيسة سعيد السيد (مواليد 1939) القائم في صيدا.
الحاجة أنيسة من بلدة سعسع وقد أخرجت لنا من ذاكرتها بعض الصور عن الحياة في سعسع:
"إن قريتنا كانت صغيرة وهي على الحدود مع لبنان، وكان لوالدي دكان سمانة كما كان لنا أرض كبيرة ولكنه لم يكن يعمل بها فقد كان يعطيها للمرابعين.
كان منزلنا يتوسط البلد في منطقة تدعى الحارة حيث كان يأتي بعض الباعة من ترشيحا لبيع الليمون أمام بوابة منزلنا.
كان الناس يستعملون الحمير كوسيلة نقل حيث أن أراضي البلد تملؤها الحصى وكان هناك مايدعى بالمحط وهو عبارة عن حجر كبير جدا كان الناس يجلسون عليه لأخذ قسط من الراحة.
سعسع كانت شهيرة بزراعة الدخان وكذلك القمح والشعير والتين وغيرها فكانت الناس تأكل مما تزرع، وكنا نملك كرماً كبيراً من التين، وأذكر أني وأختي وبعض أولاد الجيران كنا نذهب لننطر (نحرس) الأرض، وكان يطلق على كرمنا اسم "الصديق" حيث كان فيه شجرة كبيرة يقال أنها لولي من أولياء الله.
أذكر جيراننا الذين كانوا معنا في البوابة فكل خمس بيوت كانت تغلق عليهم بوابة واحدة منهم بيت مصطفى أيوب سليم لطيّف ،الحاج حسين وبيت كايد، وكذلك بيت الخطيب ومحمد خليل ودار العقيلة.
وكان هناك ديوان لزعيم عائلتنا اسمه محاسن السيد وكذلك ديوان لواحد من عائلة وهبة وكذلك العديد من العائلات كان لكل منها ديوان.
ومختار البلد كان اسمه محمد زيدان ولم يكن في بلدنا عين للمياه فكنا نذهب إلى "عيون الرخم" وهي بعيدة بعيدة جدا عن بلدنا لتعبئة المياه.
أما الجامع فكان جدي عبد الله السيد هو شيخه وقد كان جامعاً كبيراً وكان في طرف البلد، وكان جدي هو الذي يسحر في رمضان.
خياطة البلد كانت تدعى حُسن الفريدة والداية (التي تقوم بتوليد النساء) كان اسمها فهدة.
أما رمضان فدائما له تحضيرات مميزة فالنساء ينشغلن بتموين الألبان والأجبان لرمضان والكشك والمربيات وغيرها الكثير، وحين تأتي ليلة العيد كانت ملابسنا الجديدة تبيت معنا في فراشنا وفي الصباح الباكر نرتدي ثيابنا ونقوم بزيارة جميع الأقارب.
أما الحلاق فكان دائما حاملاً حقيبته ويدور في البلد لا أذكر اسمه ولكنه لم يكن يملك دكانا.
وكنا دائما نلعب في البيادر حيث كانوا الناس يجمعون القمح، لم يكن هناك مدرسة فكنا نقضي وقتنا في اللعب في الكروم والبيادر.
وعن سنة النكبة قالت الحاجة أنيسة:
"كان اليهود يقصفون صفد فكنا نصعد إلى سطح المنزل لنتفرج ويأتي النازحين إلى بلدنا من لوبية وصفورية ويمكثون تحت أشجار الزيتون ويقوم أهل البلد بتقديم بعض المواد الغذائية لهم، بعد بضعة أيام اشتد القصف فخاف الناس وبدأوا بالرحيل وكذلك عائلتنا وجميع أهالي البلد.. خرجنا سيرا على الأقدام وبقينا حوالي ثلاث ليالي بين بلدنا والرميش (في لبنان) وبعد أن فقدنا الأمل في العودة خلال الأيام القليلة التالية توجهنا إلى الرميش ومن بعدها إلى صور ثم طرابلس وبعد أن تزوجت انتقلت إلى صيدا واستقريت فيها.
كانت حياة بسيطة وصحية، لم تكن معقدة كأيامنا هذه والناس تحب بعضها البعض وها نحن نعيش على أمل العودة يوما ما".
بالطبع لم يقتصل اللقاء على الذكريات من سعسع، ولكن الحاجة أنيسة ساعدتنا في بناء شجرة عائلة السيد – سعسع،ابتداء من الجد عبد الله السيد وأبنائه: أسعد، سعيد،سعدة، زهرة وذيبة،
وذلك كجزء من التوثيق للعائلة ضمن المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية (هوية).