عبد الغني دوله
الموطن الأصلي: مدينة يافا
تاريخ الميلاد:1941
مكان الإقامة: مدينة نابلس
اعتاد المواطنون على الحصول على الأخبار اليومية من مقهى العجمي في يافا، وهناك كانوا يعرفوا أخبار الناس اللي تهجروا من بلادهم، سمعنا عن ناس تركوا ممتلكاتهم وأواعيهم، الناس كانوا بس يحملوا الاشي اللي بيقدروا عيه، وعندما كانوا اهلي يسألوا الناس ليش بتهاجروا كانوا يجاوبونا انه الحرب رح توصل لهون لانه اليهود محضرين حالهم ياخدوا البلاد، الناس بلشوا يغادروا يافا، وإحنا هاجرنا كمان بس بوقت متأخر، ضلينا لا إنها البلد صارت تقريباً فارغه من السكان، توقعنا انه الأمور رح تتفاقم من اللي شفناه من هجره وتهجير، إحنا ما كنا متهيئين للحرب باستثناء بناء بعض الأنفاق وشراء بعض الأسلحة والأغذية، كان اخوي يعرف فنون القتال وبعض الكفاءات العسكرية.
كان في تهريب للاسلحه من مصر وسوريا وكانوا الانجليز يعتقلوا أو يعدموا اللي يمسكوا معاه سلاح، كان في تعطيل للحياة والروحان والجيان، كانوا الانجليز واليهود يحطوا متاريس بالشوارع وكانوا يوقفوا مسلحين عليها، وأمرار اليهود يفجروا خنادق علشان محدش يطلع، احنا ابل ما يسووا الشيء هادا طلعنا من يافا على اللد، طلعنا على اللد وسقطت اللد واحنا هناكا، وبعد ما سقطت اللد قالو اجت نجده اجت نجده للد والا هي النجده هجانا.
ما كان في تفاهمات او اتفاقيات مع اليهود لأنه أيامها مكانوش اليهود دوله منظمه، كانوا عصابات هجانا، كان كله هجانا، والهجانا عصابات، يعني مكانوش يكترثوا بالقوانين وما قوانين، كانوا يؤتلوا ويدبحوا ومحدش يؤللهم وين انتو، اخوي انقتل على ايديهم، قالو اجت نجدة للبلد وقال اخوي بدي اطلع اشوف هاي النجدة، فلما طلع يتفرج ويشوف شو هي النجدة الا طلعوا عصابات الهاجانا فايتين عالبلد وانقتل في هديك الطلعة.
شفتهم لليهود وهما بيافا، كان الوضع متوتر والناس خايفه، كانوا اليهود اذا شافوا اشي ادامهم بهداك الوقت يقتلوه، أجو بعض الشباب يدافعوا عن يافا من المناطق المجاوره، بس أجوا متأخرين وفش معاهم سلاح كفايه، فش مقارنه بين نسبة السلاح اللي معاهم والسلاح اللي مع الهاجانا، وما كان في مجال للمقاومه المستمرة. محدش نصحنا نهاجر، ولا حدا شجعنا نطلع، اللي خلانا نطلع هو الشوفات الي كنا نشوفها، من قتل ودبح وضرب، هاي اللي خلانا نطلع، بس رموا منشورات في هداك الوقت، مكنش عنا خيارات كتيره، عشان هيك ارتعبنا وطلعنا.
اليهود اجوا علينا جوا اللد، اجوا على الدور يصيحوا، يلا على عبد الله، وطلعنا يومها مشي لقرية نعلين واليوم اللي طلعنا فيه كان برمضان في تموز، كانوا بتلاءموا ويعملوا اللي بدهم اياه، ضللنا خالات تنتين هناك مطعلوش وأخت كمان، وأخ مبنعرفش وين اراضيه لهلنيت، خاليت ابنها تركها تحت ومطلعهاش لانها هي مرضيتش تطلع.
بعد احتلال الضفة عام 67 صاروا اليهود يهدوا في الدور العربية باللد وبيافا، والفترة بين النكبة والنكسة اللي كان ينزل بالتهريب عشان يقطف ثمار او يجيب اشي من تحت يبقى نازل للموت، اذا رجع والله نجاه بكون محظوظ، مرجعش معناتو بكون انقتل، مفش مجال انه يروح يجيب اشي، فش مجال، لانه كل السهل كله هجانا مسلحين واللي بنمسك بنقتل.
سيعة الرحيل المفاجئ من اللد مكنش حدا واعي على حدا، المهم يطلع الواحد براسه، الناس هربوا خوف انه يصير مجازر بالبلد، ودار عمي نسيوا ابنهم هناك باللد، قدرنا نحمله حملناه من اغراضنا من لبس وأواعي وفراش واللي ما قدرناش دشرناه هناك في الدار وبنعرفش بعدما طلعنا شو صار، حرقوا الدار، سرقوا الدار، أبنعرفش.
احنا قلنا الشغله ابو اسبوعين زمان وبنرجع، اجينا على اللد على اساس نقعدلنا اسبوعين زمان ونرجع ليافا، بس سقطت اللد واحنا فيها وانطحينا منها. اول اشي طلعنا من يافا اجينا على اللد على أساس المحل أمن، فسقطت اللد وطحونا، طلعنا مشي من اللد لنعلين، وفي نعلين استقرينا شويه على أساس انه مفش يهود فيها، من هناك جينا على نابلس من نعلين.
رحبت الناس فينا بنابلس وسكنا فيها وساعدونا اهلها وقاموا بالواجب، سكنا أول اشي في مخيم بلاطة، بعد بلاطة اجينا على نابلس وصار لنا في نابلس ساكنين من يومها لليوم، ايامها لا كان في شغل ولا كان في مصاري، لولا كان معانا لما طلعنا من يافا شوية مصاري دبرنا حالنا فيهم، كانوا بعض الناس فش معاهم جنيه مصري ولا جنيه فلسطيني، اللي مكنش معاه طبعاً جاع واحتاج للمساعدة.
سمحو لنا اليهود ننزل على البلاد بعد النكسه، لقينا يهود قاعدين ببيتنا، قالوا احنا استأجرنا البيت آجار، وبدكن تيجوا تفضلوا أهلاً وسهلاً، احنا ما شرينا هالدار، احنا اخدناها أجار من الحكومة، مستأجرينها يعني، الجماعه سوولنا قهوة وشربناها عندهم في نفس البيت تبعنا.
قبل الرحيل كانت العيشة عنا كويسة، البلاد كانت مفتوحة على بعضها، نروح حلى حيفا وعاللد في العطلات، وعالبحر نروح، كنا عايشين جنب البحر عيشة رفاهية، اشي فوق التصور، قبل ما نطلع من يافا كان عنا سيارات ايامها.
لما طلعنا من يافا اجينا على اللد، قالوا انقعدلنا اسبوعين زمان، قعدنا شوية وسقطت اللد ودخلوا الهجانا، كانت النا شاحنة قبال الدار، أجوا اليهود وجابوا ونش معاهم وسحبوها سحب من قدام الدار، قبل ما يسحبوها اخوي اللي ملكه السيارة دخل يجيب بلطة وبدة يهاجم اليهود، كانت الختيارة ساعيتها واقفتلة بالمرصاد، عبطته واخذت البلطه منه وقالتله في المال ولا في العيال، وبعدين اخذوها، الدار اللي قعدنا فيها كان خلفها في مكتب للاردنيين، لما استقرت الهجانا في اللد اجو على الحاره ودخلوا علينا على الدار، احنا اخوه خمسه، تلاته منهم كبار، اخدوا اخوتي الكبار، قالوا انت وانت، واخدوا اخرى خمسه من نفس الحاره وقالولهم بدنا تساعدونا نطول هالاسلحه من المكتب اللي وراكم، وبدنا تساعدونا نحملهم بالسيارات، وراحوا اخوتي التنين مع اربعه من الجيران يساعدوا بدخول الموقع، يعني استعملوهم زي دروع بشرية، حملوا سيارة الهجانا بالسلاح، ولما خلصوا قال الضابط للجندي، خدوا الشباب هدول كل واحد بتوصلوه لداره، لما مشي معاهم الجندي، الضابط ضلوا في المكتب، قبل ما يوصلوا للدار، قللهم الجندي ديروا وجوهكم على الحيطه وارفعو اديكم، طبعاً هاذا مسلح وبحكي معاهم وبيأمرهم، داروا وجوهم ورفعوا ايديهم وحط هالمشط بدو يرشهم مع جينة الضابط اليهودي اللي هو كان مسؤول عنهم في هداك البكس، والا هو راح ماسكو للجندي وبهدله، ما خلاه يطخهم، المهم الضابط وصّل اخوتي، بعدها صاروا يقولوا في السماعات كل الشباب وكل الزلام يروحوا على الجامع، وكل واحد يطلع ويحط اديه على راسه ويروح على الجامع، إلي اخ اكبر مني بسنه، قلتللو يا خوي تعا نتفرج عليهم، قال يا خوي بدك ننطخ، قلت له زينا زي هالناس، انطخوا بننطخ، بدي اروح اتفرج، بدكاش انا بروح لحالي، قال اذن بنروح سوا، سحبنا حالنا وطلعنا، رحنا شفنا هالشباب وهالختياريه حاطين ايديهم فوق راسهم، حطينا ادينا فوق راسنا وسحبنا حالنا ورحنا على الجامع، والا شو ما شاء الله، الجامع للباب ملان، زلام وشباب وولاد، بعدها اجا ضابط قال الي معاه سكينه معاه موس يرميها، رموا الناس الاشياء الي معاهم، هاذا الجامع الو ساحه والو سور، والجنود تبعون اليهود فوق السور واسلحتهم مسلطينها على اللي بالجامع، اجا ضابط تاني بعد ربع ساعه قال كل الشباب يروحوا، بس الكبار يضلوا في الجامع، فهون سحبنا حالنا وطلعنا، بعد ابو حوالي ميت متر قلت بدي اشوف شو بدو يصير في هالجامع، وانا عمالي بحكي مع اخوي، الا الرشاشات والقنابل صارت تنزل على هالجامع، بأم عيني شفت الجثث، كانت تطير من فوق السور، هون لما روحنا بعد ساعة زمان، اجا الجيش، قال يلا على عبد الله، طحونا، حملنا اللي قدرنا نحمله من اللد لنعلين ومشيناها مشي وتركنا اغلب عفشنا وتركنا كمان اخ النا والحمد لله رب العالمين قعدنالنا تلات اربع ايام في نعليم وسحبنا حالنا واجينا على نابلس ومن يومها لليوم واحنا في نابلس.
شهود النكبة
روايات شفوية للشهود العيان على حرب عام 1948
اعداد: علاء ابو ضهير