في ديوان العائلة كان أبو وليد يجلس وآثار الزمن بادية في تجاعيد وجهه تحكي رحلة العمر المريرة ما بين الهجرة واللجوء، وتبدو من خلفه صورة كبيرة رسمت باليد للمسجد الأقصى .
أبو وليد هاجر مع عائلته من قرية “حتا” المدمرة، استهل حديثه عن النكبة وضياع فلسطين بقوله: “الانجليز باعوا أرضنا لليهود” . . كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي اشترك بشكل مباشر في بيع الأرض لليهود، وحتى تلك الأراضي التي لم يستطع نقل ملكيتها بالبيع ساهم في تشريد أهلها بالقوة حيث دعم العصابات الصهيونية بالسلاح والعتاد ووفر لها الأجواء المناسبة لسلب فلسطين غصبا، وهذه خطة تطلب انجازها وقتا منذ وعد بلفور عام 1917 وحتى النكبة التي بدأت فصولها في العام ،1947 حيث كان الفلسطينيون مستعمرين وممنوعين طوال تلك الفترة من امتلاك السلاح بالمقابل كان تسليح اليهود يجرى على قدم وساق فكان هناك 700 ألف يهودي مسلحين واخذوا بمهاجمة القرى تحت سمع وبصر الجيش البريطاني .
ويتذكر أبو وليد تلك الأيام وهو يقلب في أوراق “الطابو” الخاصة بأراضي عائلته في “حتا”، ويقول: كنت واحداً ممن هاجروا من هناك، بعد ما سمعنا عن سكان القرى المجاورة قد تركوا بيوتهم وخرجوا إلى الساحل، كانت أنباء مجزرة دير ياسين حاضرة في كل المجالس والأحاديث، خوفا من مجازر أخرى وإشاعة بأن اليهود لم يدخلوا قرية أو مدينة إلا وعاثوا فيها فسادا، هاجرت وعائلتي الكبيرة من قريتنا وتبعنا الناس إلى حيث لا ندري، كان صوت الطائرات كفيلا أن يدب الرعب في قلوب الجميع كباراً وصغاراً ويزيد من سرعة الخطى أثناء المشي مبتعدين في كل خطوة عن أرضنا .
“حتما سنعود” عبارة حفظها الفلسطينيون عن ظهر قلب، أيقنوا أن طيورهم سترجع يوما إلى أعشاشها، وستحلق في آفاق سمائهم وعلى شواطئ بحرهم ستلتقي أمالهم . . “حتما سنعود” رددوها بإيمان لأن الحلم لابد أن يتحقق والمحتل إلى زوال .
جريدة الخليج 15/05/2010