ياسر قدورة - مخيم البداوي
أنا بالهوية "فضة"، طلعت من فلسطين بالهوية، عندما طلعنا من فلسطين أبي سجلنا من عائلة فضة وليس مرة، ولكن بالأصل نحن "مرة". وأنا مواليد 1926 بالهوية، ولكن يحقيقة 1929، من مواليد سحماتا.
كنا عايشين بالحارة التحتا (الشمالية)، ليس أمامنا بيوت وكاشفة على فسوطة والدير، أي بآخر الحارة الشمالية، في حاكورة لمحمد يوسف ومن تحت هناك الخلة.
كنا عايشين بالبيت ستي وسيدي وأبي ونحن العائلة وعمي فهد، وبالآخر كل واحد طلع لحاله.
جيراننا دار الشيخ محمود الجشي (أبو عوض) وعمي أبو حسن، ومصطفى علي قدورة، دار محمد خليل.. عمي أبو حسن (محمد فضة) هو من بيت مرة أيضاً كان ساكن بيت طابقين (بجانب بيتنا).
أنا لم أدخل المدرسة، ولكن أتذكر المدرسة وأتذكر الخلة وطريق برزيق وطريق درب الدورة، والجامع كان بنصف الحارة التحتا، وفي الحارة الفوقا (القلعة) فيها دار موسى وسعيد العبد، والحارة الغربية دار حسنة، ودار حسن.
في حالة المرض، كنا نروح على ترشيحا نحكّم أعيننا، وعلى حيفا وعكا، كان في واحدة اسمها شيخة الشيخ كانت تستخدم بعض الأشياء والأعشاب للمداواة، تقطر للعينين، ترقي المريض، وترفع بنات الأذنين.
الداية في سحماتا كانت سعدية بلشة، توفت وجاءت كنتها الحاجة حمدة عابدي، ثم جاء ت كنتها بعد وفاتها اسمها فاطمة أحمد العابدي.
الحياة اليومية في سحماتا
للغسيل والماء كان يوجد بيارة ( جمع بئر)، كان عندنا بئر للشرب وعند دار عمي أبو حسن بئر للشرب، اللي ما عنده ماء للشرب كان يذهب ويحفر ماء من العين (عين برزة) على الدابة، ويحضروا ماء من طيريا (بين البقيعة وسحماتا).
كنا نعمل خلايا (طين) ونعمل باب صغير للخلية ونعلقه بقطعة قماش ونضع المونة فيها، في ناس يعملوا مدور للقمح وللشعير (بالحصيرة) وفي سدد جمع سدّة) للمونة.وكنا نخبز بداخل البيت عالصاج، كان فيها داخون لخروج الدخان، أنا خبزت عالصاج.
سحماتا .. وعصر الزيتون
لما كنت بسحماتا، كنا نزرع دخان وزيتون، ونعشب وننكش.
بالزيتون كان الشباب ومعهم شقشاقة وخراطة، يضربها على الزيتون وينزل على الأرض والنساء كانت تجمع الزيتون (تجولّ)، وكنا نفرد أكياس تحت الزيتون، نمشي نلمّ ونضع بالسلة.
وعندما يتجمع كمية كبيرة كنا نضعها على الحمارة، وتجمع الكميات الكبيرة.
وبالليل كانوا يروحوا ويعصروا الزيتون، وبالآخر عملوا بابورين، وكان في 3 معاصر تعصر بسحماتا، معصرة بالحارة الفوقا، ومعصرة عند حسين علي، ومعصرة عند عمي أبو حسن (أخو جدي).
والزيتون كنا نضعه بالبيت، وعندما يأتي دور الواحد للعصير، نذهب ونعصر الزيتون وننقله على الدواب للبابور.
العرس والزفة في البلد
ما يميز سحماتا أعراسها، كانوا يحتفلون كثيرا" بالاعراس، العريس ليلة العرس يعللوا وليلة الحنة يحتفلوا.
كانت تأتي الأم لتخطب للعريس، فتعزم البلد كلها، يكتبوا الكتاب، وبعد 3 أو 4 أيام تعزم البلد كمان، وكانوا يجب ان يحضروا نقوط للعروس، فكانت المرأة اللي أوضاعها فقيرة، كانت تأتي الأم وتعطيها كم قرش وتقول للفقيرة تفضلي عنا الليلة بدنا ننقط عروستنا، وتجلس العروس والناس حولها، ويبدأ الغناء والرقص، وعند الانتهاء يفردوا البقجة ويبلش النقوط ويلموا 10-15 فستان وليرات، فكانت العروس لا تحتاج غير الفساتين الجلاء.
أما الرجال فعند أخذ العروس من بيت اهلها، بيقولوا لها:
يا شمس غيبي من السماء اليوم في عنا عروس
والصبايا تغني لها، وهي ذاهبة لعند العريس يركّبوها عالفرس، ولكنها كانت تعزم العريس قبل ليلة، فتأخذ زوجة اللي عزم لعنده شرشف وتقول لأهل العروس، أن غداً عزومة العروس عندنا غداً بالليل وثاني يوم الصبح.
وعند المغرب يأتي العريس من الرحبة بعد أن يطوف بالنهار، والعصر يأتي الشباب والصبايا ويذهبوا عند العروس والمغرب، يلتقي العروس والعريس ويقولوا :
يا ذكر الله يا خزاك يا ابليس يا مين يروح يبشر العريس
والشيخ يؤذن له عند دخوله على العروس.
الرجال في العرس كانوا يسحجوا على الحطب (يجمعوا الحطب 3-4 أيام ) على الجمل، والسحجة كانت طويلة والنار تولع في الطريق (قبل وجود اللوكس).
أنا انخطبت لما شافوني بيت عمي عم نخبز عالصاج. جاءوا دار عمي (حماي) ليخطبوا بنت غيري ولكن عندما شافوني غيروا رأيهم وقرروا خطبتي.
كانت البنت بالأول لا يؤخذ رأيها، فوافق والدي دون علمي، ثم كتبوا كتابي وأنا لم أر العريس بالأول ولا أعرفه.
عن أيام الـ 36
أيام ثورة 1936: مثلاً كانوا عند أبوك يبعثوا 4-8 أشخاص، وعند غيره كذلك، ولعند اللي يعرفوهم يستطيعون إطعامهم وتلبية حاجاتهم، ويناموا الثوار قليلاً.كنا يقولوا للأولاد، أوقفوا على طرف الشارع، وإذا رأيتم سيارات الإنكليز، قولوا (غيّمت).. في أيام ما يلحقوا الثوار يشلحوا ويناموا إلا وتبدأ السيارات بالاقتراب. كان كل الشباب في تلك الأيام يشاركوا مع الثوار.
عندما قتل محمود صالح، عملوا نقطة بالمنزول، جاء الثوار وهجموا عليهم، وبلش القواص، ناس رحلوا على الدير من سحماتا، والبعض القبية والصفصاف وقتلوا انكليزي وهربنا عالقبية.
ولما رجعنا عالبلد كانت خربانة، بيوتنا مكسرة، الشعير والقمح كله مخلوط ببعضه بالتراب بالأخر راقت الأوضاع قليلاً.
نكبتنا عام 1948
طلعت من سحماتا بنت 14 سنة وبقيت بشعيب 4 سنين من 1944 إلى1948. وعندما طلعنا وطلعت الناس – عام 1948- أنا بقيت بشعب (قرية زوجي) وأنجبت ولداً ومات.. وجاء اليهود طوقوا مجد الكروم، صاروا يقولوا العزابي يرفع إصبعه والمتزوج يجلس جانباً،العزابي يركنوه بالباص والمتزوح على جنب، جاؤوا عند عمي فسألوه إذا كان متزوجاً وعنده عائلة، فقال نعم، فقالوا له أحضر عائلتك وتعال، فقال عمي لزوجة أخيه سوف تأتين معنا، فقال اليهودي لي: أنت روحي مع الخواجة (أي عمي)، فضبينا الفراش وشوية أغراض، وركبوا النساء والأطفال بباص وركبوا الختيارية بشاحنة مكشوفة، والرجال لحالهم بباص.
مشيت الباصات وكل ما نمر على كبانية (مستعمرة) كان أهلها يصفقوا ويبزقوا علينا.
فقلت:
فلسطين الأبية وين مجدك صار ومهما جرى لك من يوم تركناكي
ما تخرني يا زهرة البلدان راجعين لك بعد ما فرقناك
ثم تمضي بأبيات العتابا:
فلسطين بيضا ومااحلاكي تبتسم لي وانا بالعين باكي
لو انو لبنان جنة والفواكي ما بتلذذ على فراق الوطن
بلدنا ويا بلدنا
ما أحلى قعودنا بأرضك بلدنا
قوم ارحل يا يهودي من بلدنا
لهون أصحابها اللي كانوا غياب
والله جفتنا بيوتنا جفتنا
وألوف من الليرات وكلفتنا
طلعنا بليل منها وما التقتنا
ودشرنا البواب مفتحة
والله فلسطين ما بنساها.. اللي بيعرف فلسطين وعاش فيها قلبه محروق عليها، انا خلقت فيها وربيت فيها وتزوجت فيها، وفي إلي ولد مقبور فيها إن شاء الله راجعين.
ثم تذكر لنا قصة عم أخيها وتقول: أحمد مرة (أخي)، عندما قتلوا يهودياً بجدين ووضعوه ببئر السعران، وعندما جاء الارتباط يريدون اليهودي، فقالوا لأحمد أبو طالب تأخذ ليرة وتنزل تحضره من البئر، فأنزلوه وضبّ اليهودي بكيس ونشلوا الكيس.
ثم تكمل حديثها عن المعاناة يوم الخروج عن شعب:
أول ما وصلونا على خربة أم الفحم، في وحدة من البردة مخلفة ابن شهرين، وعندها ولد 3 سنين، وعندها ولد كبير (اسمه عبد) كانت جارتنا بمجد الكروم، لما طلعت الناس من البردة، طلعت معنا ووصلنا على الحدود، نزلونا من البوسطات، وقالوا لنا يلا عند الملك عبدالله، وبلشوا يطلقوا النار بالجو. في على رأسها صرة ملابس، وعند إطلاق النار من الخوف رمت ابنها اللي كانت حاملته ومسكت الملابس وهربت من الخوف.
وصلنا لخربة أم الفحم، بقينا هناك، فسألت جميل (زوجها) الصبي معك، قال لأ مش معي، ضاع الصبي، كانوا عم يفتشوا عليه، وعند رجعة اليهود، وجدوه ونزلوه معهم على مجد الكروم، وصلنا على عرعرة (عارة وعرعرة) بقينا 3 أيام، ثم ركّبونا على جنين، وهناك مات الصبي اللي عمره شهرين، وبقيت بصبي واحد، بقينا بنابلس 3 أشهر بالشوادر، كل 13 شخص بشادر. اليهود أخذوا الولد وحطوه على جنينة بمجد الكروم، وقالوا اللي بيعرف هذا الولد أو أقرباءه أو أهله، يأتوا ليتعرفوا عليه ويأخذوه فجاءت عمات الولد عرفوه واخذوه.
كبّوا نقلة ثانية كان فيها عمّات الولد والولد، وقال اليهود لهم : خذوا الولد لأهله فأحضروه، وعندما رأتهم أمه صارت تزغرد، فقالت جاءوا العمات وأحضروا الصبي معهم.. جاء ناس ليأخذوا سعيد المحمود، فسألهم عمي إذا كان بإستطاعتهم أن يأخذونا معهم، فسجلني عمي أنني بنته، وطلعنا على عنجر واستقرينا في لبنان.
سحماتا حزينين عليها وأتمنى نرجع بلا شادر ولا شيء فقط تحت السماء بس نرجع على سحماتا. يوم ما رحت على بوابة فاطمة في 15 ايار 2011، رجعت زعلانة وبكيت بكاء كثير.. اللي لم يتربى بفلسطين لا يعرف قيمتها.. الحمد الله اللي في ناس تذكر سحماتا، لو نعقل كنا بقينا بلا اكل عندما خرجنا منها.