الحسيني، أحمد محيي الدين أفندي: (1223-1295ه/ 1808-2878م)
(العلامة والفقيه والأديب ومفتي غزة في النصف الثاني من القرن الماضي.)
غلب لقب الحسيني، نسبة إلى الحسين بن علي، على الكثير من عائلات الأشراف في مدن فلسطين، ومنها غزة والقدس وغيرهما. قيل في عائلة عبد الحي إنها جاءت من طرابلس الشام وجعلت غزة موطنها منذ القرن الحادي عشر الهجري. لكن صاحب «إتحاف الأعزة» يقول إنه شاهد شجرة نسب العائلة التي تعود إلى الشيخ بدر الحسيني، دفين وادي النسور في القدس. تولى أولاد الشيخ عبد الحي وأحفاده القضاء والإفتاء في غزة جيلاً بعد جيل خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أحمد محيي الدين هو الابن الوحيد للعلامة الشيخ عبد الحي، الذي انحصرت فيه الوظائف المهمة الثلاث: القضاء والإفتاء في مدينة غزة، والخاطبة في الجامع الكبير العمري. ولد في غزة سنة 1223ه/ 1808م، وتربى في حِجر والده. طلب العلم في غزة على الشيخ يوسف أبي زهرة، ومفتي الشافعية محمد نجيب النخال، وشيخ الحنفية صالح السقا. ثم رحل إلى الجامع الأزهر لإكمال تحصيله ودروسه فيه على علماء عصره الشيخ حسن القويسني، ومفتي الديار المصرية الشيخ أحمد التميمي الخليلي، وغيرهما. وأجازه مشايخه بالإفتاء والتدريس، وعاد إلى غزة سنة 1252ه/1836م، ومكث هناك نحو خمسة أعوام. فتنازل والده له عن ظيفة الإفتاء، وظهر فضله وارتفعت منزلته عند الحكام والعربان وأهل القضاء. وقد وصفه الشيخ الطباع الذي ترجم له أنه كان كمفتي الخليل الشيخ خليل التميمي، ومفتي دمشق السيد محمود أفندي حمزة، متضلعاً في الفقه، وله دراية تامة في الفتوى، فتواردت عليه الفتاوى من كل صوب. وقد جُمعت فتاواه في مجلد كبير لكنها ضاعت مثل معظم مخطوطات علماء هذا البلد. وكان له معرفة تامة في التاريخ والأدب، وعنده ملكة قوية في الشعر، واستحضار عظيم في المحاورات والمطارحات. كما كان له عناية بالمصالح العامة والأمور الخيرية، وبذل همة زائدة في بناء جامع ومدرسة عند مزار السيد هاشم. واستحصل لهذا المشروع على معونة كبيرة من السلطان عبد المجيد، وحض الأعيان والأثرياء على المساهمة فيه حتى تم كما يريد. وكثر حساده، على عادة أهل البلد، فكادوا له حتى فُصل عن وظيفة الإفتاء سنة 1278ه/ 1861م، وصدر الأمر بنفيه فاختار القدس وتوجه إليها، وأقام فيها مدة ثم عاد إلى غزة، وأعيد إلى وظيفته، لكن وُوجه باضطراب وحركات بسبب انتقاده للسياسة العثمانية الجديدة المتمثلة في التمغرب ومركزية الحكم في فترة التنظيمات. وأحس بالنفي ثانية سنة 1282ه/ 1865م، فسافر خلسة إلى مصر عن طريق العريش، وأقام فيها مع أنجاله نحو عام ونصف العام. وفي مصر، اتصل بالخديوي إسماعيل، وقدم له قصيدة مدح، فتوسط حاكم مصر له حتى صدر العفو عنه والترخيص له بالرجوع إلى غزة. وكان رجوعه في رمضان 1283ه/ كانون الثاني (يناير) 1867م، وأعيدت إليه وظيفة الإفتاء. وللمرة الثالثة قامت فتن ومفاسد حتى رفع من وظيفته وعُين مكانه الشيخ داود وتيدة البكرية. وأعيد إلى وظيفته بعد مدة، ثم، في سنة 1293ه/ 1876م، فصل عنها ونفي إلى الشام، فنزل عند الأمير عبد القادر الجزائري بمزيد العناية والحفاوة. وفي سنة 1294ه/سنة 1877م عاد إلى غزة، وكانت الشدائد لا تزيد إلا إقداماً وجرأة لكنه لم يعمر طويلاً فكانت وفاته فيها في 6 ذي القعدة 1295ه/ الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1878م. ودفن في أعلى تربة باب البحر القديمة، المقابلة لمدفن الشيخ شعبان أبو القرون، وكتب على ضريحه أبيات من الشعر أولها:
إن هـــذا قـبــــر نـجــــــل المصطفـــــــى محيـي ديـن اللـه مفتـي العصـر أحمـد
ورثاه جماعة من العلماء والفضلاء، منهم الشيخ راشد المظلوم والشيخ أحمد بسيسو بمرثيتين. وقد خلّف أنجالاً وأعلاماً أبرزهم حنفي أفندي، المفتي، وحسين أفندي.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع