الريماوي، الشيخ علي: (1860-1919)
(شاعر وصحافي وأديب ومعلم، أنشأ جريدة «النجاح» المقدسية، من أوائل الصحف العربية في فلسطين (سنة 1908). وقبل ذلك عمل في الصحافة محرراً لجريدة «الغزال» الشهرية الرسمية ومحرراً للقسم العربي في جريدة «القدس الشريف»، أول جريدة صدرت في فلسطين سنة 1876. كما ساهم خلال كل تلك الأعوام في تحرير الصحف الأخرى وفي تزويدها بعدد كبير من قصائده ومقالاته.)
ولد في بلدة بيت ريما، قضاء رام الله، وتلقى دراسته الأولية على والده الشيخ محمود الريماوي، أحد علماء عصره، وفي مدارس القدس، ولا سيما المدرسة الرصاصية. سافر بعد ذلك إلى مصر لاستكمال دراسته في الأزهر. وجاور هناك مدة اثني عشر عاماً درس خلالها أصول الفقه واللغة العربية وآدابها. واشتهر في مصر بقرض الشعر، وأخذ ينشر الكثير منه في صحف القاهرة، وفي مجلة «المنهل» المقدسية التي أنشأها موسى المغربي. وعاد إلى القدس وسكن فيها، وعين مدرساً للفقه وعلوم اللغة العربية في إحدى مدارسها لأن الشعر والصحافة لم يكونا ليكفلا العيش الكريم، فكان حتى على محرري الصحف أن يفتشوا عن الأشغال الجانبية لمعيشتهم. وذكر العقاد أن الشيخ علي اشتغل محرراً لجريدة «الغزال» الرسمية الشهيرة، كما حرر في جريدة «القدس الشريف»، قسمها العربي، سنة 1876، وكانتا أول جريدتين صدرتا بالعربية في فلسطين. ثم انتقل للتدريس في مدرسة المعارف، واشتغل في الوقت نفسه محرراً للقسم العربي في جريدة «القدس الشريف» الرسمية. ويقول يعقوب يهوشوع إن تلك الجريدة كانت الوحيدة التي استمر صدورها في القدس في فترة 1903-1908. فهل توقفت هذه الجريدة بعد صدورها سنة 1876 ثو عاودت الظهور سنة 1903؟ هذا ما لا يوضحه المؤرخان المذكوران للصحافة في فلسطين في ذلك العهد. وقد علّم الشيخ علي كذلك في مدارس يهودية وتسلم تحرير جريدتي «الغزال» و «القدس الشريف» سنة 1876، بحسب العقاد، وهو ما يثير الدهشة لأنه ولد، بحسب قول صاحب كتاب «أعلام الفكر والآداب»، سنة 1860، وأمضى في الأزهر اثني عشر عاماً. فهل نجح في ذلك كله في تلك السن المبكرة أم أن تاريخ ميلاده الحقيقي سابق للتاريخ المذكور؟
وبعد ثورة «تركيا الفتاة» وإعادة الدستور سنة 1908، ازدهرت الحياة الفكرية والنشاط الأدبي والصحافي. فأصدر الشيخ علي في 24 كانون الأول (جيسمبر) 1908 العدد الأول من جريته «النجاح»، وهي جريدة «سياسية أدبية علمية زراعية»، كما عرّفت نفسها.
ويظهر أن جريدة «النجاح» صدرت بصورة غير منتظمة أيام الخميس من كل أسبوع، وكان أحد أهداف الجريدة تحسين العلاقات المتدهورة بين الحكومة التركية والمواطنين العرب في البلد، فنشرت مقالاتها وأخبارها باللغتين التركية والعربية، وكتب محرر الجريدة، الشيخ علي، في هذا المجال تحت عنوان «العربية والتركية شقيقتان فما بالهما تختصمان»، يفند الآراء القائلة إن الشعب التركي يعمل على خنق اللغة العربية ونشر التركية. ودعا العرب إلى تعلم اللغة التركية كي يستطيعوا الترقي في المناصب الحكومية وألا يخشوا من فقد قوميتهم. واستمر في الكتابة في الصحف والمجلات الكثيرة التي صدرت بعد سنة 1908. وقد ساهم في تحرير جريدة «القدس»، لصاحبها جورجي حبيب حنانيا. وهكذا، كان الشيخ علي أحد الشعراء والصحافيين البارزين في فلسطين عشية الحرب العالمية الأولى.
ولما نشبت الحرب الكبرى، تكونت بعثة علمية من العلماء والأدباء اختارها أهالي سوريا وفلسطين، بأمر من جمال باشا، ناظر البحرية وقائد الجيش الرابع، وتوجهت إلى دار السلطنة في الآستانة لتعلن ولاء السكان للدولة والسلطان، ولترفع تهنئتهم بانتصار «جناق قلعة» على الأسطول الإنكليزي. وضمت البعثة 31 شخصية نابوا عن أربعة ملايين من سكان بلاد الشام، وكان منهم تسعة من مدن فلسطين: الشيخ إبراهيم العكي، والشيخ عبد الرحمن عزيز من عكا، ومحمد أفندي مراد مفتي حيفا، ومحمد أفندي تفاحة، وعبد الرحمن أفندي، والحاج إبراهيم من نابلس، وطاهر أفندي أبو السعود مفتي الشافعية في القدس، والشيخ علي الريماوي، والشيخ أبو الإقبال سليم اليعقوبي من يافا. واختار جمال باشا صديقه الشيخ أسعد الشقيري ليكون رئيساً للبعثة. وخرجت البعثة من دمشق في أيلول (سبتمبر) 1915، ولبثت أسابيع عديدة في العاصمة العثمانية كي تساهم في الدعاية التركية بين المسلمين. وخلال زيارة البعثة للآستانة ألقيت الخطب والقصائد تمجيداً للدولة ورئاستها، وكان أشهرها قصائد الشيخ علي الريماوي. ففي قصيدة ألقاها أمام ولي العهد يقول:
دامت موائدكم مبسوطة لبني ال إسلام والعلم تلطيفاً وتحسينــا
مكارماً يا ولي العهد قد شهــدت لها المكـــارم لا تحتــاج تبيينـــا
إنـا الـوفـــــود تشــرفنــــــــا بقـصركـــــــم ننهي الصداقة توثيقاً وتمكينــا
لا زلتم يا بنـي عثمـان فـي نعـــــم خلائف الله طول الدهر آمينا
وحين عادت البعثة من الآستانة كتب الشيخ علي قصيدة طويلة في «عودة الوفاء»، فيها الكثير من الثناء على جمال باشا. وقصيدته تلك فيها خلاصة لمهمة البعثة منذ توجهها إلى أن عادت إلى الوطن. ويقول الدكتور ياغي في ذلك: إن القصيدة تظهر قوة تمكن الشيخ علي من الأساليب العربية القديمة، ورسوخ ملكة البيان، وتعريفاً جيداً لمواكب من الإستعارات والمجازات والصور البيانية. ومن بين ما قاله في قصيدته:
ســرى وفــداك الغـازي ومثـلــك يـوفــد وعاد بملء البشر والعَـود أحمـــد
سرى عنك مضمون النجاح مسيرا وطالعه يا كوكب السعد (أسعد)
وزال الحكم العثماني، وجاء الإحتلال البريطاني، فوجدنا الشيخ علي يغير مواقفه من الأتراك، ويساهم في دعاية الحكام الجدد بقلمه ولسانه. فقد شارك في تحرير الملحق الرسمي لجريدة «فلسطين»، التي أصدرها الجيش البريطاني في «بلاد العدو المحتلة». وكانت إحدى تلك المساهمات قصيدة مديح للحكام الجدد في مناسبة مرور العام الأول على احتلال القدس في كانون الأول (ديسمبر) 1918، حيث يقول الشاعر:
وهــذا نهــار فيــه حـلــت قيودنـــــا وقـد نشـط الأقــدام وانطلــق الفــكـــر
وحل محل الظلم عدل محبب وقد لاح من بعد انطلاق لنا فجر
فكــل ضميــــر بالهنــــــاء ممتـــــع وكــــــل يـــــــراع فــــــي مهــارتـــــــه حــــــــر
إلى أن يقول في مديح الحكومة البريطانية:
بريطانيـا العظمــى وأن شهــيــــرة وعندك طبعاً يجمل الحمـد والشكـــر
عهدناك للمظلوم أعظم ناصر فمن أجل هذا جاءك الفوز والنصر
عـهدنــاك للإســلام أكــرم دولـــــة عـهدنـــاك والعمــــران دـيــنــــــك والـــبـــــــــر
وهكذا أمضى الشيخ علي آخر أيامه يمتدح حكماً جديداً آمن الكثيرون من أبناء جيله بأنه جاء ليخلص العرب من الإرهاب والظلم التركيين، لكنه لم يعمر طويلاً ليرى ما جاء الإنكليز به على الشرق العربي، ولا سيما على الشعب الفلسطيني. وتوفي في القدس، بعد أن أصيب بنزلة صدرية في شتاء سنة 1919، ودفن في مسقط رأسه، بيت ريما.
ويلخص الدكتور ياغي نتاج الشيخ علي الريماوي من الشعر بقوله إنه كان «جزءاً من التيار التقليدي المناهض للقومية العربية، التيار الهابط الذي يشد الحركة إلى وراء.» ومع ذلك، كان الشيخ علي أبرز الشعراء والصحافيين في فلسطين في أواخر العهد العثماني. وعدا مقالاته وقصائده، التي نشرتها الصحف، لم أعثر له على مصنفات مطبوعة غيرها. ويقول الزركلي في آخر ترجمته للشاعر: «وكان قد كتب لي أنه عامل على جمع "ديوان شعره" ولعلي أكمله.» لكن يبدو أن الشيخ علي توفي قبل أن يكمل مهمته، ولم يتمها شخص آخر من بعده.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع