د. مصلح كناعنة
أهم مصادرنا عن تاريخ ظاهر العمر وأسرته هي:
1.ميخائيل الصَبّاغ: تاريخ ظاهر العمر الزيداني. لبنان، 1935.
2.عيسى إسكندر المعلوف: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني. مجلة المشرق، 1926
3.أسعد مندور: ظاهر العمر. الموسوعة البريطانية، الجزء الثالث عشر.
4.طنوس الشدياق: أخبار الأعيان في جبل لبنان. بيروت، 1959.
5.محمد كرد علي: خطط الشام. دمشق، 1925.
6.عبود الصبّاغ: الروض الزاهر في أخبار ظاهر (مخطوطة محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس، رقم 1853).
7.حيدر شهاب: نزهة الزمان في حوادث عربستان (محفوظ في مكتبة جامعة كامبريدج، رقم 369).
8.جرجي يني: ظاهر العمر. مجلة المقتطف، نيسان 1923.
يختلف هؤلاء المؤرخون فيما بينهم حول النقاط التالية:
تاريخ هجرة قبيلة الزّيادنة من الحجاز إلى بلاد الشام، والأغلب يرجّح حدوث ذلك في النصف الأول من القرن السابع عشر.
اسم جد ظاهر العمر، أهو زيدان أم زيد أم زياد أم عز الدين.
تاريخ قدوم أسرة ظاهر العمر إلى عرابه واستقرارها فيها، والأرجح أن ذلك حدث في عهد جد ظاهر العمر في النصف الثاني من القرن السابع عشر.
بداية نفوذ ظاهر العمر
في عام 1698 ورث الشيخ عمر الزيداني عن والده التزام سهل البطوف والقرى المحيطة به.
وفي عام 1703 توفي الشيخ عمر وخلّف وراءه أربعة أبناء، وكان ظاهر أصغرهم سناً (14 عاماً). ورفض الأخوة الثلاثة الكبار أن يتحملوا مسؤولية الإلتزام نظراً لكثرة الديون التي كانت قد تراكمت على والدهم، فسجلوا الإلتزام باسم أخيهم الأصغر ظاهر. وهكذا أصبح ظاهر العمر الملتزم الرسمي لمنطقة البطوف من قِبَل والي صيدا العثماني. ونتيجة لسياسة ظاهر الحكيمة تجاه العائلات الرئيسية في عرابه وعلاقاته الحسنة مع قبائل البدو المحيطة، استطاع ظاهر أن يحمي أهل القرية من استغلال الوالي التركي في صيدا، ونجح في تحويل عبء الإلتزام إلى مصدر رزق خصب، وإلى نواة لحكمه المستقل في شمال فلسطين فيما بعد.
معركة البعنه
في سنة 1721 اصطدم ظاهر العمر بالحكم العثماني لأول مرة. فقد طلب ملتزم منطقة الشاغور (المجاورة لمنطقة البطوف) من أهل قرية البعنه أن يدفعوا الضرائب المستحقة عليهم منذ سنوات، ولما رفضوا بعث ملتزم الشاغور يخبر والي صيدا بالأمر، فحضر الوالي على رأس جيش لإخضاع أهل القرية. وفي هذه الأثناء طلب أهل البعنه مساعدة ظاهر العمر، فجمع ظاهر فرسانه البدو من وادي سلاّمة وذهب إلى البعنه وعسكر فيها. ثم ضرب والي صيدا الحصار على القرية أربعين يوماً، فقرر أهلها الاستسلام للوالي. إلا أن ظاهر رفض أن يستسلم، لعلمه بأن الوالي سوف يرحل بعد أيام لحماية قافلة الحج السنوية. ولم يتمكن ظاهر العمر من إقناع أهل البعنه بالصمود فاستسلموا،وهرب هو إلى عرابة. وأراد الوالي اللحاق به، إلا أن السلطان أمره بالرحيل لحماية قافلة الحج التي كانت في ذلك الوقت سلامتها جزءاً من سلامة السلطان ذاته (أوفر الأوصاف تفصيلاً لهذه المعركة وصف عبود الصباغ في مخطوطته "الروض الزاهر").
في العام التالي (أي 1722) خرج ظاهر العمر مع الشيخ محمد بن نافع شيخ صفد، على رأس قبائل بني صقر لمحاربة وإخضاع قبائل بني صخر في منطقة مرج بن عامر، فانتصر عليهم وأخضعهم لحكمه، ثم استمر في مهاجمة القبائل الأخرى إلى أن خضعت له كل القرى والقبائل البدوية في الجليل وامتد حكمه على كل شمال فلسطين. وفي سنوات الازدهار هذه ما بين 1922 و 1925، كانت قرية عرابة أشبه ما تكون بعاصمة الجليل ومركز الحكم فيه، فبنى فيها ظاهر العمر بيتاً للحُكم لا يزال قائما حتى الآن (وهو الأثر الوحيد الذي تبقى من تلك الفترة، ويُعرف بدار مصباح)، وبيتاً ضخماً ورثته عنه زوجته من عائلة شَلش من عرابة بعد مقتله هو وأولاده الخمسة على يد أحمد باشا الجزار، ثم ورثه أقارب الزوجة بعد وفاتها وبقي في حوزة عائلة شلش إلى أن هدمه أهله في أوائل الثمانينات ليبنوا مكانه بيوتاً حديثة للعائلة.
الانتقال إلى طبريا
في سنة 1725 جرى صراع على السلطة في مدينة طبريا بين الحاكم التركي للمدينة وبين الزعيم المحلي الشيخ محمد النصار. ولما طلب هذا الأخير مساعدة ظاهر، رحل ظاهر إلى طبريا على رأس جيشه البدوي، ولدى وصوله حطم السجون وأطلق سراح من فيها، ثم أرسل إلى وادي صيدا يطلب العفو منه ويعلمه أنه فعل ذلك لعقاب الحاكم التركي على أعماله الجائرة. فرضي عنه الوالي وعينه حاكماً على المدينة، فنقل ظاهر عائلته من عرابه إلى طبريا واستقر هناك وأخذ يبسط نفوذه على ما تبقى من المناطق المجاورة.
في نهاية عام 1737 أخذ ظاهر العمر بالاعتداء على آل ماضي وآل جرار في منطقة نابلس، فجرّد والي دمشق سليمان باشا (وكانت نابلس في ولايته) حملة عليه، فهاجم طبريا وأسر أخاً لظاهر ثم أعدمه في دمشق. وارتاح ظاهر العمر قليلاً حين عُزِل سليمان باشا عن ولاية الشام عام 1738. ولكن في أيلول عام 1742 عُيِّن سليمان باشا ثانية على الشام، فخرج في حملة كبيرة ضد ظاهر اشترك فيها الأمير ملحم الشهابي من جبل لبنان وبدو بني صخر وبني صقر الذين كانوا على خلاف مع ظاهر. حاصر سليمان باشا قلعة طبريا ثلاثة أشهر، ثم اضطر للانسحاب بسبب اقتراب موعد خروج قافلة الحج من بلاد الشام.
بعد عودة قافلة الحج خرج سليمان باشا مرة أخرى ضد ظاهر بناءً على أوامر السلطان، فبدأ بمهاجمة قلعة دير حنا حيث تحصّن أخو ظاهر، ولكنه توفي في قرية لوبية قرب طبريا في آب سنة 1743، وخَلفه أسعد باشا الذي انتهج سياسة سلمية تجاه ظاهر. وكان هذا الأخير حريصاً على تحسين علاقته مع السلطان، فدفع أموال الميري بانتظام وحافظ على النظام والقانون في مناطق نفوذه. وفي سنة 1753 وقّع الفرنسيون على اتفاق تجاري مع ظاهر العمر لتنظيم التجارة بين البلدين، وفي نفس الوقت حصل ظاهر على التزام حيفا وقرى نابلس.
تَمرّد أبناء ظاهر العمر
في هذه الفترة أخذت تظهر بوادر الانشقاق بين أبناء ظاهر ووالدهم. في عام 1761 جرّد والي الشام عثمان باشا حملة على ظاهر، فاستولى على قلعة طرطورة (جنوب شرق حيفا) لكن ظاهر استعادها بعد قليل، وفي نفس العام استولى عثمان باشا على حيفا، ثم استعادها ظاهر في العام التالي. وكان ظاهر قد بدأ بعد نقل مركزه إلى عكا عام 1746 بتعيين أبنائه حكاماً من قِبَله، فأعطى طبريا لابنه الأكبر صليبي، وأعطى صفد لعلي، وشفاعمرو لعثمان، وصفوريه لسعيد، وجبل عجلون لأحمد. وطمعاً بزيادة نفوذهم ثار أبناء ظاهر على والدهم عام 1751 ولكن ثورتهم انتهت بالمصالحة، ثم ثاروا ثانية عام 1761 وانتهت هذه الثورة بالمصالحة أيضاً، ثم ثار علي لوحده على أبيه عام 1762 فأرضاه أبوه بمد نفوذه على قرى بين صفد وطبريا، ثم ثار عثمان عام 1765 فقبض عليه والده وسجنه ستة أشهر، ثم هرب عثمان إلى المَتاولة وحرضهم على والده وهاجم بهم قوات ظاهر لمدة عام كامل، وفي عام 1767 تمرد علي وسعيد على والدهما ولكنهما اضطرا إلى التصالح معه خوفا من ضياع نفوذهم بأكمله أمام الهجمات المتصاعدة للأتراك والمماليك من الجنوب.
نهاية حكم ظاهر العمر
في عام 1770 بدأت حملة علي بيك الكبير من مصر على فلسطين، فاحتل علي بيك غزة والرملة، وحين اقترب من حيفا قرر أن يدخل في تحالف مع ظاهر العمر، فبعث إليه بجيش بقيادة المملوك محمد أبو الذهب، فاحتلا معاً دمشق في حزيران عام 1771، إلا أن أبا الذهب انسحب فجأة بعد عشرة أيام وعاد إلى مصر لأسباب غامضة.
في نهاية عام 1771 سقطت صيدا في يد ظاهر العمر. وفي نيسان عام 1772 أعلن أبو الذهب تمرده على سيده علي بيك في مصر، فلجأ علي بيك إلى ظاهر العمر، فزوده ظاهر ببعض قواته لتعينه في العودة إلى مصر. وفي آذار عام 1773 وصل علي بيك إلى مصر فنشبت معركة بينه وبين أبي الذهب جُرِح فيها علي بيك ثم توفي بعد أيام. وفي هذه الأثناء تدخل الأسطول الروسي إلى جانب ظاهر العمر فهاجم بيروت وطرد أحمد باشا الجزار وأتباعه منها وأدخل بيروت في نفوذ ظاهر العمر بالإضافة إلى صيدا.
في آذار عام 1775 عاد أبو الذهب إلى غزو فلسطين، وهاجم قوات ظاهر العمر فانتصر عليها وهرب ظاهر من عكا. لكن أبا الذهب توفي فجأة في عكا في حزيران، وعاد جيشه إلى مصر. ولم يعد أمام الدولة العثمانية سوى أن تبعث بأسطولها لدحر ظاهر العمر، فاحتل الأسطول التركي حيفا ثم عكا في آب 1775، وحاول ظاهر الفرار فقتله جنوده المرتزقة في أواخر آب من تلك السنة. وهكذا انهار حكم ظاهر العمر، ثم قُتل أبناؤه جميعاً على يدي أحمد باشا الجزار في السنوات القليلة التالية.
* (كتب هذا المقال في أيلول عام 1979، وأجريت عليه تعديلات وإضافات عام 1989.)
|