ما يزال اللاجئ الفلسطيني الحاج مصطفى أبو كويك (85 عامًا) محتفظًا بلباسه الفلسطيني التقليدي "العقال والقمباز والجلباب"، في صندوق خشبي استطاع أن يجلبه من اللد، ليرافقه في رحلة طرده التي قاربت على الثلاثة وستين عامًا، تأكيدًا منه على تمسكه بتراثه الأصيل.
وتحتفظ العائلة التي تقطن في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة في صندوقها الخشبي بمفتاح بيتها، إضافة إلى شهادات الميلاد وشهادة ملكية الأرض، وأدوات القهوة، ومطحنة الدقيق والعدس.
ويُحي الحاج مصطفى ذكرى النكبة التي ألمت به وبعائلته كما الشعب الفلسطيني كله، وعيونه ترقب يومًا يعود فيه إلى بلدة اللد التي اغتصبها اليهود منهم عنوة، وما زالت هذه الذكرى تنكأ ذاكرته، ولا تزال جراحه شاخصة أمام عينيه.
ويُعد الفلسطينيون قضية اللاجئين الذين بلغ عددهم 4.8 ملايين شخص حسب آخر الإحصائيات الرسمية من أهم القضايا الرئيسية، وترفض "إسرائيل" بشكل قاطع البحث في عودتهم إلى ديارهم.
وأجبرت العصابات الصهيونية قبل 63 عامًا أكثر من 700 ألف فلسطيني على ترك منازلهم في فلسطين، ويتوزعون الآن بين الأردن وسوريا ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، والعديد من الدول الأخرى.
ويحي الشعب الفلسطيني في 15 من مايو /أيار من كل عام ذكرى نكبته، التي وجُدت بفعل قيام اليهود بتهجير ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه قهرًا، ومن ثم أقامه الكيان الإسرائيلي على دماء الأبرياء.
حديث النكبة
ويدعو الحاج أبو كويك الله دومًا أن يعود إلى بلدته، التي يصفها بقوله "بلدتنا جميلة، وكروم البرتقال تزينها، ومنزلنا جميل يتوسطه فرن الطابون، كنا نلعب أمام مسجد القرية".
ويضيف كويك وهو يمسك بيده مفتاح بيته الذي طرد منه "المغتصبون الذين حرمونا من فلسطين سنطردهم وسنعود إليها، وسنعمرها بأنفسنا وهذا حلم لا أنساه وأوصيت أبنائي بعدم نسيانه".
وبينما الحاج يكمل حديثه قاطعه ابنه الأكبر يحيى، قائلا: "أبي يحتفظ بمفتاح بيتنا حتى اللحظة ويوصينا دائمًا بالعودة لأنها حق لا يمكن التنازل عنه".
وبلكنته العربية الأصلية، يعود الحاج ليروى قصة تهجيرهم من بلدة اللد إلى مدينة رام الله مردفًا "احتلت بلدتنا بعد معارك شرسة مع العصابات الصهيونية التي عجزت عن التقدم ولو لمتر واحد إلى الداخل، فقررت تنفيذ عملية تبدأ في الساعات الأولى من صباح 1651948".
وبدأ الحاج يستحضر تلك المشاهد القاسية عندما احتلت قريته أمام ناظريه، مضيفا "بدأ الهجوم من الجبهة الشرقية للبلدة بعد تطويقها لمدة ثلاثة أيام، وقامت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي بالهجوم بعد إسقاط القرى المجاورة، واحتلت القرية في المساء، وأصيب الناس بالهلع والخوف وخرجوا منها".
ويتابع "لا أنسى ما ارتكبته إسرائيل بحق بلدتنا، ففي صباح يوم الاثنين أجبر أهل القرية على الرحيل منها، واستولت العصابات على البيوت، بعد أن قتلت 425 من الأهالي، وهدمت مسجد القرية فوق رؤوس من احتموا فيه، وجمع بعضهم في قبو المسجد وأطلقت النار عليهم". ويكمل بعد تنهيدة عميقة "طردنا بعد ذلك من منازلنا، وقتل الرجال، وهرب الأطفال والنساء، ولم نأخذ أي شيء سوى أطفالنا".
حق أصيل
ويطالب كويك العالم والأمم المتحدة بالتحرك وإيجاد حل عادل لقضيتهم يتمثل في عودتهم إلى ديارهم، وترك ما يسمونه "التوطين"، لافتًا إلى أن العرب لا يؤيدون الموقف الإسرائيلي الرافض لحق العودة المقدس.
وتقع مدينة اللد في الجنوب الشرقي لمدينة يافا، وترتفع خمسين مترًا فوق سطح البحر، و لها تاريخ عريق، وقام الفاتح عمر بن العاص باستعادتها من الرومان وأرجعها إلى حضن الإسلام، فكانت قلاعها تتخذ خطوط دفاع ضد الغزاة.
ولعب أهالي البلدة دورًا رئيسيًا في التصدي لمختلف الغزاة الذين حاولوا احتلالها، وكان آخرهما التصدي للاحتلال البريطاني وخوض معارك شرسة حتى تقهقر عنها.
وفي اتصال هاتفي مع "تحفة" الإبنة الكبرى للحاج مصطفي والتي تقطن في دولة الإمارات، تحدثت عن ذكريات النكبة قائلة:"تلك الأيام لا أنساها، ودائمًا أحدث أولادي كي لا ينسوا حقهم في العودة إلى منزلي الجميل".
وتضيف "تحفة" أنه "لا تنازل عن هذا الحق، فلدي بيت جميل هناك ومزرعة يوجد بها أشجار البرتقال والنخيل وشجرة كبيرة من الجميز وفرن من الطين، وهذا لن أتخلى عنه أبدًا".
المصدر: دائرة شؤون اللاجئين