أجرى اللقاء رفيق بكري
في قرية بيت جن الجليلية في شمال البلاد تسكن عائلة سليم، العائلة الوحيدة التي بقيت في البلاد من قرية السمّوعي بعد نكبة عام 1948، وكان نصيب باقي سكان القرية البالغ عددهم خمسمائة نفر القتل أو التشريد في الشتات.
في بيته الثاني في بيت جن بعد السمّوعي، التقيت مع الحاج محمود محمد سليم 76 عاماً (أبو محمد)، وزوجته أمينة سليم 67 عاماً وهي من عائلة الصفدي (قصقص) في قرية فراضية قبل الزواج، وشاركتنا اللقاء ابنتهما سميحة.
في هذا اللقاء كان أبو محمد بروحه الفكاهية يخلط أحيانا بين الجدّ والمزاح والنكتة، في محاولة للتخفيف من عبء وثقل الهمّْ، وعمق الجرح الذي ينزف منذ ستّين عاماً.
كان مهباجْ مُختار السموعي العبِدْ صالحْ يُضْرَبْ والناسْ تِلتَمّْ عِندو
قلت: احكيلي يابو محمد عن بلدك السموعي قبل الإحتِلال.. قال: كانت لِبلاد في فلسطين عامْرِة.. بلدي السموعي قضاء صفد.. بِحِدّها من الشمال: الجش، الصفصاف، كفر برعم، سعسع، صَلحة، فارة، وقَدَسْ.. ومن الشرق:الظهرية، عكبرة، ميرون، قدّيثة، عين الزتون، دلاّثة، علما وبيريا.. ومن الجنوب فراضية وكفر عنان، ومن الغرب بيت جن.. كُنّا عايْشين على الزِراعَة وتَربِيِة الحَلالْ..السموعي كانت مشهورة بزِراعِة الدخان والذُرَة الصَفرَه والذُرَة البيضَا وكلّْ أنواع لِحبوبْ... كانت قَعْداتْ ودَواوينْ الناسْ أكثر إشي عِند مُختار السموعي العبِد صالح (أبو صالح).. كان أخو المختار احمد صالح (أبو عادل) يُضرُبْ عَ المهباج وتِلْتَمّْ الناسْ عِندو، وكل واحَدْ يِحكي اللي صار معاه في النهار.
السموعي بلد صغيرة كُلّها من الطايْفِة الإسلاميِّة، فيها ست عائلات: سليم، أشقر، الحجّْ، الخليل، قَدّورَة، وشحادِة... في بلَدنا كان في مدرسة للصف الرابع.. بعد الرابِعْ نروحْ نْكَمِّلْ تَعليمنا بميرون، والصفصاف والجش، وننتقل على الثانوية في صفد.. أنا تعَلَّمت في ميرون وبعدها في الصفصاف للصف السادس، كان مدير المِدرسِة إسمو غالب عباس من صفد (عَمّو للرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم)، ووَلّعت الحرب، وما كَمّلت تعليمي.
ولا قَطَعْ الحبِلْ ولا وْصِلناه
لمّا ذكر أبو محمد إسم محمود عباس قاطَعَتو إم محمد بغَضَبْ وقالت: لا أوّلهن بَالله ولا آخِرهُن بِسم الله.. قلت: شو قَصْدِك يا إم محمد؟..قالت زيّْ اللي كاتْمِة بصِدِرها كلام كثير: ولا قَطَعْ الحبِلْ ولا وْصِلناه.. قلت: مِشْ فاهِمْ.. قالت: يعني قِلِّتْهُنْ ولا هُنِّ..من يوم ما وْعينا وهُنِّ يْقولوا السِنِة بَدْهِن يِحِلّوا قضيِّة اللاجِئين.. كُلّو كِذِبْ بِكِذِبْ، يعني قِلِّة الحَكي أحْسَنْ لأنو ما حَدا بِجيبْ سيرِتنا وَلا مِسْتَعْبِرنا.
ثلاثين سِنِة قَعَدنا بِالأجارات في بيت جن على أمل نِرجع عَ السموعي
صَفْنَتْ إم محمد وهَزَّت بْراسها وتابَعَتْ: ثلاثين سِنِة قَعَدنا بِالأجارات في بيت جن كِبرَتْ سميحَة، وهاي حَميدَة بِنتي الثانيِة بْتِتعلَّم دكتورَة.. جوزي ما كان يِعَمِّرْ أو يِشتري أرض وكُلّْ ما أسألو يقول: بُكرَة مْنِرجَعْ عَ السموعي، بِالآخر لمّا القصّة طالت عَمّرنا وسكَنّا.
نَطّْ أبو محمد قال: واللهِ صحيحْ.. صَرْلي أشتري أرضْ بْعَشَرْ تَلاف، وما كُنتْ أشتريها على أمل أرجَعْ عَ السموعي.
سَحَبْ الزابِطْ الفَردْ مِنْ جَنْبو وْكَيَّلو..وْجَرّو وْزَتّو بْقَلبْ تَبّانْ بيتو وأعطى النار فيه
قلت: احكيلي يابو محمد كيف احتلوا السموعي.. قال: بالـ 48 احتلوا بالأوّل صفد ودلاّثة وقدّيثة وعَلما وعكبرة والظهريِّة وطيطَبَة، وصُرنا نِسمَع عن المذابِح اللي بِتصير في الشاغور والبطوف... وبعِد سِتّْ تُشْهُرْ من الإحتلال فاتو اليهود على السمّوعي.. كانت الناسْ كُلّها راحْلِة من البلد، وظَلّْ بَسّْ أربَع خْتيارِيِّة كبار في العُمُرْ: محمد ابراهيم الأشقر، وطلال طه الحَجّْ، ومحمد علي قَدّورة، ومحمد علي الطه... أجا الزابِطْ قال لَمحِمَّد علي قدّورة (ابو علي): قوام روحْ نادي المُختارْ.. راح أبو علي لاقى المختار على عين السَمّورَة وقَللو: يا عمّي أبو صالح الزابِطْ في البلد بَدّو ايّاكْ تواجْهو عَشانْ نِرجَعْ عَ السموعي.. رَدّْ المختار: مِشْ راجِعْ.. لأنّو إذا رْجِعنا بِطُخّوا كل الشبابْ... بتِعرِف يابو علي: بَبْعَثْ ابني صالِح معاكْ.. قال أبو علي: إنتي خايِفْ على روحَكْ ومِشْ خايِفْ على إبنَكْ!!..قال المختار: خُذّْ هاي سلاحْ أهل البلد إرجع وقول للزابِطْ.. المُختار ما بَدّو يرجع.. رِجِع أبو علي عَ البلد وأخذ معاه من المُختار سبَعْتَعشَر بارودِة.. ولمّا وِصِلْ سألو الزابِطْ: وين المختارْ؟.. قللو أبو علي: ما كان ييجي مَعاي.. قاللو الزابِط: طَيِّبْ إمشي قُدّامي دِلني على دارَكْ.. مِشي أبو علي قُدّامو.. ولَمّا وِصلوا الدارْ قام الزابِطْ سَحَبْ الفَردْ مِنْ جَنْبو وْكَيَّلو..وْجَرّو وْزَتّو بْقَلبْ تَبّانْ بيتو وأعطى النار فيه.
رِجعْ الزابِطْ لَمحمد إبراهيم الأشقر وقللو: إمشي دِلني على دارَكْ.. راحْ الزابِطْ وحَطّْ الديناميتْ ونَسفلو دارو وقللو: وقِّفْ على جنب.
أجا لَطلالْ طه الحجّْ وقللو: وين دارَكْ؟.. قللو هيّاها..راح الزابِطْ وحَطّْ عليها دَمْغَة حَمْرَة ودَمْغَة زَرْقَة.. وقللو: وقِّفْ على جَنبْ.
وقام الزابط أخذ محمد علي طه الحج على دارو، كانت من طابْقينْ وحطّْ الديناميت في الدار الفوقى والتِحتى ونَسَفْها.
جَمَعْ الزابِطْ لِختيارِيِّة الثلاثِة وقَلّْهِنْ: إنتي يا محمد لِبراهيم نسَفْتِلّك دارَكْ لأنّو إبنَكْ كان يِشتغِلْ مع جيش العرب (الإنقاذ).. وإنتي يا طلال ولادَكْ صغار، عشان هيكْ عَلّمنالَكْ داركْ وما هدَمناها.. وإنتي يا محمد علي الطه نَسَفْنالَكْ الدار لأنّك كُنت مِتعَيِّن نائِبْ بِجيشْ الإنقاذْ.
أخَذوا أخوي علي وابن عَمّي رِضا وعبد الله الصرصور على طَرَفْ البلد، وقَوَّسوهِن الثلاثِة كوم واحَدْ
صَفَن أبو محمد وقالْ: شُفتِ اليهود شوف عيني بُقُتلوا تُركي قَدّورَة يا حرام...قلت: كيف.. وشو اللي صار؟.. قال: يوم... قللي أخوي علي: أنا نازِلْ أسقي العنزات على عين السمّوعي وأطَوِّشْ.. ونِزِلْ هو وإبن عمّي رِضا وعبدالله الصرصور.. هذا يا حرام من صفد وكان سارِحْ في السمّوعي يٍسقوا الطَرشْ... أنا وإمّي كُنّا بأرض بيت جن مِنْهِزمين.. قالَتلي إمّي: إنزل يا محمود لَعِند علي شَرّعوا العنزات واسقوهِنْ.. أجيت عَ البَلد وَلاّ سيارِة جيشْ جايْ مِن نَواحي فَرّاضْيِة.. ورُحتْ أركُضْ وهَوَّدِتْ عَ البيادِرْ ووصلت لاقيت أخوي علي، ورِضا إبن عمّي بِتْغَسَّلوا عَ العين وقلت: خَيّا خَيّا علي.. قال: مالك يا محمود..قلتِلّو: إنْهِزموا.. البلد فيها جيشْ ويهود.. قام علي ورِضا لِبسوا أواعيهِنْ، وعبدالله الصرصور وعبد الله إحمد الخليل وكمان واحَدْ ناسي إسمو، ووَراهِن تُركي قَدّورَة كان بَعدو ولَدْ، وعُمرو اتنَعْشَرْ سِنِة... طِلْعوا يُرُكضوا عَ الخَلِّة وجيبْ الجيشْ طايِِْر وَراهِنْ.. وبَلَّشْ لِبْرِنْ يِشْتغِلْ، ولِقْواسْ عَليهِن زَيّْ الشِتا... أنا وكمان ولد إسمو محمود الطه عَيَّطِلنا واحَد إسمو ذيب عثمان الذيب.. هذا كان في الجيش الإنكليزي وِطلِعنا عَلى سَفحْ الجبل وانهَزَمنا.
في الخَلِّة فاتو الخَمْسِة تخَبّوا بقلب الزتونِة وتُركي قَدّورَة كان وراهِنْ إجاه ثلاث رصاصات وِسْمِعتو صاح صوتينْ ثَلاثِة وماتْ.. واحَدْ منهِنْ تْصاوَبْ بِإجرو قَلولو: خُذْ هاذا لِخْتيارْ ويَلاّ مِن هونْ.. وأخَذوا أخوي علي وابن عَمّي رِضا وعبد الله الصرصور على طَرَفْ البلد وقَوَّسوهِن الثلاثِة كوم واحَدْ.
في بيت مختار بيت جن صندوق أمانات فِيّو وراق ومُستَندات لأهل السموعي ومحافْظين عالأمانِة لليوم
قلت: طيِّبْ وبعدين وين راحوا أهل البلد؟.. قال ابو محمد: أوّل يوم مختار السموعي العبد صالح أخذ أهل البلد على بيت جن، وناموا ليلِة في المدرسِة. وِبْحُكُمْ العِلاقَة لِمنيحَة بين مُختار السموعي مع مختار بيت جن كنجْ قَبلانْ الله يِرحمو حَطَّت الناسْ اغراضها وأمَناتها في بيت المختار كنج.
قاطَعَت سميحَة بنت أبو محمد وقالت: الحقيقة إنّو مختار بيت جن كنج قبلان وولادو من بَعدو حافظوا وصانوا الأمانِة لليوم.. وفي بيت اولاد المختار صندوق أمانات لأهل السموعي فِيّو وراق ومُستَندات لأهل البلد، ومِعتِرفين فيها وحاضرين يِوَصّلوها لَصحابها، ولَكُل مين بُطلُبها من السَمّوعيِّة... أنا رُحت مع أختي وسألنا ولاد المختار واستقبلونا بالتِرحاب وقالولنا خُذوا اللي بدّكو ايّاه على راحِتكو.
رِجِع أبو محمد تابَع وقال: قال مختار بيت جن من مختار السموعي: خلّيكوا عِنّا وأنا بَعمَلْ مَكتوبْ لَضابِطْ المنطِقَة عَشانْ تِرجَعوا عَ البَلد... بَسّْ المختار ابو صالح رَفَضْ وسَحَبْ الناسْ على لِبنان على بُنى جُمعة جُمِعتينْ ويِرجَعوا، ولليوم ما حدا رِجِعْ.. وِبقينا أنا وأُختي غزالِة تجوَّزت في قرية جديدِة (لقاسم المصري) ، وإمّي حميدَة الله يِرحمها.. ببيت جن وسجّلونا على أساسْ إحنا من أهل البلد وما ظَلّْ حدا من السموعي بِفلسطينْ غير إحنا.
بَحَشوا قبورْهِنْ بإيديهِنْ
وقال أبو محمد: عين الزتون قاوَمَتْ زيّْ دير ياسين، وما كانوا يِخَلّوا ولا يهودي يِطْلَعْ على صفد.. ولمّا استَحَلّوها اليهود، كَرَتوا كُلّْ أهل البلد وعَرَّبوا 37 شَبّْ زيّْ الغُزلانْ، كل شَبّْ أحسن من الثاني.. عَصّبولْهِن عينيهِنْ وِاطلَعوهِن على جبل كِنعان فوقْ صفد،... وهُناكْ صاروا يِطَلَبو من الشباب يِبْحَشوا قبورْهِنْ بإيديهِنْ، ويُطُلبوا من كل واحد يِنزَلْ على قَبْرو ويِتْمَطَّطْ.. وتيجي جُندِيِّة يهوديِّة تْقَوّسو بْقَلبْ القبر، وقَبِلْ ما تِطْلَعْ روحو يِطُمّوه بِالترابْ.. وهيك قتلوا الـ37 شَبّْ بْدَمّْ بارِدْ... وفي الصفصاف نفس الشي نَقّوا 45 شبّْ.. واحَد مِنْهِن إسمو مرعي حسن كان يِتْعَلَّم معي في مدرسِة الصفصاف.. طَخّوهِن كوم واحَدْ وبَحَشوا جورَة كبيرِة ودَمَلوهِن بِالترابْ.
الوَرْدِة الجورِيِّة بَعِدها بْتِطْلِقْ لليوم باب بيت عَمّي العبد صالح
قاطَعت سميحَة وقالت: لوْ بِتزور اليوم السموعي وِِتشوفْ.. الوَرْدِة الجورِيِّة بَعِدها بْتِطْلِقْ لليوم باب بيت عَمّي العبد صالح، والتينِة مِخِلْفِة بْسيحْ المَيّْ لَحَدّْ إسّا، والتوتِة واللوز.. وكروم البُرْدَقانْ اللي اسْتَولَتْ عليه كُبّانِيِّة (كفار شَمّايْ) اللي انْبَنَتْ على أرض السموعي.
قاطَعْ أبو محمد وقال: خَطْرَة في الـ56 رُحتْ أسرَحْ مع العنزات مع حياة فؤاد الشن من بيت جن.. أجو عليّْ شلعِة يهود سَألني واحد منهن: منوينْ إنتي؟..قلتلو: من السمّوعي...تغيَّرْ لونو وقال اليهودي: هاي الأرض إلنا وِاللي يْدوسْ أرضنا نْدوسْ راسو.. هاي أرضْ السموعي أرضنا... راح فؤاد الشِنّْ جاب العَصايْ وهَجَمْ عليه بَدّو يُضُربو وصَرَخْ فيه وقَللو: هاي الأرض إلك يا إبن الـ ..... يلاّ انقْلِعْ من هون.
هذا رِزِقْ أبوكْ يا إبنِ الكلب.. روح جيب البوليص واعمَلْ اللي بَدّكْ ايّاه
وتابَع أبو محمد: في واحد من بلدنا إسمو سامي علي طه الحجّْ، كان ولد صغير في الـ48 ، صار اليوم فوق الستين وساكن في كندا ومعاه الجنسِيِّة الكنديِّة، أجا قبِل سنتين لعِندي على بيت جن وقال: أنا جاي من عند قرايبي من النهر البارد وبَدّي أزور السمّوعي وأجيب تراب وحجار من بيتنا، وأعبّي ميّْ من نبع السموعي.. وِطْلِعتْ أنا وايّاه وبناتي وْمَرَتي...
وتابَعْ أبو محمد: رُحْنا معاه ولَمّا وصِلنا مَحَطِّة السمّوعي، قَعَدْ سامي وصارْ يِبكي.. يِقومْ يِمشي بِاتِّجاه صفد وِدموعو تْنَقِّط من دَقْنو.. أناديهْ وأقُللو: مِشْ من هون يا سامي..يِقول: هون كان في كروم زتون!!.. أقُللو: اليهود قَلَعوا الزتون والتين واللوز وكروم البُرْدَقان... نطَّت إم محمد قالت: الله يوخذهُنْ... وتابَعَتْ: طَلَبْ سامي شوَيِِّة شومر وخبيزِة.. نْزِلتْ تِحتِيّْ الشارِعْ والاَ شو هَالشومَراتْ هَالعِلْوِة.. صُرتْ أحَوِّشْ، وقصّيتِلّو كمانْ شويِّة جَعساسْ (ميرامِيِّة) وخُبّيزِة، ولَمّا أعْطيتْهِن لَسامي صارْ يِشِمّْهِنْ ويِبْكي ..... يَعني إشي بِبَكّي غَصِبْ... قاطَعْ أبو محمد وقالْ: وْصِلنا البلد ووقّفْ سامي قُدّام بيتو وصار يِبكي .. أخَذْ تراب وحجارْ مِنْ البيت وقال: يلاّ نروحْ عَ العينْ نْعَبّي أكَمّْ قنّينِة ميّْ.... مْشينا وِوْصِلنا بُستانْ المُختار العَبِدْ صالِحْ.. وَقَّفْ سامي وقال: أنا مِشْ مْصَدِّقْ.. هاي السمّوعي يا محمود!!.. رَدّْ أبو محمد: يَعني.. هاذا اللي صار فينا واللي جَرالْنا.. قال: بَدّي أسألكْ .. كان هون بِهاذا المَحَلّْ حَكورَة لَمحمود سليم الحجّْ فيها تين وشَجَرِيِّة.. وينْ راحَتْ؟..أبو محمد: أخَذوها اليهود.. قال: طَيِّبْ وينْ حاووزْ المَيّْ اللي كان هون؟.. أبومحمد: اليهود نَسَفوه.. قال: إليَرْعونِة اللي كانْ الطَرشْ يِشْرَبْ مِنها وينْ اخْتَفَتْ؟.. أبو محمد: هَبَّطوها اليهود.
وتابع أبو محمد: وصِلنا النَبْعَة وكانت مْحَوَّطَة بِشريطْ وبُوّابِة حديدْ.. فُتنا من بين قُضبان الحديد، والاّ يهودي جايْ يِصَيِّحْ من بعيد وقال: شو بِتْساووا هونْ؟..قُلْنالوا: بدنا نوخُذْ مَيّْ.. قال: ممنوع.. إطْلَعوا أحسن ما أتصِلْ بالشُرطَة..فاتَت حَميدَة عَالنبِعْ وأخْذَت معاها خَمِسْ قَناني وكَإنّها مِشْ سامِعتو.. وراحَتْلو سميحة وقالَتلو: هذا رِزِقْ أبوكْ يا إبنِ الكلب..روح جيب البوليص واعمَلْ اللي بَدّكْ ايّاه.
السمّوعيِّة في النهر البارد شِربوا مِن ميِّة السمّوعي بِفِنجانْ القَهوِة الصغير كإنْها ميِّة زَمْزَمْ
وتابَعت سميحة: روّحنا عالبيتْ، وليلِة ما بَدّو سامي يرَوِّحْ رُحنا طَفَشنا كل النهارْ وِنِمنا هذيكْ الليلِة بِحيفا.. بْنُصّْ الليلْ سْمِعنا سامي بِقُحّْ.. قُلت لَحميدَة.. روحي شوفي عمّي سامي شو مالو.. قُمنا لاقيناه قاعِدْ قْبالْ الشُبّاك وبِتأمَّلْ بِحيفا وقال: مِشْ قادِرْ أنامْ.. هاي آخِرْ ليلِة إلي بِفلسطين بَدّي أستَغِلّْ وأشْبَعْ من كل لحظة.
قال أبو محمد: بعد ما روَّح سامي على لِبنان حكولنا بالتلفون كيف السمّوعيِّة في النهر البارد أجو يِسلّموا على سامي ويِشربوا مِن ميِّة السمّوعي بِفِنجانْ القَهوِة الصغير، كإنْها مَيِّة زَمْزَمْ.
أجا حَمامْ البَرّْ أطْلَعْ حَمامْ الجُوّْ
قلت لأبو محمد: عندك أمل تِرجعْ؟.. قال: إسمع تَقُلكْ... هاي مَرَّة في الستينات كنت عامِلْ حوشْ ومِعزِبْ بِأرضنا في السمّوعي.. لاقاني واحَدْ بِقُللي إنّو هاي الأرض إلو.. قُلتِلّو: شو بْتِحكي!! هاي الأرضْ إلي.. قال: روحْ إثْبِتْ إنها إلَكْ.
سكت أبو محمد وقَللي: إنتي مِشْ بْقَلبي.. الزعَلْ كبيرْ ولجُرحْ غَميقْ.. وبِقول المثل (أجا حَمامْ البَرّْ أطْلَعْ حَمامْ الجُوّْ)...قلت: مين حَمامْ البَرّْ يابو محمد؟.. قال: هُنِّ...إنتي عارِف اللي أخذو الأرض غَصيبِة.. بَسّْ بَدّي أقُلك إنّو حمام البر بِطيرْ وبِهاجِر من أرض لأرضْ.. لكِن حمام الجُوّْ بِظَلّْ بأرضو وِبْدارو... قاطعت إم محمد: الله أعلم مِنكون طيبين ولا ميتينْ.. كُنّا هيك صغار.. وصُرنا خْتيارِيِّة وِاحنا نٍستنّى بِالرجوعْ... (كُنّا صغارْ صُرنا كبارْ وصُرنا نِحْمِلْ المِعْيارْ)..نِسمع الكِلمِة وِنْطَنِّشْ.. هذا مصير كُلّْ اللاجئين بِكُلّْ العالَم اللي ذاقوا ذُلّْ اللجوء والمَهانِة والعذابْ والبهدَلِة.
خَلّت الليلْ تأخَذْ بَعْضو وراحَتْ أخْذت الذَهَباتْ من تِحتْ جُرنْ الكُبِّة
قلت لإم محمد: وشو مع بلدِكْ فراضْيِة؟.. قالت: قصتي طَويلِة .. بَسّْ أنا كنت صغيرِة ومِشْ واعْيِة كل إشي... أبوي أحمد الصفدي ابو الوليد استشهد باب المزرَعة في الشارِعْ اللي بِطْلَع على عين الأسد.. بعِد ما قَتلوه اليهود بيومينْ أجت أمي وعِرفَتو من أواعيه.. أخذَتو ودَفْنَتو... وخَلّت الليلْ تأخَذْ بَعْضو وعَتّمت الدنيا، وراحتْ عَ البيت وأخْذت الذهبات من تِحتْ جُرنْ الكُبِّة... قلت: وما رْجِعتي توخذي غراضْ البيت يا إم محمد؟.. قالت: رُحنا بعد الإحتِلالْ ما لاقينا إشي غير شويِّة طَناجِرْ ودَلِّة القهوِة، والقرآن الكريم.. وبَبورْ الضَيّْ، لليوم بَعِدنا مْنِستَعِملو بَسّْ تِنِقْطَعْ الكَهرَبا، والخَرَزْ اللي عليه من حْياكِة أخت جوزي سنِة 1950.
قلت: طيِّب إرِخصولي يا دار ابو محمد، وانشاء الله بِتحَقَّق حلم العودِة.. قالت سميحَة: خليكْ لَبعد عَشا.. قلت: عَمارْ.. قال أبو محمد لَسَميحَة بِروحو المِرْحَة: خلّيه قاعِدْ يا سميحَة أنا شايْفو عِدِلْ (سمينْ).. خلّيه نِتْعَشّى عليه..وضِحِكْ أبو محمد وضْحِكنا كُلنا بَسّْ غَصِّة السمّوعي ظَلَّت عالْقَة بِحْلوقنا.
عن موقع محتار