وُلد الحاج سليم محمد مسلم أبو منيفي في خربة الشويحي جنوب قضاء بئر السبع عام 1927م. وعن تلك الديار قال: 'الشويحي هي خربة يعيش بها عدد من عائلات عرب الحناجرة ومن ضمنهم عائلتنا التي تنتمي إلى عشيرة أبو ظاهر'. ويحدد أبو منيفي موقع الشويحي ويقول: 'يحدها من الشمال أرض عائلة أبو معيليق ومن الجنوب أراضي أبو عويلي المسماة الدمات ومن الشرق أرض تسمى أم عباد كانت تسكنها عائلات من قبيلة التياها، ومن الغرب أراضي عائلة أبو شباب'.
حياة بسيطة
عاش أبو منيفي طفولة بسيطة في أحضان طبيعة الشويحي كما وصف، في أسرة صغيرة مكونة من أب وأم وأخ يصغره ببضع سنوات، يقول عن حياتهم في تلك الأيام : 'الحياة كانت بسيطة جداً، فقد كان الناس في خربتنا يعيشون في بيوت شعر ويعتاشون على ما تجود به أغنامهم من لحم ولبن، وأرضهم من محاصيل موسمية تعتمد على غيث السماء'. وعلى بساطة الحياة في تلك الفترة إلا أن أهل الخربة كانوا يدركون أهمية التعليم لأطفالهم وهذا ما يؤكده حديثه لنا: 'كان في خربتنا كتاب يعلم فيه أستاذ من عائلة الصوفي في الفترة التي التحقت بها '، لم تسعفه الذاكرة في تذكر اسمه، ويصف الكتّاب ويقول 'كان عبارة عن بيت شعر يجتمع فيه أبناء العشائر القاطنة في الخربة، وبعد أن يتعلموا فيه مبادىء الكتابة والقراءة، يلتحق من يجتهد منهم بمدرسة أبو مدين غرب الخربة .
في عام 1942م إنتقلت عائلة أبو منيفي إلى منطقة تسمى 'شعرته' حيث تملك عائلته هناك 50 دونماً كما ذكر لنا، ويحدد تلك المنطقة ويقول: 'شعرته هي منطقة زراعية خصبة يحدها من الشرق أرض عائلة النباهين ومن الغرب أرض أبو خوصة والصانع من قبيلة الترابين ومن الشمال منطقة المشبه ومن الجنوب أرض عائلتي العمور وأبو منديل'. وعن المحاصيل التي كانت تزرع هناك قال : 'كنا نزرع القمح والبطيخ والشعير وغيرها من الخضروات الموسمية'.
برقع ووقاة
تزوج أبو منيفي مبكراً في سن الثامنة عشرة. وعن تكاليف الزواج في تلك الفترة ابتسم وقال: 'بالتأكيد ليست كهذه الأيام، المسألة كانت لا تحتاج أكثر من ثوب وعباة وبرقع ووقاة' هذا كان جهاز العروس وهو عبارة عن ثوب مطرز وعباءة وبرقع تضعه المرأة على وجهها عندما تخرج من بيتها، والوقاة هي عصبة تغطي رأسها. وأشار أبو منيفي إلى الحياء الكبير الذي كان يزين النساء في تلك الفترة وقال: 'إضافةً إلى لباس المرأة المحتشم كانت النساء تخجل حتى من السير أمام الرجال وإذا صادفوها في الطريق كانت تجلس على الفور حتى يبتعدوا لتكمل مسيرها'.
عدوان وجرائم
وفي صيف عام 1948م لم يحصد الحاج أبو منيفي وأسرته زرعهم من القمح كما اعتادوا كل عام كغيرهم من أهالي قضاء بئر السبع، فقد باغتتهم عصابات الصهاينة إبان موسم الحصاد. وعن ذلك قال الحاج أبو منيفي: 'بدأت عصابات الصهاينة في الهجوم على ديار أهالي بئر السبع على شكل إغارات بين الحين والآخر والتقدم بشكل بطيء بسبب مقاومة الأهالي وتصديهم'، ويصف تلك الغارات ويقول: 'كانت أخبار جرائم الصهاينة تسبقهم إلى كل بلدة وقرية يتجهون صوبها، وفي حال تمكنهم من الدخول إلى أي منها فإنهم يباشرون في قتل من يجدونه من المواطنين ويقومون بحرق زرعهم وسرقة مواشيهم'. ويواصل حديثه عن اجتياح قوات الاحتلال قريته شعرته ويقول: 'عندما بدأت أخبار اقتراب الصهاينة من منطقتنا بدا رجال وشباب القرية في إعداد أنفسهم للمواجهة والتصدي، وأذكر كيف كان العديد منهم يبيعون جمالهم وحتى حلي نسائهم لشراء السلاح للمشاركة في التصدي للعدوان، فلم يكن هناك من يمدهم بأي أسلحة'. ويصف تسليح المقاومين في تلك الفترة: 'كان بحوزتنا بواريد (بنادق) إنجليزي عيار (103) ورشاشات ستن وتومي عيار (12) وقد قسمنا أنفسنا إلى مجموعات توزعت في أنحاء المنطقة للتصدي للعدوان'. وهنا يتذكر الحاج أبو منيفي أحد زملائه من أبرز المقاومين، ويقول : 'لقد قاتل أهالي المنطقة بكل ما أوتوا من قوة وقد سقط منهم العديد من الشهداء ومن أبرزهم الشهيد جرمي أبو عويمر الذي كان يتزعم مجموعتنا، وقد استشهد رحمه الله في اشتباك مباشر مع العدو بالقرب من منطقة المشبه وقد عرف عنه الجرأه والبسالة'.
إعدام أسرة
لكن الكثرة في العدد والعتاد غلبت شجاعة أهالي شعرته وما حولها من قرى، فلجأ من بقي منهم إلى الغرب باتجاه قطاع غزة، وللإيضاح واصل الحاج أبو منيفي حديثه: 'فر من بقي حيا من أهالي المنطقة باتجاه منطقة البريج شرق قطاع غزة، يحملون أطفالهم وبعض المتاع والطعام الذي أخذ ينفذ مع مرور الأيام، لذا وفي محاولة للعودة إلى ديارنا بعد أيام من اجتياح عصابات الصهاينة لها أخذ الشبان والرجال وبعض الأسر بالتسلل إلى ديارهم لاستطلاع الأمر ومحاولة جلب بعض الحبوب والمتاع، وقد سقط العديد من الشهداء في هذه المحاولات'.
ويذكر هنا أبو منيفي قصة إعدام أسرة فلسطينية بكاملها بدم بارد من قبل عصابات الصهاينة، ويقول: 'كغيره من الأهالي حاول المواطن يوسف أبو مراحيل من العودة إلى أرضه في شعرته بصحبة زوجته وأطفاله عندما شاعت بعض الأخبار عن خروج الصهاينة من المنطقة، وما أن وصلوا إلى أرضهم وبدأوا في حصد زرعهم حتى خرجت عليهم وحدة مسلحة من عصابات الصهاينة كانت تختبىء بين الزرع وقامت على الفور بقتل الأب والأم والأطفال دون أي رحمة وبشكل بشع يدل على وحشية ونذالة كبيرة تجعل من صاحبها يجرؤ دون أي وازع على قتل أسرة بريئة بدم بارد'.
التذكير بالوطن
عاش أبو منيفي وأسرته حياة اللجوء بعد النكبة في بيت شعر يتنقلون من منطقة إلى أخرى في غزة حتى استقر بهم المقام في غرفتين صغيرتين من الاسبست حصلوا عليها من وكالة غوث اللاجئين في مخيم البريج وسط قطاع غزة. وبالرغم قسوة حياة اللجوء والهجرة حرص الحاج أبو منيفي على تذكير أبنائه بديارهم في قضاء بئر السبع منذ الصغر، وهذا ما أكده أحد أبنائه ويدعى أبو سليم الذي كان حاضراً حوارنا وقال: كان أبي ونحن أطفال في مخيم البريج يأخذنا إلى تله عالية ويشير لنا بيده إلى أرضنا في شعرته ويبدأ في الحديث لنا عن ذكرياته في الوطن وعن تفاصيل الحياة هناك حتى شعرنا أننا عشناها أنفسنا'. ويبدو أن تلك القصص والتذكير كانت الدافع لاثنين من أولاده في الالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية مبكراً وعلى أثر ذلك اعتقل ابنه حسن لمدة أربعة أعوام وابنه إسماعيل 13 عاماً إضافةً إلى أن الحاج أبو منيفي قضى نفسه عدة أشهر في زنازين الاحتلال.
المصدر: موقع صحيفة اخبار النقب