شهادات صالح مسعود ابو بصير
فوز الدين البسومي (الدستور)
خلال الحرب غير المتكافئة بين ابناء فلسطين وبين العصابات الصهيونية، وفدت في الشهر الاول من عام 1948 الى مدينة الرملة المحتلة قوافل المجاهدين من الدول العربية والاسلامية كان في طليعتهم شباب من عرب الحويطات قادمين الاردن وآخرين من عرب شمّر قادمين من السعودية وفريق آخر من المملكة السنوسية الليبية كان من بينهم شاب لم يتجاوز الحلم بعد يدعى صالح مسعود ابو بصير.. وكان هذا الشاب الليبي متحمسا للدفاع عن فلسطين ويحمل على كتفه «مارتينة» المانية قال ان الشباب الليبي غنمها من القوات الايطالية يوم كانت تحتل ليبيا. وقد التقى صاحبنا مصادفة بالشاب الليبي حين شكل هو وابن صفه خليل الوزير شبه اذاعة محلية كانت تذيع اخبارا منقولة عن الصحف الصادرة في يافا ومحطة الشرق الادنى.. كانت مهمة صاحبنا ان يصيغ اخبار المعارك الطاحنة التي كانت تدور بين المجاهدين وبين افراد العصابات الصهيونية على مشارف يافا.. وتمتد احيانا حتى تصل قرية سلمة تلك القرية الباسلة التي صمدت وقاتل سكانها بشراسة واستبسلوا في الدفاع عن سلمة ويازور وبيت دجن والسافرية ثم يتناوب صاحبنا مع خليل الوزير في اذاعة الاخبار من خلف «طاقة» عالية مفتوحة في جدار منزل اسرة صاحبنا وتطل على الشارع العام.
وكانت والدة صاحبنا تقف خلف باب المنزل ترقب اثر ما تذيعه الاذاعة على وجوه من كانوا يتوقفون لسماع نشرة الاخبار اعتقادا منهم انها اذاعة حقيقية، وقد توقف ذات يوم فيمن توقف الشاب الليبي صالح ابو يصير الذي ظل ينتظر امام باب المنزل لكي يتعرف الى من كانا يتناوبان اذاعة الاخبار، وقد امتدت بين صاحبنا وخليل الوزير ومسعود ابو يصير علاقة قوية كان من نتيجتها ان قدم صاحبنا الشاب الليبي لشيخ المجاهدين من سكان الرملة داود الطحلة الذي كان يصطحبه كلما نشبت معركة في منطقة النبي صالح او وادي حنين او حصل هجوم من المجاهدين على المستعمرات اليهودية، على ان الشاب الليبي الذي غادر الرملة بعد سقوطها في الثاني عشر من تموز 1948 ظهر من جديد ابان الثورة الفلسطينية وتواجد بعض فصائلها في الاردن ونشوب المعارك الطاحنة بين جنود ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي وبين الجيش العربي الاردني ومشاركة كوادر من المنظمات الفلسطينية بها عام 1968 وظل مقيما ومتنقلا الى ان كانت ثورة الفاتح من ايلول الليبية بقيادة العقيد معمر القذافي عام 1969 وبلغ من حب ابو يصير لفلسطين التي كان يعتبرها في خطبه ولقاءاته ارض الرباط والحشد وارض المنشر والمحشر ان خصص موضوع رسالة الماجستير التي قدمها لجامعة الازهر عن جهاد شعب فلسطين والتي وصفها الدكتور عبدالعزيز الشناوي استاذ التاريخ الحديث في جامعة الازهر بقوله «لو ان اللوائح تعطي للماجستير درجة اعلى لاستحقتها هذه الرسالة» على ان صالح ابو يصير الذي اصبح وزيرا للخارجية الليبية وقضى في حادث طائرة على غير ما كان يتمنى من شهادة على ارض فلسطين كان يعتبر صوت فلسطين في ليبيا حقيقة.
خطرت كل هذه الخواطر لصاحبنا وهو يعود لمراجعة كتاب جهاد شعب فلسطين خلال خمسين عاما لصالح ابو يصير فوجد ان الكتاب الذي مضى على وضعه وطبعه حوالي الاربعين عاما والمعلومات الواردة فيه تتحدث عن حقبة عمرها اكثر من مائة عام ما زالت حية وكأن صالح ابو يصير ما زال يحمل قلمه ويسجل وقائع ما يحدث لحظة بلحظة لتثبت هذه المعلومات وتؤكد من جديد ان اليهود كانوا وما زالوا وسيظلون اهل مراوغة ومخاتله ، وان ما قدمه الشعب الفلسطيني وابناء الامة العربية والاسلامية من تضحيات وشهداء لن يضيع هباء ولن يذهب سدى وان قول الحق سبحانه وتعالى سيطبق عليهم وسيلاحقهم بعد ان توعدهم وامثالهم «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واملي لهم ان كيدي متين» ، وسيكون صالح ابو يصير وكافة الشهداء والجرحى والمعوقين بفعل اليهود وظلمهم شهودا عليهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
الدستور 11-21
أرسلها: حامد داود علي الطحله
tahleh@maktoob.com