أنا فوزية محمد حسني قدورة، من سحماتا، مواليد 1940. عندما خرجنا من سحماتا كان عمري 8 سنين أذكر بلدنا كأنها الآن أمامي. أذكر كيف كنا نذهب الى بيت جدي أبو العبد، إبراهيم خليل قدورة، نحن كنا نسكن بالحارة الفوقا وهم كانوا بالحارة التحتا، الحارة الفوقا أعلى من الحارة التحتا، وبين الحارتين في ساحة كبيرة «الرحبة» فيها دكاكين، الرجال تنزل اليها في أوقات فراغهم ويجلسون أمام الدكاكين، ويتحدثون مع بعضهم.
بيت أهلي، كان يعيش فيه أمي وأبي وأختي نجية وأنا ونهية، وماتت لي أخت إسمها فردوس، عاشت 3 سنين وتوفت، نهية كان عمرها 3 أيام، ونجية سنتين، وستي الحاجة ريا العبد علي وعمتي راضية، وعمي رجا حسن قدورة.
البيت في دار وبوابة وعلى الشمال بيت عمي عبد الرحيم فاعور قدورة، ونحن بعدهم، بيتنا في غرفة كبيرة ينام فيها ستي وعمتي وعمي، وفيها داخون للخبز الصاج، وله شباك يطل على بلد إسمها سعسع، مفروش جلد خروف ونشهر بالليل فيها. وفيها مصطبة طين وبالداخل دار عمي كامل أحمد فاعولر، زوجته إسمها حسنة، ثم هناك درج على غرفة، فيها دجاج وغرفة لأمي وأبي ولنا لها حصيرة ، وخزانة وفيها شباك، في بيت كبير فارغ. وفي بالبيت تنور.
في صورة لي في قلب سحماتا عندما جاء المصور كنت عند بيت جدي إبراهيم خليل قدورة، وذهبت معهم لنتصور بـ«الرحبة» (رافقنا جدي وجدتي وخالي وزوجته وبناته). خرجت من سحماتا وكان عمري 8 سنوات، كنت أذهب الى أمي على العين لنملىء ماء، اشتروا لي «منشل» يعني جرة صغيرة، وذهبنا الى العين (فوق عين غزير) ووقع مني المنشل وإنكسر.
وجدتي كانت تذهب الى البقيعة وتشتري البطاطا وكنت أذهب معها. كانت عمتي راضية تذهب أيضا تتعلم خياطة بترشيحا كنت أروح أوقات معها، كانت تذهب عند عليا الكُبة. وراحت عمتي قطوف علي معلينا لتتحكم عند الحكيم (حكيم عربي) إسمه أبو فؤاد (لم يكن معه شهادة ليحكم بها). وأذكر أنني رافقت أمي الى الطبيب لنأخذ أختي فردوس، حيث ماتت على يدها أول ما وصلنا منطقة الزيتون عند ترشيحا ونزلها الباص. ورحت مع جدتي إلى نهاريا كان عمي أبو نزيه (رجا) يعاني من وجع في قدمه وذهب ليتعالج هناك. ونهاريا كانت كلها ورد، الدكتور غسمه (إردكيان) يهودي.
وزرت حيفا عندما جاء الحجاج واستقبلناهم (كان عمري 7 سنوات). جدتي ريا راحت الى الحج وذهبنا لإستقبالها، وزرنا أصحاب أهلي وأقاربهم هناك.
رفاقي بفلسطين ولاد جيراننا وبنات عمي عبد الرحيم منهم ريم ويونا بنت أبو أسعد عامر، كنا نلتقي بالعيد.
أمي تعطيني صحن فيه لحمة وفلفل نصنع به كبة بنات مع برغل.
جدتي الحاجة ريا ذهب الى الحج كانت الرحلة شاقة تستغرق 3 اشهر، وأمي مرة كسرت أذن فنجان قهوة، ونبهّت عليّ أمي وعمتي ألا أقول لجدتي شيء، وأّذكر عندما وصلت جدتي وحملتني لأسلّم عليها، فقلت لها: «أمي كسرت الفنجان الطويل».
الحاج أسعد قدورة ذهب أيضاً إلى الحج، أبو أسعد عامر، ليس له أخوات.
لم أذهب على المدرسة إلا ببعلبك، كنت أشك دخان وأنا صغيرة، ونقطف زيتون مع أهلي، وكنا نطرز على المناديل وأنا بعمر صغير.
بالخياطة عمتي تعلمت، وأم سعيد جميل خياطة (شيخة جميل) هي من الدير وفي خياطة جيدة هناك اسمها خزنة ميخائيل (مسيحية). أما الداية في القرية كانت جدتي سعدية توفت بفلسطين، وجدتي حمدة (توفيت ببعلبك).
عند قفصف البلد، أهلي كانوا يعملون بأرض الزيتون ومنهم كان بالبيت، واختي عمرها 4 أيام مع أمي واختي نجية كانت معي، أنا كنت في الخارج بالدار وصار الطيران يقصف فصرت أبكي فخرجت أم خليل صليبي، كانت مستأجرة عند دار عمتي ندى (عبد الرحيم فاعور)، البيت الغربي، وخرجت لتراني بعدما سمعت صوتي أنا وأبكي، فأدخلتني عندها حتى يأتي أهلي، فجاء أهلي بسرعة وحاملين زيتون على رأسهم بالأكياس، فوضعوا الزيتون، وثاني يوم صباحاً ذهبنا إلى لبنان.
لم نعد الى البيت أبداً ومشينا حتى وصلنا الى الرميش، بطريقنا دخلنا دبل ورميش أذكر كيف أن جدتي ريا جلست بإحدى هاتين البلدتين وطبخت سميدة وبندورة وعم تحركهم بعودة، فجاء عمي كامل فاعور وبكى وقال: يا حيف على هذه الأيام، تحركين الطبيخ بالعودة بعد العز.. فأحضر لها ملعقة خشب.
ذهبنا الى الرميش، ولكن لم يستقبلنا أحد، وصاروا يأتون بالحطب ليلاً (سرقوهم سرقة) وإشترت جدتي طحين وعجنوه وخبزنا بالرميش عند ناس. وكنا نسكن عند إمرأة إسمها خيزر إستضافتنا. ثم ذهبنا الى برج الشمالي وبقينا 22 يوما، أذكر حين كانوا هناك يوزعون شوادر (خيم) وصارت الناس تتفائل وزوج عمتي قطوف (خالد علي قدورة) تقاتل مع إبن عمته (أبو رياض) وأحدهما قام بضرب الثاني. أم شريف خلفت إبنها البكر بالشادر وكل شادر كان يوضع فيه 30 شخصاً.
كان في ناس ترجع الى سحماتا، ولكنهم نقلونا بالليل إلى بعلبك (10 ليلاً) كان الجو بارداً جداً في بعلبك. وأحضروا لنا خبز وزيتون. واستقرت الناس بقواويش، كل قاووش فيه 6 عائلات.
عند قصف القرية بفلسطين تصاوبت أم وليد أيوب وإستشهدت إمرأة إسمها موزة. أبي كان عنده بابور طحين وبابور زيت، بابور الزيت دخل فيه شركاء كثر، بالأول أسسته ثم عندما أنتهى صارت الناس تشتري قيراط (سهم) وأصبحوا شركاء فيه.
أذكر أنه بابور الزيت كان له 22 يوم فقط، عند الإفتتاح أحضروا الحلو، وجاءت الناس تشاهد والزيت ينزل منه. أذكر عندما خرجنا، أبي قال أن البابور كل يوم يطلع 100 ليرة. والدي كان عنده زيتون وتين كثير، والصبر يطلع لحاله.
يقولون أن بلدنا هُدمت برمتها، وأنا أتخيل نفسي أعرف كيف أذهب الى الحارة الفوقا والتحتا والبركة.
العلاقة بين المسلمين والمسيحين كانت جيدة جداً، المسيحيون يحترمون المسلمين ويحترمون رمضان فلا يأكلوا أمامنا ويصوموا معنا، ويعملوا كعك معنا، ونحنا كنا نعيّد معهم. كنا مشاركين مع ناس مسيحية على الدخان، أذكر اسم ابنتهم لطفية وبديعة بنات مبدى طنوس، كانوا يساعدوننا ونساعدهم. لم يكن هناك أي تفرقة على أساس ديني.
والمختار جريس طلع معنا من فلسطين وتوفى بضبي.
عندي أوراق من فلسطين محصنية من المختار ومغلفين بنفس المحرمة حين أخرجتها من فلسطين من ضمنهم أوراق الأرض، وأوراق الضريبة.
أعرف الرابي، وبرزة وفيها عين.. أنا عندي ورقة زواج جدتي والدة أبي (ريّا). أنا ناذرة نذر لأرجع على فلسطين حافية إن صحّ لي ذلك.
يا ريت نرجع على فلسطين، كل دقيقة بتسوى سنة خارج وطننا، وأتمنى قبل ما أموت أشوف بلدي وأصلي في المسجد الأقصى.
أنا أذكر جيداً الطريق التي خرجنا منها والآن إذا صح لي لأعود من نفس الطريق وباستطاعتي أن أصل الى بيتنا.