عبد الفتاح أبو داهش – حيفا
كان والدي عرضة للقتل لأنه موظف في مصفاة البترول
عبد الفتاح أبو داهش
من مواليد حيفا 1941... أنا لا أذكر كثيراً عن حيفا فقد كنت صغيراً، بيتنا كان في شارع إسمه عمر المختار على جبل الكرمل.. بجانبنا حسبة لليهود..
حيفا عدد سكانها 130 ألف شخص.. وكانت على جبل الكرمل وتمتد الى أن تصل الى البحر.
حيفا عروس فلسطين..
حيفا تحدّها إجزم، جَبَع، عين غزال، بلد الشيخ، حواسة، اليجور، هذه القرى تبعد عن حيفا حوالي 8 – 12 كلم.
حيفا من أكبر المدن في فلسطين..
مدينة حيفا فيه عائلات كثيرة مثل، الزعبلاوي، الحاج إبراهيم، السماحي، هذا ما أذكر من عائلات حيفا.
إجزّم من أكبر عائلاتها آل ماضي، اسعد، الطرابلسي، العواصي. وجَبَع من أكبر عائلاتها ملحم، عين غزال العثامنة، القاروط.
أبي كان يعمل موظفاً في مصفاة النفط بحيفا.
أنا ولدت بمستشفى بحيفا إسمه هداسا لليهود وكذلك كل أخوتي وُلدوا فيها.
حيفا فيها شبكة مياه.. وصرف صحي والمجارير كبيرة، حسب ما كان يقول لي والدي الرجل يستطيع الوقوف داخل المجارير..
ويوجد بالبيوت كهرباء.. تماماً مثل هذه الأيام. وأذكر هناك دكانة كانت للحاج حامد، يبيع فيها كل شيء ولكنها ليست كبيرة..
البيع كان مقابل النقود وليست بالمقايضة..
كان في فرن بحيفا وأذكره لأبو علي المتوالي.. ولكن كنا نشتري الخبز من الفرن..
هناك قهوة الزعبلاوي وقهوة القزاز.. كان الرجال يذهبون لشرب الشاي والقهوة فيهما..
كان عنا راديو بالبيت وفوتوغراف.. كان في إذاعة أذكر إسمها الشرق الأدنى وإذاعة القاهرة. وأكيد كان في حلاقين عرب وحلاقين يهود..
كان في بحيفا فواخير لصنع الفخار والأواني الفخار وكان هناك منجرة ونجارين وحدادين..
عندما كان يأتي أبي الى البيت بعد الإنتهاء من العمل، كان يأخذني في بعض الأوقات الى السينما إسمها عين دور (لليهود). كنا نحضر أفلام كرتون قبل الفيلم..
كان بفلسطين صندوق العحب (الفرجة)، صندوق كبير عليه بلورات 2 – 3.. يضع الصندوق على الأرض ويضع كراسي وكنا نحضر الزير سالم وأبو زيد الهلالي.. كان رجل الصندوق يدور بالحارات ومعه زمّور..
كان في حيفا نوادي رياضية كثيرة مثل النادي الإسلامي، والنادي المسيحي..
كان هناك فرق للعب كرة القدم، وأذكر إسم لاعب مسيحي إسمه جبرا الزرقا وفؤاد حسون (مسلم من الطيرة) وما زال يعيش بأمريكا وهناك أحمد النجمي..
بحيفا بيارات حمضيات وزيتون وفيها زراعات كثيرة وكل شيء.. ولكن لم يكن بحيفا معاصر زيتون، كان هناك معاصر بالطيرة – حيفا وبـ جبع بـ إجزم وعين غزال.. أذكر بإجزّم صاحب معصرة إسمه أنسي الماضي وكان في بابور طحين.. وبحيفا في مطحنة للطحين للحاج طاهر أرمان ومعامل دخان.
لا أذكر هناك مشاكل، الناس كانت تعيش في وئام.. ومرتاحة.. ليس لدينا أملاك سوى البيوت التي كنا نسكن فيها، أهلي وجدودي وأعمامي كان عندهم معزى ويرعون الماعز بوعر حيفا، وكان الزرّاع يحلبون البقر ويبيعون منتجاته.
حيفا فيها مخافر للشرطة كثيرة.. وفيها سجون..
أنا زرت بلدة إجزّم فهي قرية والدتي، أمي من آل ماضي.. كنا نذهب عند بيت جدي وعندهم أراضي وزيتون..
كانت الباصات هي وسيلة النقل، وأذكر سائق الباص الذي يذهب عبى إجزّم واسمه عوض أبو عابد..
في شهر رمضان.. لم تتغير العادات من جدود جدي حتى الآن، فأنا أخذت العادات من والدي، ووالدي أخذها من جدي. أبي كان متزوج ويعيش في بيت جدي وكانت مائة رمضان مميزة جداً، وكان أبي يذهب الى صلاة التراويح الى جامع الحاج عبدالله.. وفي العيد كان أبي يشتري لي ملابس وبدلة وحذاء جديدة..
والنساء تصنع الكعك.. أمي كانت تعمل كعك بالتمر والجوز وجوز الهند..وفي مولد النبي كان يتم الإحتفال فيه ويصنعون الحلويات بالمناسبة..وفي الأعراس، قال لي أبي، عندما تزوج تمت زفته على الحصان.
وفي حيفا مقابل لأهل المدينة..
وفي الحج، أذكر جدة والدتي ذهبت الى الحج بالقطار من حيفا الى عكا، ومن عكا ذهبت الى سكة قطار الحجاز. وذهبت وحجّت.
وفي سنة النكبة، كنا في حيفا في "الهدار"، وصار قصف وضرب واطلاق نار فركبنا بالسيارات وهربنا الى بلد الشيخ، ونمنا فيها ليلة ثم خرجنا الى شفا عمرو ونمنا ليلة واحدة، ثم الى صفورية ومن صفورية الى لبنان.
وهربت الناس من حيفا كل عائلة لوحدها.. وعائلتنا لم يخرج منها سوى أبي وباقي العائلة بقيت بفلسطين.. قبل الخروج، الناس قاتلت ولكن الهجوم كان أقوى من المقاومة الفلسطينية.
ومن الثوار أذكر عبد الرحيم الحاج محمد.. والأسلحة كانت تُشترى وكان الناس يبيعون ذهب زوجاتهم لشراء الأسلحة..
لما خرجنا من فلسطين وصلنا على دبل بلبنان، ومن دبل مشينا الى صور وبقينا بصور لحد الآن.
الذي جعل والدي يترك حيفا ويخرج منها، هو كونه موظف بالفينري (مصفاة نفط) لليهود، وحدثت مشاكل هناك بين الفلسطينين واليهود، فقالوا كل موظفين الفينري عرضة للقتل، لذلك خرج والدي.
لم نخرج معنا شيء من فلسطين لا وثائق ولا شيء. وكانت ذلك في وقت صيف..
مشينا من حيفا للبنان حوالي ستة أيام.. ولم يكن هناك حواجز يهودية بل كانوا يمشون وراءنا قرية قرية حتى نخرج منها.
بعد النكبة عمي وعمتي جاءوا من فلسطين الى صور ولكنهم رجعوا الى فلسطين وماتوا بفلسطين.
لو يعطونا بلاد العرب والعالم كله، لن تعوضنا عن ذرَّة من تراب حيفا. وليس لنا بديل عن فلسطين، ونوصي أولادنا بأن لا يتركوا فلسطين وحقهم بها.. من ليس له بلد ليس له كرامة وليس له دين..