محمد إبراهيم قدورة - سحماتا
والدي إبراهيم خليل أحمد علي قدورة من سحماتا، من مواليد 1930، أو 1929، ولكن الهوية الفلسطينية تقول مواليد 1929، تعلمت في القرية 5 سنوات، لأن في الثاني إبتدائي، الإنتداب سجن أستاذ المدرسة في أول السنة الدراسية، فكل الطلاب عادوا دراسة السنة نفسها، أي من كان في الأول عاد الأول وهكذا. فأنا عدت الصف الثاني لهذا السبب، وكان الأستاذ من لوبية واعتبروه وطني وإسمه فوزي الشهابي وسجن، مكانه أستاذ من ترشيحا إسمه محمد كمال محي الدين.
وبعد ذلك ذهب الى ترشيحا 4 سنوات فيها، ثم ذهبت إلى كلية النجاح في نابلس، وإختار الوالد أن أذهب الى كلية النجاح بناء على نصيحة صديق له.
فتعلمت 3 سنوات إلى أن سقطت حيفا وعكا، فجئت إلى الشويفات ودرست بالشويفات وسحماتا كانت ما زالت، فأكملت السنة المتبقية وخرجنا من الكلية. المرحوم رياض بيك الصلح رئيس الحكومة هو من سلمنا الشهادات. ورذهبت الى بعلبك وقضيت فيها 6 أشهر كانوا نشيطين جداً هذه الست أشهر.
سحماتا كانت قرية مثل معظم القرى الفلسطينية بيوتها معظمها من طابق واحد، وتنقسم الى حارتين الفوقا والتحتا، يفصل بينهما مساحة الرحبة تجتمع فيها طرش الحيوانات ويذهبوا ويسرحوا ويرجعوا، والرحبة ملاصقة للبركة الأساسية، وهذه البركة فعلاً كبيرة الحجم، ممكن 50-30 متر.
وهناك بركة ثانية حبوب البركة الأول وفي بعض السنين كانت تجف مياهها. أما البركة الرئيسية الكبيرة كانت تجف فقط كل 3 أو 4 سنوات إذا قل موسم المطر. وكان الناس يستعملوها لزرع الدخان ثم تأتي الحارة الفوقا، مركزها القلعة، دار موسى، شيخ القلعة كان هناك، وبدأ دار قدورة يذهبون، ودار حسن ودار حسين كانوا بالحارة الفوقا، وكان دار علي وعائلات أخرى كانوا بالحارة التحتا، قبل عقل وبلشة ومرة من العائلات المسيحية، أما درا عثمان كان جزء منهم بالحرة الفوقا وجزء بالحارة التحتا. كانت فيها مسيحيون وكنيسة، وفيها مدرسة متواضعة، ثم بعد ذلك أنشأوا فيها مدرسة نموذجية كانت من أجمل حدائق فلسطين كانت مدرسة سحماتا.
لكن للأسف عندما ذهب المدير المشرفون الأساتذة الذين بعده ما عندهم فكرة فتغيرت المدرسة. فلما خرجنا من فلسطين عندهم حديقة كبيرة ولكنها لم تكن بالزينة والتنظيم السابق.
جاء مدير معارف بريطانيا الى فلسطين، فاخذوه ليرى المدرسة هذه، وعملوا له حفلة بالبلد (دبكة وسرجة)، فسأل لماذا يرقصون هؤلاء فأجابوه، إستقبالاً لحضرتك، فهز برأسه مستغرباً.
سحماتا تقع على رأس تلة، وتنزل فيها على الجسر مقام على الوادي بين سحماتا وترشيحا، ثم صعوداً إرتفاع 150متر، سحماتا بعدها عن الجسر حوالي 200 متر وترشيحا عن الجسر 150 متر.
الطريق بين سحماتا وترشيحا معبدة، والمسافة حوالي 6 كيلومتر من أول ترشيحا. والطريق تأتي من عكا تمر عبر عدة قرى وتوصل سحماتا وتكمل الى البقيعة، الراحة باتجاه صفد، وفي طريق ثانية على دير القاسي وفسوطة.
بداخل سحماتا، شوارعها كانت مبلطة حجر، وهناك بقايا لهذه الطرق لحد الآن موجودة، ذهبت أنا وكرم منتصف التسعينات وشاهدنا بقايا الشوارع موجودة. هناك بقايا أبنية، وهناك حائط من الكنيسة، والآبار كانت نوعين، هناك بئر، وهناك سيح وهو مثل غرفة. بيتنا كان سيح.. والبركة والبركة الثانية ثم تأتي البيادر، البيادر كانت لدرس الغلة على دواب وكان يقيمون فيها الأفراح والأعراس والسحجة..
البركة كانت هناك طريق فوقها إسمها سطح البركة، هذه مرصوصة فسيفساء قديمة من زمن الردمان وهناك بقايا تيجان حجار، مثلاً المدرسة كان فيها هذه الحجار.
هناك بقايا قلعة.
أما المدرسة، كانت بسحماتا مدرستين، مدرسة بداخل البلد، عبارة عن غرفتين وأمامها ساحة وحولها الدكاكين.
وعندما قرروا يعملوا مدرسة نموذجية أخذوا قطعة أرض كبيرة خارج البلد قليلاً بين الحارتين وأنشأوا مدرسة فيها أكبر من الأولى وكان فيها حديقة مرتبة والمدرسة كانت ليس فقط للتعليم، ولكنها كانت مركز لتحسين الإنتاج الزراعي، كان فيها دجاج مستورد، ونحل وأشجار مثل السرو والفلفل الأسمر.. ولز وغيره..
والزهور والورود التي كانت فيها مميزة عن القرى الثانية، وعملوا بابور طحين بالقرية وكان لسحماتا ودير القاسي، كانوا يأتون من دير القاسي مسافة 6 كيلومتر ليطحنوا ومن ثم يرجعوا.
وصار معصرة زيت ولكن سنة الخروج من سحماتا، عملت 28 يوم ثم خرجوا الناس، وفك اليهود المعصرة (كانت حديثة).
من قام بمشروع المعصرة هي الحاجة ريا (أرملة)، هي من عملت بابور الطحين وهي من قامت بمعصرة الزيت.
وأذكر أنا كنت جالس عندما أتت لوالدي لتقنعه لكي يساهم بمعصرة الزيت. فقال لها أنا عندي ولد داخلي وزوجت إبني وإشتريت أرض وليس معي نقود (كاش)، فقالت له أبو العبد بيت السبع لا يخلو من العظام، بدنا 300 ليرة فقط لن تغلب بهم/ فقال لها والدي تكرمي يا حاجة.. فأصبح شريك بها فالحصة الكبيرة كانت للحاجة ريا وكنتها وهي أختي (لهم النصف) والباقي مقسمين، فذهبت للحاج يوسف أبو الأستاذ علي وطلبت المساهمة، فقال لها ليس معي نقود، فقالت له لا نريد نقود بل نريد قطعة أرض نبني المعصرة عليها، فأعطاها الأرض المناسبة، فكانت إمرأة قديرة.
من الأساتذة بالمدرسة، أذكر صلاح النحوي هو من أسس المدرسة النموذحية ولكن لم يعلمنا، وثم جاء بديل له إسمه شاكر سمارة من نابلس .
وبعده جاء واحد إسمه كمال من نابلس، ثم جاء فوزي الشهابي الذي سُجن وجاء مكانه محمد كمال محي الدين وقبل أن يأتي خليل الديماسي كان قبل صلاح النحوي. وقيل أن أول من فتح المدرسة واحد من بيت الخوخة.
ثم جاء بعدهم أستاذ أحمد.. وهناك معلم إضافي إسمه خالد القاضي من ترشيحا، هو عمل اطول مدة لآخر أيام المدرسة. وكان يعلم الأول واثلني الإبتدئي اللغة العربية.. وهناك شوكت دلال من عكا.
هؤلاء الأساتذة كانوا يقيموا بالبلد ما عدا واحد، كان يذهب يومياً إلى ترشيحا (لا أذكر إسمه) وكان أسمر وعيونه خضراء اللون.
وكان يستأجرون بيت، وشوكت دلال كان ساكن عند الشيخ عبد الله أما نهاد كمال سكن عند واحد إسمه أبو نهاد (خليل الحاج المحمود عقول).
من أصحابي، أنا كنت أصغر من أولاد صفي، ولكن من جيلي كان علي عبد الرحمن قدورة، الأستاذ علي يوسف، ذيب إبن عمي، وحسن الشاويش، الشيخ عوض، وأبو حسيب. ومن كان بصفنا وأكبر منا سناً، أبو الشريف، أبو راجح وإبراهيم حسون وصالح حامد ومصطفى أحمد عارف من الحارة الفوقا.
كان هناك سيارة واحدة بالبلد، أبو حسيب كان يمتلك هذه السيارة، كان يحب الميكانيك، مثلاً كانت تأتي سيارة جيش، فكان يعد عدد الدواليب، كان يحب السيارات، وأخذ رخصته وعمل عند رجل عنده شركة نقليات من الرافة لفترة قصيرة وآخر المدة إشترى سيارة تاكسي، ولم تعمل مدة طويلة.
من جيراننا، بيت بلشة من جهة وبيت علي سليمان من جهة ثانية، وواحد إسمه محمد دلة، وثم دار أبو صلاح سليمان وحسين اليماني.
بيتنا كان وجهه للغرب وللشمال بيت علي سليمان وللجنوب آل بلشة.
الحاج أسعد بلشة كان مختار، ثم ناجي عبد الله بلشة، ثم إبنه جميل. ثم دار حسنة (اقارب أبو طارق) (دتر محمد علي).
ولكن من كان يسيطر على الحي أولاد محمود حسنة (محمد علي محمود، حسين محمود، خالد محمود، أسعد محمود) وواحد أبو زهران.
صحياً، الوضع كان سيئاً، لم بكن هناك دكتور بالبلد ، كان هناك دكتور (أردكيان) بـ معليا وهي تبتعد عن ترشيحا 2 كيلومتر، أي تبعد (6+2) 8 كيلومتر عن سحماتا، الدكتور المشهور قليلاً يهودي بنهاريا، نذهب بالباص لأنه بعيد. أوقات كانت تأتي حملات تطعيم.
والحدث المهم هو قدوم المصور الى القرية ليصور ليعملوا هويات لأول مرة ولكنني لا أذكر أي سنة فقد كنت صغير ,,, والدي حصل على الهوية، وكان واحد يصور الشخص وآخر يسجل المعلومات عن الشخص إسمه وإسم الأم والأب والطول... إلخ وفي تلك الفترة إكتشفنا أننا كلنا كنا نعرف إنه أطول واحد بالبلد إسمه رشيد صالح موسى، وإلياس قيصر كان اطول واحد مع رشيد، أثناء هذه العملية وهي الهويات، تم إكتشاف إنهم أطول إثنين بالبلد.
كان عندي مجموعة صور جيدة، ولكن أثناء الخروج من سحماتا، أحد الدروز فتش والدتي، فأخذ سلة فيها أشياء من ضمنها صوري.
الوضع الإقتصادي، الناس وقتها كانوا "على البركة"، الدخان كان هو الموسم الأول كان يشغل كثير من الناس وكان يعطيهم عمل، كل العائلة تعمل، من يزرع ويقطف ويشك، ولكن كانوا يوردوا الدخان لشركات الدخان بحيفا وعكا، كان هناك شركة كرمان وديك وسلطي، ثم شركة الإتحاد صاحبها عبد الرحمن رشيد الحاج إبراهيم.
وهناك موسم الزيتون والزيت، ثم موسم الحبوب وأهمها القمح، للطحن والبرغل والبذار للسنة التالية، والعدس والكرسنة والفول.
كان هناك قطعان ماعز، كان هناك 5 – 6 قطعان، كانت صغيرة كل قطيع 150 راس للقطيع. والبقار للحراثة والحليب، وكانوا يصنعون اللبنة والحليب على الماعز أكثر من الأبقار. والحمير للنقل والتحميل.
وكان يزيد زيت، وكان عدد من الزيّاتة، ياتوا ليشتروا الزيت الفائض وكان تخصص دار موسى، ويبيعوهم بجنوب لبنان، الزيات ليس لديه رأس مال كان عنده بغل ويحمّل على لبنان.
كان هناك دكاكين، الحاج عبد الله عنده دكان، القُرم أبو رياض وأخوه الحدق، واحد عنده دكانه (القرم أحمد عبد القادر) والحدق كان لحام وعلي بلشة كان عنده دكان. وكان الحدق وعلي نجلة يتنافسون من يلبس أفضل. كنت أنا بالأول إبتدائي وسمعت علي نجلاء والحدق يتصايحون، رطل اللحم بـ 8 قروش، زاد اللحم ونزّل الحدق السعر لـ 6 قروش حتى يبيع، فجاء علي نجلا وطلب من الحدق أوقية لحم فقال له الحدق فقط بتعريفة لحم؟!!! فقال له أريد أوقية فقط..
وعمي أبو ذيب (أحمد خليل) كان عنده دكان، ثم إبن عمي أبو جمال فتح دكان في آخر سنتين قلب الخروج.
وكانت الدكانة تحتوي على كل شيء، من قماش وحلويات ومكسرات وهريسة ومعمول وملابس نسائية...
على زمن قبل ولادتي، الوجيه بالبلد كان العبد علي، وهو من الرجال الميسورين وعنده قطيع ماعز وعنده أراضي وزراعة ومواسم، وكان بعيد النظر، كان هو يعيّن المختار، كان الحاج أسعد بلشة مختار (عم والدتي) سحماتا، وكان حليم، فقيل إذا اولاده أو أحفاده مسكوا حرامي يسرق زيتون للزيت، كانوا يحضروه مربوط الى المضافة. فكان يُسأل هل أذى أحداً؟ فيقولون له لا فقط يسرق زيتون، فقال له: أبقى وأجلس وأشرب قهوة، فيقول له المال عزيز، يمكن يضروك هؤلاء من تسرقهم، المرة القادمة تأتي لعندي وتقول لي إني بحاجة فلن أقصر معك.
عندما إبتدوا دار قدورة يظهروا، فدار موسى حاصوا قليلاً، فقالوا: نحنا نسايب شيخ القلعة وهم ليس شيء، ويجب أن نضربهم ليعرفوا أن الله حق.
في إحدى المرات دار موسى قرروا يضربوا دار قدورة قتلة، فعملوا تدريب عسكري في البيادر بالليل وهم راجعين من التدريب كانوا يقولوا: يا طوشة مبدّني تصير والموت ينده يا هلا واحنا هلا... فيوم من الأيام نزلوا على الحارة جاهزين، ودار قدورة كل واحد بشغله وهم كثر، أحمد سعدة كان غير راضي عن زعامة دار قدورة، وكان يعتقد انه أحق فيها، فكان أحمد سعده معارضة وجدي ايضاً كان معارضة، وعندما حدثت الطوشة كان أحمد سعدة مع دار موسى وإبنه حسن، كان طويلاً وقوي، يحمل العصا، فجاء عبد الرحمن قدورة، فضرب حسن بنصف رأسه وخرج الدم مثل النافورة، والشاهد العيان إسمه حسين عسقول (أبو صالح).
والنتيجة الكثرة تغلب الشجاعة، دار قدورة غلبوا دار موسى، ولا يوجد من يفصل بينهم، فجاء واحد مسيحي إسمه سمعان، أحضر البوليس من ترشيحا من نقطة ترشيحا، فجاؤوا عند العبد علي (بمضافته)، فحلّوا القصة وقال لهم مصارين البطن تتعارك ووضع نقود بيد الضابط، وبالنهاية، وقفوا مع دار قدورة ووضعوا الحق على دار موسى، وقيل أن الحق فعلاً كان على دار موسى هم من تحرشوا وهم من ضربوا.
بعد هذه الحادثة سيطر دار قدورة، ومات العبد العلي وإستلم المخترة محمود صالح، وكان موقفه صلب من دار موسى.
وعندما حدثت ثورة 36 – 1937، دار قدورة بشغلهم ودار موسى متفرغين، منهم تبنوا الثورة والثورة تبنتهم، فصار سعيد العبد هو مخزن ملابس الثوار والذخيرة والبارود، وصار صوتهم مسموع، فقيل إنه ذهب الى الشام لعند أبو محمد القسام وقالوا له المختار محمود صالح قوي جداً، فقال لهم لا يمكن أن يكون قوي إلا إذا كان مسنود من الإنجليز.. فأحضروا شهود وشهدوا إنه مسنود من الإنجليز، وفي 1936 إغتالوا محمود صالح.
ثم جاء مكانه أخوه علي صالح، ظل مختار حتى خروجنا من فلسطين، في هذه الأثناء قدّم دار موسى طلب أنهم يريدون منهم مختار، فصار البلد فيها ثلاث مخاتير، واحد للمسيحية وواحد لدار قدورة وواحد لدار موسى. (علي صالح وسعيد العبد وجريس)
فبعد وفاة محمود صالح، كثر هم من تنازع على الزعامة، منهم دار قدورة وأبوه لأبو عدنان، أبو السعيد، القاضي أبو محمد.
أذكر وقت إغتيال محمود صالح، كان الرجال يلعبون الورق ببيت خالد علي خزنة ووالدي وكذا شخص، فسمعنا إطلاق نار، فسألنا وإذا بمحمود صالح مقتول... فقيل أن البلد ستُدمر، فهرب الناس منهم من ذهب الى ترشيحا والدير والبقيعة، أما نحن ذهبنا الى دير القاسي وكانوا يحملوني بالطريق.. لأن لدينا كانت ليل، وبعد ثلاث أيام لم يحدث شيء، فعادات الناس الى البلد، وبعد ذلك جاء الإنجليز وخربوا البلد وكسروا..
سنة 47 و48، لم يكن هناك وعي، كنا نسمع أخبار على الراديو ونصدق ما نسمع، فهناك من رحل وأخذ اغراضه الى لبنان وبنت جبيل... وأنا بالشويفات، فقلت لوالدي أنه عندما نخرج أغراضنا الى بنت جبيل، معناه أنه عند وصول اليهود نحن مستعدون للخروج والهرب وهذا ما لا أريده.
فقلت لوالدي يجب إرجاع كل شيء خرج الى البلد، فأرجعنا كل شيء، وبعدها بفترة سقطت البلد.. وأنا كنت غير سعيد بموقف الوالد... وموقف الدول العربية.
بثورة 1936، كان هناك من إنضم الى الثوار لمهاجمة المستعمرات، وكان من أهل البلد من إنضم للثوار..
أنا عشت الأحداث لشهر قبل سقوط البلد.. كنت بالشويفات شهر 8 وسقطت بشهر 10.
كان أهل البلد.. ليس على استعداد تام لدخول اليهود.. طانوا الأهل مسلحين ببنادق بسيطة جداً...
عندما سقطت البلد.. جئت الى الغازية ولقيت بعض الناس ومن ضمنهم والدي، كانوا ببنت جبيل ثم الى الغازية.. وكان بعض الناس يذهبون تهريب الى سحماتا لأخذ بعض أغراضهم من بيوتهم.
طلع الأهل من سحماتا كمجموعات، ومنهم من بقي بحداثا، العائلات طلعت مع بعضها، منهم من استقر ببنت جبيل أو تبنين أو صور. والدي أخرج والدتي وزوجة أخي وبنات إثنين ورجع على الحدود وصار يدخل بالليل على فلسطين ليحضر بعض الغراض.
أخي عبد الكريم طلع معهم من فلسطين.. جدي لم يكن عايش.. أنا لا أذكره..
أنا كنت بالشويفات، فلم اشهد النكبة بتفاصيلها.. فذهب الأهالي على صور ثم بعلبك، فبعد فترة ذهبت لألاقي الأهالي ببعلبك... وبقيت هناك مدة ستة أشهر (من شهر 6/49 الى 12/49).
ببعلبك، كان هناك معسكرين فرنسيين، في ثكنتي "ويفل" و"غورو"..
كانت الناس تسكن هناك.. غورو فيها 3600 لاجئء تقريباً، الصليب الأحمر واليونيسف كان مهتم باللاجئين.. ثم جاءت الأونروا.. بمرحلة متأخرة للإهتمام بأحوال الناس.
حالة الناس كانت كئيبة، الناس جالسة بدون عمل أو شغل، فقلت لازم يعملوا شيء، فمنهم من فتح دكان ومنهم من أصبح عامل.
أبو فارس عبد الحميد يريدون إحضار فواكه وخضار من سورية.
وفي أول شتوية جاءت الناس الى بعلبك، قيل أنه معظم كبار السن ماتوا من البرد، ليس هناك إستعداد للبرد عند الناس.
عملنا نادي للهويات وإلقاء المحاضرات، فرقة كرة قدم، ومدارس بنفس المخيم.. وهناك من ينزل الى بيروت للعمل..
منهم من عمل بالزراعة والحليشة والحصيدة.. أبسط أنواع الأعمال..
أنا عدت الى سحماتا بالتسعينات، معالمها تغيرت كلياً... يعني لو زلت ببراشوت ما كنت لأعرف أنها سحماتا، لم يبق شيء يشبه سحماتا.. البركة مطمومة.. الأشجار مقطوعة.. تغيرت معالمها، وكأنها تغيرت قصداً حتى اصحابها لن يعرفوها.