أنا من صفورية قضاء الناصرة، دخلت المدرسة كان عمري 7 سنوات، درست 6 سنوات وأنهيت الصف السادس، كان عمري 12 سنة عندما خرجنا الى لبنان، يعني مواليد 1935.
كان عدد السكان 16 ألف نسمة، وهي أكبر بلد بفلسطين. وبلدتي أم الفحم وطوباس تعادلان بلدنا بالحجم. وبلدنا عشاير وحمايل، مثل دار سليمان، ودار طه، ودار موعد، السمايدية.. وهناك حمايل أصغر من هؤلاء، بلدنا واسعة وكبيرة. وقبل ما نطلع بسنة، صارت البلد مؤلفة من قسمين.
تبعد عن الناصرة نصف ساعة بالباص أو ساعة ونصف مشي. ويحدّ قريتنا، كفر منده (من الشمال)، وأيضاً الرينة والمشهد، كفركنة، شخنين، وأرضي بلدنا تمتد لغاية شفا عمرو.
كان في القرية بساتين كبيرة وأحسن من بساتين لبنان، هناك بساتين كان فيها كل الثمار، ويوجد بناء القسطل.
من وجهاء القرية، الشيخ صالح السليم، حمولته حوالي 5 آلاف رجل. وكان المسؤول عن القضاء كله. وكان فيها حوالي 4 مخاتير، أولهم الشيخ صالح السليم، أبو فارس، الشيخ يوسف، سليم محمد الموعد.
كذلك كنا نملك مطحنتين ومعصرتين زيت في صفورية، وحولها سهل إسمه سهل البلطوف وهو كبير جداً مثل سهل البقاع وخصب جداً. كان الحداي يأتون من خارج بلدنا، يحيون العرس ويعودون، وأيضاً كان عندنا لحامين كثر مثل الشيخ محمد وخضر وسامر..
تشتهر بزراعة الحبوب كلها من قمح شعير، كرسنة، عدس، فول، حمص. وكنا لا نبيع، إلاّ من جاء من قرى حولنا ويريد الشراء كانت الناس تبيعه فقط.
كل مختار عنده مضافة، قهوة وشاي.. ومن جاء ناس عنده، مضافة المختار مفتوحة ويستضيفه وينام عنده.
ليس هناك مقاهي للدواوين.. كانت مضافات المخاتير هي الامكنة الجامعة للناس، ومن يريد أن يرى شخص بعينه يذهب ويزره.
أذكر هناك قلعة كانت بنصف البلد، اليهود كل سنة كانوا يصعدون لزيارتها. هذه القلعة كبيرة وأثرية.
في صفورية 3 جوامع، وفيها مقبرة كبيرة. كان في عندنا مدرسة للصف الرابع الثانوي وعُمِّرَت هذه المدرسة قبل خروجنا بسنة واحدة. كان بالمدرسة 11 معلم والمدير.
في بلدنا طلعنا آخر الـ 48 وذهبنا الى صور وبقينا شهر فيها ركبنا من صور الى بعلبك بقينا أربع سنوات ثم الى بر إالياس في زحلة، ثم رجعنا الى صور.
أول ما طلعنا على بعلبك، كنا كذا عائلة بقاووش واحد.
كان مع أبي بعض النقود (كان أبي يملك 300 دونم أرض) وعنده 800 زيتونة كبيرة.
من كان يملك أملاك كثيرة من دار العفيفي ودار الشيخ صالح السليم رئيس البلدية، والشيخ يوسف، وأبو فارس. وكان صالح العفيفي عنده شركة نقل تضم 52 باص.
أوراقنا وملفاتنا كلها كانت عند البوليس بالناصرة، نحن لم نكن نتعامل بالهويات. وهذه الملفات موجودة الآن ببريطانيا واليهود تمتلك نسخة منها بفلسطين.
كان في عندنا قيادة كبيرة وهم من كانوا يعملون عمليات على المستعمرات وبسبب ذلك توجهوا الى صفورية بدباباتهم وطائراتهم.
وفي ليلة 7 رمضان قُصِفَت صفورية بطائراتهم وقت الإفطار، فخرجنا ولم نأخذ معنا شيء، غير لحاف واحد، وذهبنا بين الزيتون على اساس غداً سنرجع أو بعد غد بنرجع... وبعنا بنرجع.
يا ريت نرجع لفلسطين، فما زلت أذكر فلسطين وصفورية.
في سنة 1948، دخل جيش الإنقاذ الى بلدنا، دخل فوزي القبقجي، كنا عاملين ألغام لليهود حول البلد، فجاء فوزي وقال لنا: أزيلوا الألغام فجيش الإنقاذ يريد دخول البلد، فأزلنا الألغام، وإذ ثاني يوم دخل اليهود على البلد.
طلعنا على عراية المغرب، وإذا بجيش الإنقاذ ينسحب، واليهود تدخل بلدنا. فخرجنا على كفر مندة، ثم الرامة، ثم الى لبنان.
أنا كنت حافي عندما خرجنا. وليس معنا أكل، كنا نشحد الأكل لنأكل على الطريق الى أن وصلنا الى لبنان.
لم يتعرض لنا أحد من اليهود، ويقولون لنا إذهبوا الى لبنان. وكان اليهود يسقون الأطفال والماء على الطريق.
وفي لبنان ذهبنا الى الرميش وثم بنت جبيل وثم صور وبعلبك وزحلة ثم بر الياس ثم عدنا الى صور.
بلدنا بعد خروجنا، دُمِّرت تدمير من قبل اليهود، ولكن كانت الناس عندما تحاول الرجوع ودخول البلد لأخذ ملابس وأغراض من بيوتهم، وكان من يستطيع الدخول يدخل، وهو وحظه وعمره، فإذا رآه اليهود يقتلونه. وإن لم يشعر به اليهود يعود الى لبنان والى عائلته.