"الحاجة زينب رباني… ذاكرة طيرة حيفا التي لا تموت"

في إطار المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية، هوية وفريق أغاريد وثّقت ذاكرة الحاجة زينب نمر رباني، المولودة عام 1939 في بلدة طيرة حيفا، ملامح حياة قرية كانت نابضة بالخير والكرم قبل أن تعصف بها نكبة عام 1948.
كانت أسرتها من العائلات المعروفة في المنطقة، إذ كان والدها تاجراً مرموقاً، يستقبل الضيوف في "المضافة"، ويدير محلاً في مدخل البلدة يضم مواد غذائية وخضاراً وقسماً لبيع الأقمشة. وإلى جانب التجارة، امتلكت العائلة بساتين قمح وبطيخ وفاصولياء خضراء، وكروم زيتون، ومنزلاً كبيراً من طابقين شيّده والدها بحب، تحيط به أراضي العائلة ومنازل الأعمام في حي واحد متماسك.
عاشت زينب طفولة هادئة، درست في مدرسة "البيادر" التي كانت تصل إليها سيراً على الأقدام، قبل أن تنقطع عن التعليم بسبب التهجير القسري. وتتذكر أسماء عائلات الطيرة مثل: آل عبد الحليم، زيدان، سلمان، وأبو غزالي، ومختار القرية عبد الله السمان.
اشتهرت الطيرة بمحاصيلها وزيتونها ومطاحنها، وبأطباقها التراثية مثل "المحمر" في الأفراح، و"الفطيرة بالجوز أو السكر" في الأعياد، وكلها مغمورة بزيت الزيتون الذي كان فخراً لأهالي القرية.
لكن السكينة لم تدم طويلاً، إذ بدأت الشائعات تنتشر عن هجمات على المدارس. وتروي زينب أن البريطانيين كانوا يفتعلون الفوضى باسم الصهاينة لترهيب السكان ودفعهم إلى الرحيل. ورغم محاولات المقاومة، كان السلاح الذي وصل إلى الأهالي معطوباً بطلقات عكسية، بهدف إضعافهم.
مع تصاعد الخطر، قرر والدها الرحيل حفاظاً على الأرواح. خرجت العائلة من دون حمل أي متاع، واستقلت قارباً مكتظاً بأكثر من 35 شخصاً نحو مدينة صور، في رحلة محفوفة بالخوف، بينما صعد الشباب في قارب آخر كاد أن يغرق من شدة الاكتظاظ. قبل الهجرة، شهدت البلدة مجازر مروّعة، منها إحراق حافلات بمن فيها من كبار السن.
استقروا أولاً في جويا أملاً بالعودة لقربها من فلسطين، ثم انتقلوا إلى النبطية، ومنها إلى مخيم المية ومية في صيدا. وبرغم السنين، تقول الحاجة زينب:
"أعود بلا تردد، ولو إلى خيمة أو تحت شجرة زيتون… فلسطين وطني ودمي وعرضي، ولا أبدلها بكنوز الأرض".
ووجّهت رسالة لأهل غزة: "لا تتخلوا عن الأرض مهما كان الثمن".