ترشيحا في قلب الحاج محمد أحمد شريح – ذاكرة لا تنطفئ من مخيم النيرب
هوية – أ. زياد غضبان
سورية – حلب
الثلاثاء 11/11/2025
في زيارة توثيقية جديدة ضمن مشروع الذاكرة الشفوية، التقى فريق مؤسسة "هوية" بالحاج محمد أحمد شريح (مواليد 1947 – ترشيحا، قضاء عكا) في مخيم النيرب بمدينة حلب، حيث استقبلهم بحفاوة لافتة وفتح أمامهم صفحات من سيرة حافلة بالحنين والوجع والأمل.
استهل فريق "هوية" اللقاء بتعريف موجز عن دور المؤسسة ورسالتها في حفظ شهادات الجيل الأول من اللاجئين الفلسطينيين، ليبدأ بعدها الحاج شريح حديثه قائلاً:
"أنا الحاج محمد أحمد شريح، مواليد ترشيحا عام 1947."
وتدفقت الذكريات من قلبه كما لو كانت بالأمس؛ فوالده – كما يروي – كان يمتلك معصرة زيتون في ساحة ترشيحا، إضافة إلى عدد من الأراضي المزروعة بالتبغ. وذكر الحاج أسماء الجيران والعائلات التي كانت تحيط بهم: النحّاس، أبو سخينة، بدر، شريح، القاضي، قبلاوي… مؤكّدًا أنّ العلاقات بينهم كانت قوية ومتينة وتغلب عليها روح التعاون.
وتطرّق إلى تفاصيل مرتبطة بالموروث الزراعي للبلدة، حيث كان الأهالي ينقعون الزيتون في الماء عدة أيام قبل اصطحابه إلى المعصرة. وقال إنّ زيتون ترشيحا كان خيرًا مباركًا، إذ كانت الشجرة الواحدة تعطي ما بين 30 و40 كيلوغرامًا، بفضل طبيعة الأرض ومناخ البلدة.
كما استحضر روايات والده عن معالم ترشيحا، ومنها الجامع القديم في الساحة، وبيّن أنهم كانوا يسكنون في حارة البركة المسماة نسبة لوجود بركة ماء عذبة فيها. وروى حادثة أليمة حين غرق عمّه في تلك البركة بسبب عمقها الكبير.
وفي حديثه عن التعليم، ذكر أنّ البلدة كانت تضم مدرسة ترشيحا الابتدائية، وتولى التدريس فيها نخبة من المعلمين منهم: أبو خالد القاضي، الست عليا أبو حميدة، والأستاذ فهمي شريح.
وتوقف عند واحدة من أبرز محطات الحياة الاجتماعية، وهي المضافة التابعة للمختار الفهد شريح – جدّ زوجته – والتي عُرفت بكرم الضيافة. إذ كان الضيوف يفدون من بلدات مختلفة، وتُمدّ لهم مائدة عامرة تُترك ثلاثة أيام كاملة، تعبيرًا عن عادات الكرم المتجذرة لدى أهالي ترشيحا.
أما طقوس الأعراس، فحملت نصيبها من الحكايات؛ من "التعليلة" التي تمتد سبعة أيام، إلى تجهيز بيت الزوجية، وصولًا إلى يوم العرس و"النقوط" واجتماع النساء والرجال لتحضير الطعام وتوزيع الحلوى على المدعوين من داخل البلدة وخارجها.
وحين سُئل الحاج محمد عن حلم العودة، غصّ صوته وقال:
"ياريت ما طلعنا."
مؤكدًا أنّ أجمل يوم في عمره سيكون يوم عودته إلى مسقط قلبه: ترشيحا.
واختتم الحاج اللقاء بدعاء حارّ أن يفرّج الله الكرب عن أهلنا في غزّة، وأن تبقى الذاكرة حيّة ما دامت الأجيال تحمل رواية الحقّ وتورّثها لمن بعدهم.
