على رأس طلعة "عبد شاكر"، وبالقرب من موقف تكسيات غزة سابقًا، يبدأ امتداد شارع الشهداء في قلب مدينة الخليل، حيث ينتهي به المطاف الى مدرسة الدبويا التي تحولت لتصبح أكبر تجمع استيطاني داخل المدينة يحمل اسم "بيت هداسا".
تبرز أهمية شارع الشهداء كونه يمثل شريان الحياة الواصل بين شمال المدينة وجنوبها، إلا أن الشارع تم إغلاقه أمام حركة السيارات والماره منذ خمس 25 عامًا تقريبًا عقب عملية الدبويا الشهيرة، وتم المنع النهائي للمرور من الشارع بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994م، ورغم أن اتفاقية الخليل نصت على فتح الشارع المذكور إلا أن عنصرية الاحتلال لا زالت تعربد وتمنع الفلسطينيين من العيش بكرامة".
شارع الشهداء يضم 46 محلاًّ تجاريًّا ونحو 73 منزلاً، ويحتضن قرابة 1500 نسمة لا يزالون يقيمون في منازلهم رغم رحلة العذاب اليومية.
تصاريح خاصة
على مدخل الشارع من الناحية الغربية نصب الاحتلال برجًا عسكريًّا وحاجزًا ثابتًا يقف عليه جنود صهاينة على مدار الساعة يمنعون أي فلسطيني من المرور عبر هذا الشارع عدا سكان الحي الذين فرض عليهم الحصول على تصاريح عبور للدخول إلى منازلهم، أما الحوانيت فهي مغلقة تمامًا، أما السيارات فهي ممنوعة على الإطلاق من المرور منذ عشرات السنوات.
محمد البايض (56 عامًا) أحد القاطنين في شارع الشهداء، يقول: "نحن نعيش حياة من نوع آخر، فلا نستطيع أن ندخل غرام واحد من المواد الغذائية إلى منازلنا دون تفتيش وإرهاق ومعاناة.
وأضاف: "أحمل أكياس الخضار والفواكه وأتوقف عند الحاجز ربما لنصف ساعة وربما لعدة ساعات حتى يسمح لي بالدخول إلى منزلي، هذا بعد عمليات التفتيش الإلكتروني واليدوي".
وتابع البايض: "عندما يغير طاقم الجنود المقيمين على الحاجز يرفض الطاقم الجديد إدخالنا إلى منازلنا بحجة أننا لسنا من سكان الحي ويستمر السجال لعدة ساعات، ويطلب إبراز تصريح العبور.. وأحيانًا كثيرة تجري مشادات كلامية ويدوية تنتهي بالاعتقال".
زواج محزن عبر الحواجز
وتستمر المعاناة في شارع الشهداء، لكن أوجها يتجسد في معاناة سكان الحي عند تزويج أبنائهم، فلا موكب للعرس ولا يسمح للعريس بالدخول لأخذ عروسه خاصة إذا كان من حي آخر.. وترى الموكب وكأنه جنازة وليس بعرس.
الحاج إبراهيم بدر (67 عامًا) أحد سكان الشارع المذكور قال لنا في حديث خاص: "أصعب يوم في حياتي وأنا أرى ابنتي العروس البكر وهي بلباس الزفاف؛ حيث تسير من منزلنا على الأقدام مسافة 200 متر لينتهي بها المطاف إلى البرج العسكري فيصر الجندي الصهيوني على تفتيشها.. وتنتهي المشادات والمفاوضات بتمرير آلة الفحص الإلكترونية على ملابسها، هذا بالإضافة إلى تفتيش كافة أبنائنا وبناتنا، وحقائب العروس وحاجياتها".
ويضيف الحاج بدر: "وتسير العروس وتخرج عبر الحواجز الإلكترونية وأمام الكاميرات العسكرية والجنود يقهقهون حتى ينتهي بها المطاف إلى موكب السيارات الذي ينتظر منذ ساعات لنقل أهل العريس والعروس إلى منزلها الجديد".
ويختتم الحاج بدر حديثة والدموع في عينيه: "حسبنا الله على الظالمين والخونة الذين مكنوا الاحتلال من رقابنا وجعلونا نعيش هذا الذل وهذه المهانة".
مريض يكاد يلفظ أنفاسه
كانت ساعات الفجر تمر ببطء كبير جدُّا والشاب حسن عرفه (34 عامًا)، يعيش بين الحياة والموت بسبب نوبة قلبية ألمت به في منتصف الليل، فالإغماء يغيبه لحظة، ويعود إلى الحياة لحظة أخرى، والكل حوله يبكون ويصرخون لأنهم لا يستطيعون أن يقدموا شيئًا!.
أبو حسن (66 عامًا) قال لنا في حديث خاص: "عندما انجلط ابني حسن اتصلنا بسيارة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، ووصلت إلى الحاجز لكن الجيش الصهيوني لم يسمح لها بالدخول، خرجت من المنزل ليلاً لإبلاغ الجيش على الحاجز بالحالة المرضية لابني، حيث الخروج ليلاً ممنوع بتاتًا، وما إن تقدمت قدماي مترين أمام المنزل حتى ملأ المكان صراخ الجنود وهم يسحبون أقسام أسلحتهم الأوتوماتيكية الرشاشة وينادون: (ارجع وادخل بيتك، وإلا نقتلك)".
ويضيف أبو حسن: "رجعت إلى البيت هائمًا على نفسي.. ابني يموت ولا أستطيع أن أفعل له شيئًا.. واستمر الأمر على حاله حتى الصباح، وتم نقل حسن إلى المستشفى الأهلي ، حيث كتب الله له حياة جديدة".
حوانيت مهجورة
عشرات الحوانيت والمحال التجارية في شارع الشهداء كانت عامرة بالحياة.. الحلاقون والحدادون وبائعو الزجاج وصناع الأحذية وبائعو المواد الغذائية وكذلك الأقمشة التي ينتهي بها المطاف إلى دار الإخوان المسلمين سابقًا، باتت اليوم خاوية على عروشها مغلقة إغلاقًا تامًّا، بسبب إجراءات الاحتلال الصهيوني، وعنف المستوطنين، فكثيرًا ما يقومون بحرق هذه المحال وسرقتها، وخاصة خلال أحداث الانتفاضة.
ماجد أبو حماد، صاحب محلقة قال لنا: "محلي مغلق منذ 20 عامًا، حاولت فتحه مرارًا، لكن عشرات المستوطنين الذين يمرون من مستوطنة الدبويا إلى مستوطنة الرميدة أو إلى مقبرة اليهود وخاصة وهم يحملون جثمان يهودي لدفنه في المقبرة، يرجمون المحال التجارية بالحجارة وبعضهم يلقي زجاجات حارقه كما حصل لي عام 2002م حيث احترق المحل وكدت أحرق معه".
تلكم هي صورة الحياة في شارع الشهداء بالخليل، والذي كان يطلق عليه شارع الإخوان المسلمين، حيث الرعب والألم والمعاناة من قبل الاحتلال الصهيوني وحواجزه المتعددة وإجراءاته المهينة، وهذا نموذج حي لواقع المدينة تحت الاحتلال.
المصدر: المركز الفلسطيني