مساجد صفد.. مفتوحة لكل شيء عدا الصلاة
فور دخول مدينة صفد التي تم تهجيرأهلها بقوة السلاح، يلحظ الزائر منازلها العربية المهجورة أو المسكونة بمستوطنين يهود، ومساجدها التي حولت إلى حظائر وخمارات وكنس, بينما المقابر الإسلامية ساحة للأبقار تعبث بها.
على المدخل الغربي للمدينة التي هجّرت الصهيونية أهلها البالغ عددهم 12 ألف نسمة عام 1948 ولم تهدم منازلها، يطل مسجد عين الزيتون وهو ينذر بما ينتظر الزائر من مشاهد مأساوية.
وبعدما كان المسجد واحدا من أجمل مساجد صفد ويمتاز بوجود ينبوع داخله استخدمت مياهه للوضوء وما زالت تتدفق حتى اليوم، تحوّل طابقه الأرضي حاليا إلى حظيرة حيوانات, بينما أصبح طابقه العلوي مخزنا، كما تحولت مقبرة صفد "البرانية"الملاصقة له إلى مرتع للخيول والأبقار.
ويتضح أن اللوحة الرخامية المثبتة في واجهة المسجد الذي شهد مذبحة ارتكبتها عصابات الهجاناه في النكبة وحملت تفاصيل بنائه، قد سرقت ضمن مسلسل الاعتداءات عليه.
المسجد الأحمر
وتزداد المعاناة, عندما يدرك الزائر القيمة الوجدانية والحضارية لمساجد تاريخية بنيت في عصور إسلامية زاهرة، كما يقول المؤرخ جميل عرفات.
وفي تعبيره عن غصة الزائر لصفد يوضح عرفات للجزيرة نت أن المشهد الأشد إيلاما فيها يتمثل في المسجد الأحمر الذي بناه السلطان الظاهر بيبرس إبان العصر المملوكي "وبات وكرا للشواذ والزعران". هذا المسجد الذي يستمد تسميته من حجارته الحمراء، يستخدم لاستعمالات عدة، لكنه موصد أمام المسلمين الذين يتعرضون لاعتداءات المستوطنين فور الاقتراب منه.
ويستذكر عرفات أن المسجد لا يتميّز بجماليته وبالأعمال الفنية المتقنة التي يزدان بها مدخله فحسب، بل بكونه مدرسة هامة للفقه والحديث والعلوم في العصر المملوكي. ويتابع "أصبت بالدوار حينما انتبهت داخل المسجد إلى آثار التخريب كما تدلل بقايا مقاطع من آية الكرسي التي أزيلت من فوق المنبر وثبتت مكانها الوصايا العشر بالعبرية.
ويستخدم المسجد الأحمر اليوم كناد ليلي ولتصوير برامج تلفزيونية، كما سبق أن اتخذه حزب "كاديما" الحاكم مقرا انتخابيا خلال انتخابات الكنيست عام 2006.
اليونسي
وهذا هو أيضا حال المسجد اليونسي الذي بني عام 1319هـ حيث أزيلت من جدرانه مخطوطات عربية عدا لوحة رخامية نحت فيها الشعر:
هذا مسجد الله سطع نوره.. مثل الكواكب في سماء المجد.
لما رقت فيه العباد أرّخت.. جاءت شعائر ديننا في المسجد.
وقد حولت بلدية صفد الخالية من العرب اليوم المسجد إلى معرض للفنون والتماثيل النحاسية والرسومات، وهو أيضا تحظر فيه الصلاة.
أما جامع الغار نسبة إلى غار سيدنا يعقوب المجاور (غار الأحزان)، فهو الآخر تكاد حجارته تنطق اشتياقا إلى أهله بعدما صار كنيسا. وهذا حال زاوية "بنات حامد" التي كانت مقرا للحلقات الصوفية وباتت اليوم مهجورة.
هناك مئذنة يتيمة ربما حالهما أفضل من جامع الصواوين المتداعي والمهجور أو من الجامع الجوقنداري في حارة الأكراد الذي حول أيضا إلى كنيس. أما مسجد "الشيخ عيسى" المعروف بمسجد حارة الجورة، فلم تنج سوى مئذنته بعدما هدمته بلدية صفد عام 1988.
يقع مسجد "الشيخ عيسى" في حي الجورة وما زال يتعرض لعمليات نبش خطيرة في أسفل مئذنته بعد سرقة الهلال البرونزي المثبت عليها.
ويقول المؤرخ د. مصطفى عباسي ابن مدينة صفد المهجرة للجزيرة نت إن المسجد المعروف باسم "مسجد السويقة " أيضا، كان الجامع المركزي في هذا الحي الذي ولد وترعرع فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى هجر من المدينة وهو في الثالثة عشرة من عمره.
يشار إلى أن المسجد يبعد عشرات الأمتار فقط عن أطلال منزل عائلة الرئيس عباس الذي هدم قبل أربعة عقود، وكان مسجلا باسم والده رضا الحاج شحادة عباس وهو أحد رعاة المسجد كما يوضح عباسي.
عائلة عباس
وهذا ما تؤكده الحاجة خيرية حسن شريف أم فارس (74 عاما) من صفد والمقيمة في مدينة الناصرة منذ النكبة، وتشير إلى أن الشيخ أحمد الأسدي أشرف على مسجد الشيخ عيسى وتولى الإمامة فيه حتى العام 1948. كما تشير إلى أن ابن عمها أبو خير شريف اللاجئ في مخيم اليرموك كان مؤذن المسجد ويعتلي المئذنة أحيانا لتبليغ الأهالي بأمر طارئ كفقدان طفل. وتتابع "حينما كانت تحين ساعة الأذان كنت تسمع أصوات المؤذنين بوضوح دون مكبر صوت بفضل ارتفاع المآذن".
وردا على سؤال الجزيرة نت، تلفت أم فارس إلى أن بيت عائلة الرئيس محمود عباس كان قبالة دار عمها محمود شريف، وما زالت تذكر الرئيس الذي عمل في تجارة الحليب والألبان.
المصدر: الجزيرة نت