المعركة الفاصلة:
لقد خطط اليهود للمعركة الفاصلة بدهاء. فإنهم عندما فشلوا في الحصول على مبتغاهم بالهجمات البرية المتواصلة قاموا بغارة جوية كبيرة من الشدة. ففي عضر أحد الأيام بدت في سماء القرية بضع طائرات حربية قادة من جهة الشرق فظن بعض الناس أنها طائرات عراقية وطن البعض الآخر أنها تقل الكونت برنادوت الذي أعلن عنه أنه سيقوم بتفقد القرى المحاصرة. غير أن الطائرات مرت من أجواء البلدة متجهة إلى الغرب لتعود مرة أخرى من جهة البحر وتأخذ بقصف القرية بالقنابل والصواريخ مكررة ذلك عدة مرات ومحولة هجومها إلى جبع وإجزم كذلك وأن كان التركيز على عين غزال أكثر. ولقد كان لهذه الغارة تأثير سيء على معنويات أهل البلد خاصة بعد أن إستشهد فيها عشرات الأشخاص كما دمر العديد من مناولها نذكر منها بيت خالد الحسن وإبراهيم اليحي وحاصل المختار والمسجد وبيت عايشة العتيق ودار حماد وبيت حسن أبو حمد والحاج عبد القادر أبو زليخة ومحمد إبراهيم الصالح ودكان محمد الحماد ودكان محمود الشعبان، وغير ذلك كثير.
لقد كانت محطة الإذاعة أعلنت يومها أن الكونت برنادوت سيزور منطقتنا. وبالفعل فقد قدمت ثلاث طائرات من ذوات الأربعة المحركات ومن ورائها طائرة صغيرة وتابعت طيرانها صوب البحر، ولما كانت يومها شرقية فإننا لم نسمع صوتها، ثم عادت وكان ما كان فدمرت بيوتاً كثيرة وكان عدد الضحايا يناهز السبعين شهيداً وشهيدة. ومن بين الذين أصيبوا كان أحمد الشعبان وزوجته وحفيده.
لقدهبطت هذه الغارة بمعنويات الناس إلى الصفر، مما إضطرهم إلى إخلاء البلدة من النساء والأطفال، حتى أصبحت وكأنها خاوية على عروشها، وراح هؤلاء يعيشون في العراء وتحت الأشجار المحيطة بإجزم.. وبين الحين والآخر كان البعض منهم يذهبون إلى القرية فيحضرون منها الطحين والمؤن يستعينون بها على المعيشة هناك..
وقد إستمات الناس في الدفاع عن القرية وكذلك فعل أهالي قريتي إجزم وجبع. وتصاعد هجوم اليهود على القرية فأخذوا يقصفونها من البحر ومن عتليت وكفرلام، كما كانت المصفحات تجوب الطريق أمام البلدة والطائرات تواصل غاراتها بإستمرار فأصبح من المستحيل مقاومة هذه الهجمات بالإمكانات المتوفرة.
ثم إن القرية في الليلة التالية لهجوم الطائرات تعرضت إلى هجوم عنيف من جهة الجنوب وإستمات اليهود في محاولتهم هذه لدخول القرية. وكان من بين المهاجمين قناص ماهر أصاب العديد من أبناء البلد مما ساعدهم على التقدم بجومهم هذا حتى وصلوا إلى جبل التمنعة وصار من المتعذر إخراجهم من هناك وإنهالوا بالرصاص على المتقدمين من المجاهدين مما دفعهم للتراجع إلى الخلف، وكانت هذه بداية إنسحاب أهل البلد من بلدتهم.
ونتيجة لإستمرار الضغط اليهودي المتواصل على البلدة فقد أصبح من المتعذر على من بقي من أبنائها الدفاع عنها. فبدأ الإنسحاب التدريجي الذي إنتهى بإخلاء القرية من جميع السكان. وهنا لا بد لنا أن نعدد بعض أسماء الشهداء الذين سقطوا في هذه الحرب الضروس.
المصدر: كتاب عين غزال كفاح قرية فلسطينية
محمد راجع جدعان