حنان ابن بري شمالي سيدة فلسطينية في الثانية والعشرين من عمرها، لكنها اليوم المترجمة العربية الوحيدة في أراضي 48 بلغة الإشارة، وهذه مهنة اكتسبتها دون أن تختارها بل ولدت وترعرعت معها.
وتعمل حنان لتوفير التواصل بين الناس بواسطة الترجمة دون أن تتكلم كلمة واحدة وذلك بواسطة ما تعرف بلغة الإشارة، وهي لغة دولية لها أبجديتها وتقنياتها الخاصة.
حنان ابنة كفر قاسم والمتزوجة في عرابة البطوف داخل أراضي 48 تعمل يوميا في مدرسة للصمّ، فترافق المعلمين وتترجم التاريخ والجغرافيا والعربية والعبرية وحتى الرياضيات للطلاب الصم بلغة ابتكرها الإنسان لتجاوز إعاقته السمعية، لغة الإشارة.
وعن وظيفتها التعليمية تقول حنان إنها مجرد همزة وصل بين من وهبهم الله نعمة الكلام وبين من حرمهم إياها، وتقوم بها بمحبة كبيرة.
ودرست حنان في الجامعة لغة الإشارة لمدة عامين لكن دراستها هذه لم تضف إليها الكثير، فهي مترجمة منذ طفولتها المبكّرة بفضل تجربتها العملية مع والديها الأصّمين.
والدان أصّمان
وولدت حنان لوالدين أصّمين يتحدثان لغة الإشارة، ولها خمسة أخوة لا يعانون مثل أبويهم من الصمم، مما جعل الأبناء يتولون مهمة التواصل بين والديهم والعالم.
وبنى والداها شبكة علاقات اجتماعية وصداقات مع صمّ من كل البلاد تجمع بينهم لغة الإشارة، وهي لغة دولية تتخذ طابعا خاصا محليا مع اختلاف الثقافات، بل إن هناك إشارات خاصة بكل بيت وأسرة.
وتشير حنان إلى أنه في البداية استعان والداها وأصدقائهما من الصم بجهاز الفاكس لتبادل الرسائل المكتوبة، ثم شارك الأبناء كوسطاء تولوا إجراء المكالمات الهاتفية بين الطرفين بعد أن أتقنوا لغة الإشارات بالسليقة وتولوا مهمة الترجمة للأهالي، وصاروا كلهم مترجمين بالإشارة.
وتستذكر حنان أن والدتها كانت تدأب على إخراجها من المدرسة وهي في المرحلة الابتدائية لترافقها لصندوق المرضى أو المصرف لتولي مهمة الترجمة. وفي البيت تعلمت حنان وأشقاؤها لغة الإشارة فقط، أما مهارة الكلام فتعلموها من الجيران والمدرسة.
وتستعيد حنان البدايات وابتسامة عريضة ترتسم على محياها، وتشير إلى أنها كانت في طفولتها تدير ظهرها لجهاز التلفاز وتقابل والدتها التي لا تسمع وهي تتابع المسلسلات المكسيكية، إذ كانت تترجم لها ما تسمعه حتى صارت تكره المسلسلات "المتعبة" بالنسبة لها ولشقيقها الذي تبادل معها الدور، ولكنها مع ذلك تؤكد أنه واجبها المقدس تجاه والديها الحنونين.
وتدعو الأهالي للحرص الشديد على تعليم أبنائهم الصمّ لغة الإشارة في مدرسة خاصة دونما خجل كي لا يفقدوا القدرة على التواصل مع محيطهم.
تعابير الوجه
وردا على سؤال تشير حنان إلى أن لغة الإشارة عميقة وغنية ومعبرة للغاية، وهي تتكون من آلاف الإشارات. وبثقة منقطعة النظير تؤكد حنان على مهارتها الاستثنائية فيها وإجادتها لها قائلة إنه لا أحد في الدنيا يستطيع منافستها في هذه اللغة.
وتوضح أن لغة الإشارة تعتمد أبجدية خاصة يترجم فيها الحرف أو الكلمة بحركة وتستخدم فيها اليدان للتعبير عن المراد بالتزامن مع تحريك الشفاه ولغة الجسد أو الملامح. ولتقدم لنا مثالا عمليا، وضعت حنان يدها على قلبها واستخدمت أصابعها لتقول بذلك إنها تحب زوجها مهدي.
وإذا كان خير الكلام ما قل ودلّ فلغة الإشارة أكثر بلاغا وإيجازا، فأحيانا وبواسطة إشارتين في ثانية واحدة بإمكانك أن تعبر عن جملة طويلة كاملة.
وتضيف حنان أن التخاطب بالإشارة لغة دولية وأساسها واحد رغم اختلاف بعض الإشارات نتيجة اختلاف الثقافات، وهذا يعني أن من يتقنها يستطيع التواصل مع صم في الهند أو الولايات المتحدة بنسبة عالية من الوضوح والدقة. وهذا يفسر شبكة الصداقات بين والديها وبين صمّ فرنسيين وأتراك وبرازيليين وأميركيين، إذ يتواصلون عبر الرسائل المصورة بالإنترنت أو الهاتف المحمول الذي يبعث بصورتك وأنت تتكلم بالإشارة.
وتقول حنان إن أجمل عمليات الترجمة التي قامت بها كانت ليلة زفافها يوم دعت أهلها وأصدقاءهم الصمّ وكانت هي تتحرك برشاقة مترجمة أحاديث ضيوفها الفرحة، أما الزغرودة فتقول حنان إنه لا مجال لترجمتها، وحنجرة الأصم قادرة على إطلاقها ولو بصوت خافت.
المصدر: الجزيرة نت