جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
الفالوجة.. رغم الشتات حاضرة في وجدان أهلها
رغم مرور خمسة وستين عاما على تهجيرهم من بلدتهم الفالوجة، إلا أن أهالي هذه البلدة لا يزالون يعيشون على أمل العودة رغم ما تعرضوا له من شتات وألم وعذاب؛ فالفالوجة حاضرة في وجدانهم وأسماء أحيائهم ومؤسساتهم التعليمية والاجتماعية والرياضية، حتى أطفالهم الذين ولدوا في الشتات، لا يزالون يدركون أن لهم أرضا ووطنا احتله الصهاينة وهجروا أجدادهم منه.
الفالوجة بلدة عربية فلسطينية كان اسمها (زريق الخندق) تقع بين مدينتي الخليل وغزة، وعلى وجه الخصوص إلى الشمال الشرقي من غزة حيث تبعد عنها نحو 30 كيلوا مترا. سميت بهذا الاسم نسبة إلى ولي الله الشيخ شهاب الدين أحمد العابد الفالوجي أحد أتباع الطريقة الصوفية القادرية، قدم من فلوجة العراق أوائل القرن الرابع عشر الهجري، فسكن منطقة الزريق وتوفي ودفن فيها، فاقام أهل القرية له مقاما ومسجدا، وسميت القرية منذ ذلك الوقت باسمه. وتبلغ مساحتها 38038 دونما، تحيط بها قرى العراق المنشية وجسير وكرتيا وحتا وعراق سويدان، وكانت القرية تحتضن سوقا تجاريا كبيرا يسمى (سوق البرين) ومسجدا بني فوق ضريح الشيخ الفالوجي له ثلاثة أروقة وقباب وصحن، كما أنشئت في القرية مدرسة للبنين عام 1919م واخرى للبنات عام 1940م . حاصر الاحتلال الصهيوني البلدة عام 1948م، وقد واجه سكان البلدة هجمات الاحتلال في معارك عدة كان من بينها المعركة التي جرت في آذار 1948م، استشهد فيها 37 فلسطينيا من أبناء القرية، فيما قتل 7 من أفراد العصابات الصهيونية. وقد استمرت الهجمات والمعارك حتى نهاية شباط 1949م ، حيث يذكر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف أنه استشهد في الفالوجة نحو أربعمائة فلسطيني ومصري خلال صمودها الأسطوري أمام تللك الهجمات والغارات الحربية. احتل الصهاينة البلدة في نهاية شباط عام 1949م بعد اتفاق هدنة رودس الذي قام على انسحاب حامية الجيش المصري التي كانت متواجدة في البلدة تحت قيادة اليوزباشي جمال عبد الناصر والضابط سيد محمود طه (الملقب بالضبع الأسود). آمال وذكريات تقول الحاجة فاطمة رضوان عبد العزيز (77 عاما) من أهالي الفالوجة الذين هجروا منها "كان عمري يوم هاجرنا من البلد 12 عاما ولا زلت أذكر كيف كانت الطائرات اليهودية والبريطانية تقصف مواقع الجيش المصري والثوار الفلسطينيين قبل أيام من هجرتنا، أجبرنا على الخروج من البلد بسبب قصف الطائرات وهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها". وأضافت "كنا نعتقد أنها هجرة أيام وأسابيع ونعود إلى أراضينا وبيتنا.. تركنا آبار القمح مملوءة، والبقر والغنم والخيل والإبل في الحظائر، ولكن خيانة العرب حرمتنا أوطاننا وعودتنا إلى الفالوجة حتى اليوم .. كم أتمنى أن أرى الفالوجة وأراضيها الخصبة قبل أن أموت، وكم أتمنى أن أدفن فيها ؟!!". ويؤكد الحاج حسن أولاد عيسى -(80 عاما) وهو من مواليد الفالوجة- أن بلدته كانت حضارية متطورة فيها مدارس وأسواق وبلدية، وكان من أوائل رؤسائها المرحوم عبد المجيد الحصان، فيما كان رئيسها قبل الهجرة الشيخ محمد عواد، وكان سوقها الكبير الذي ينعقد يوم الخميس يحضر التجار إليه من كل البلدات والقرى والمدن المجاورة للفالوجة، من غزة والرملة والمجدل وبئر السبع والخليل وغيرها. الحاجة أم حسن البايض (75 عاما) والتي تعيش في مخيم الفوار قضاء الخليل لا تزال تتذكر أحياء وحارات الفالوجة، حيث كان والدها تاجرا، تقول "هاجر والدي وأمي وأقاربي من الفالوجة وكنت ابنة العشر سنوات، ولا زلت أذكر كيف أننا نمنا على التراب وبين الشجر في بلدة الدوايمة في الليلة الأولى من هجرتنا". وتابعت "وحتى لا يسمعنا اليهود وعصاباتهم ويقتلونا، وضعت أمي قطعة قماش في فم أخي محمد الرضيع حتى لا يخرج صوته ويسمعه اليهود .. كنا خايفين ينقطع نفس محمد فيموت لكن الله سلم، ووصلنا إلى منطقة دورا وسكنا في المدرسة وبعدها انتقلنا إلى منطقة الفوار، حيث بني المخيم فيما بعد". وأضافت الحاجة أم حسن: "إنا على قناعة أنه سيأتي اليوم الذي سنعود فيه إلى الفالوجة، إن لم يكن في زماننا، فسيكون في زمان أبنائنا وأحفادنا، والله ما بتغيب الفالوجة عن ذهني وذاكرتي، وإن شاء الله سنعود إليها، وترجع أيام العز والراحة والبساطة، المهم ترجع راحة البال". الأستاذ عبد الرحمن أبو فارس (81 عاما) مدرس متقاعد خرج من الفالوجة مع والده عام 1949م وكان عمره نحو خمسة عشر عاما، يقول: يوم النكبة خرجنا من الفالوجة رغم أنفنا تحت ضغط ضربات الطائرات والقذائف وليس بخيارنا، ولن نسمح لأحد أن يصادر حقنا في العودة إلى بلدنا وأرضنا.
وحول المفاوضات وتبادل الأراضي؛ قال الأستاذ عبد الرحمن: "لن نبادل أرضنا بالذهب فهي أغلى من الذهب، وكل من يعمل على ذلك ليس منا ولن نغفر له.. الفالوجة ستبقى في ذاكرتنا ووجداننا وسنعلم أبناءنا وأحفادنا كيف يخططون للعودة إلى الفالوجة إن عاجلا أم آجلا؟!!".
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام