يضطر المزارعون الفلسطينيون التعامل وفق جداول "فتح البوابات الأمنية" التي تحمل اسم المستوطنات التي أقيمت على أراضيهم من أجل قطف ثمار الزيتون.
ونشرت ما يعرف بـ"مكاتب الارتباط المدني" مواعيد الدخول للمزارعين في إطار تسهيل حركتهم _حسب زعم الاحتلال_ إلى أراضيهم الواقعة خلف الجدار وأسيجة المستوطنات الأمنية؛ ومن المقرر أن يسمح لهم بالدخول في مطلع الشهر الجاري لقطف ثمار الزيتون.
وتحدث عددٌ من المزارعين عن الأذى المعنوي الذي يلحق بهم جراء هذه المسميات لأراضيهم التاريخية لفلسطين؛ فقرية "كفر قدوم" مثلًا تعاني من إغلاق الاحتلال لمدخلها الرئيس حماية للمستوطنين منذ عام 2000م؛ إذ ارتبطت مواعيد قطف الزيتون بأحياء المستوطنة الكبيرة الممتدة شمالًا وشرقًا.
يقول المزارع عبدالله برهم: "نضطر للحصول على تصاريح دخول لعدة أيام لقطف ثمار الزيتون؛ والتصريح يحمل اسم بوابة أو حي ما في المستوطنة، أي أن الفلسطيني أصبحت حركته مرهونة بهذا التصريح وكي يتسنى له الدخول إلى أرضه كسائحٍ لعدة أيام فقط، ماذا نفعل؟ قدرنا أن نعيش في بحرٍ من الألم والعذاب".
أما في "قرية أماتين" الواقعة شرق قلقيلية والتي لا تبعد كثيرًا عن كفر قدوم، فقد ارتبط دخول المزارعين إلى أرضهم باسم مستوطنة جفعات جلعاد نسبة إلى أحد أبناء المستوطنين، حيث قُتل جلعاد في انتفاضة الأقصى عام 2003م في كمينٍ لمقاومين بالقرب من مفترق طريق مستوطنة "يتسهار".
يقول الحاج فوزي غانم "70 عامًا" من قرية أماتين الذي استرد أرضه بقرار من محكمة الاحتلال بعد صراع مع المستوطنين منذ عام 1991م: "أراضينا بالقرب من المستوطنات المسماة بــ"جفعات جلعاد"، ندخلها بتصريح يحمل اسمها، بينما الاسم التاريخي للأرض في المنطقة ضاع، أي أن الاحتلال يجسد أسماء المستوطنات ويضطرنا للتعامل مع هذا الواقع حتى نجني ثمار الزيتون؛ لكن أراضينا وأشجارنا المعزولة تبقى قائمة وفي حماية الله على أمل العودة إليها دون بواباتٍ وتصاريح أمنية وأسيجة".
ويستذكر هذا الحاج الأيام الخوالي التي كانت دون قيود ويقول: "كنا نذهب إلى الأرض يوميًا كي نعمل؛ ولا نخشى أحدًا، أما اليوم فكل شيء صار مقيدًا؛ إذ يسمح لنا بدخول الأرض عدة أيام في العام قبل حلول وقت الشتاء لحراثتها، وعند قطف الثمار، وهذا يشعرنا كم أننا غرباء فيها، بينما المستوطن يتحرك بسهولةٍ وفي ظل حماية متواصلة".
ليس ألمًا واحدًا الذي ينتاب المزارعين بل اثنيْن؛ الأول هو أن "التصريح" يحمل دائمًا اسم المستوطنة؛ والثاني _وفق الحاج فوزي غانم_ "ألم الخوف من الاعتداء علينا من المستوطنين المسلحين" ، لا سيما أن حوادث عدة تعرض فيها المزارعون إلى الاعتداء وهم يقطفون ثمار الزيتون بالرغم من حصولهم على التصاريح اللازمة".
وفي القرى الجنوبية لمدينة قلقيلية ارتبط التصريح الأمني بمستوطنة "شعاريات تكفا" وغيرها من المستوطنات.
وعن ذلك يقول المزارع بنان عمر: "لم تعد أسماء المناطق الفلسطينية قائمة بالنسبة للاحتلال، فكل وثيقة تصدر سواء كانت تصريحا أو خارطة للمنطقة تحمل اسم المستوطنة "شعاريات تكفا"، والاحتلال يسعى من وراء ذلك إلى أن يحرمنا تراثنا، وأن يُجسد اسم المستوطنات على الأرض، ومع الأسف أننا أصبحنا نتداول هذه الأسماء عند تحركنا نحو البوابات".
ويعقب الناشط محمد زيد بالقول: "الخطورة في هذا الإجراء الإسرائيلي يكمن في تداول "الجيل الجديد" من أبناء المزارعين لمسميات المستوطنات تلك، وأن يرتبط العقل الباطن بها، ذلك أن الاحتلال يسعى لأن تكون المستوطنات عنوانًا رئيسًا للفلسطينيين في مواسمهم الزراعية وعلى طرقاتهم".
ويرى أن الاستيطان في الضفة الغربية يأخذ اتجاهًا آخر غير "مصادرة الأرض"؛ متجهًا نحو مصادرة التراث والتاريخ والجغرافيا، وهنا تكمن الخطورة المضاعفة في أن يدخل الاستيطان في تفاصيل أعمق من حياة الفلسطينيين.
المصدر: فلسطين اون لاين