13 ابريل 2021 . الساعة 12:45
القدس المحتلة - خـاص صفا
أعادت عملية تسريب ثلاث بنايات سكنية وقطعة أرض في الحارة الوسطى ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، من سماسرة فلسطينيين، لجمعية "عطيريت كوهانيم" الاستيطانية، القضية الشائكة والحساسة إلى الواجهة من جديد، وسط اتهامات للسلطة الفلسطينية بالتقصير في مواجهة جريمة التسريب وردع المتورطين ومحاسبتهم.
ولم تكن هذه القضية الأولى من نوعها، بل شهدت القدس على مدار سنوات ماضية، عشرات عمليات التسريب لعقارات سكنية وتجارية تعود ملكيتها لعائلات فلسطينية، تمت بطرق ملتوية ووهمية، وعبر خداع أصحاب العقارات بأنها ستستثمر لصالح مشاريع خيرية أو تجارية لمستثمرين ورجال أعمال فلسطينيين، أو بدعوى تطويرها وحمايتها من الاحتلال.
وتثير عمليات تسريب العقارات حالة من الصدمة والغضب الشديدين في صفوف المقدسيين، وتدق ناقوس الخطر إزاء ما تواجهه المدينة المحتلة من عمليات تهويد وتسريب، تجرى "تحت سمع وبصر السلطة وأجهزتها الأمنية".
وتحاول الجمعيات الاستيطانية بدعم من حكومة الاحتلال الاستيلاء على العقارات، وتتبع عدة طرق ملتوية لتحقيق ذلك، منها الادّعاء "أنها أملاك يهودية قديمة"، أو عن طريق "حارس أملاك الغائبين"، أو "عملية البيع والشراء من بعض النفوس الضعيفة".
وتعمل نحو 600 شركة إسرائيلية، وفق مصادر عبرية، منذ سنوات كأذرع استيطانية، تهدف من خلال ادّعاء مشاريع وهمية للاستيلاء على أراضي وعقارات الفلسطينيين، وتظهر بمظهر شركات عقارية عربية تعمل على شراء تلك العقارات، ثم بعد ذلك تعيد تزوير ملكيتها لصالح المستوطنين.
ويرى مراقبون ومختصون بشؤون القدس أن "تقاعس السلطة وعدم قيامها بدورها المنوط بها، واتخاذها أي إجراءات عقابية بحق المسربين والبائعين للعقارات، شجع مثل هؤلاء من المنتفعين والمجردين من قيمهم الوطنية والأخلاقية والدينية على الاستمرار في عمليات بيع وتسريب الأراضي والعقارات المقدسية".
وقبل عدة أيام، كشف مدير مركز معلومات وادي حلوة في بلدة سلوان جواد صيام في تصريحات إذاعية، عن وجود مرشحين على قوائم انتخابية للمجلس التشريعي متورّطين في عملية تسريب عقارات سلوان إلى جمعيات استيطانية.
وقال إنّ "هناك بعض الشخصيات المتورطة موجودة على قوائم انتخابية متنفّذة في الوقت الحالي، وتحاول تجنيد منازل من أجل تسريبها للجمعيات الاستيطانية".
قضية شائكة
المختص في شؤون القدس خالد زبارقة يقول لوكالة "صفا" إن تسريب العقارات المقدسية قضية شائكة ومؤلمة لكل حر في العالم، نظرًا لأن "إسرائيل" تبذل كل جهدها لأجل السيطرة على القدس بعدة طرق.
ويضيف "أعتقد أن هناك شخصيات رسمية فلسطينية متخفية تقف خلف عمليات تسريب العقارات لا تريد الظهور في المشهد، لذلك لابد من البحث عنها، وكشف دورها في عمليات التسريب".
ويتساءل زبارقة "عن آلية وطريقة تسريب العقارات، وعن الشخصيات المشاركة فيها، وعن حركة الأموال من أين دخلت وكيف صُرفت؟، ولماذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية لمنع عمليات التسريب؟"، مطالبًا السلطة بالإجابة على هذه الأسئلة، ومراجعة أجهزتها الأمنية العاملة في القدس.
ويتابع "هناك عدة جهات فلسطينية تتحمل المسؤولية الكاملة عن جريمة التسريب، لسكوتها على عمليات التسريب السابقة، وعدم محاسبتها أي من الأشخاص المتورطين في ذلك".
"كل من ساعد في إنجاز صفقات البيع والتسريب، ووفر الأوراق الثبوتية، وساهم في إتمام العقد يتحمل المسؤولية، ويجب على السلطة وأجهزتها الأمنية التي تمتلك المعلومات حيال تلك القضية أن تقوم بمحاسبة كل المتورطين"، يقول زبارقة
وأخطر ما في عمليات التسريب-يؤكد المحامي زبارقة-أنها تؤثر على هوية القدس الإسلامية، باعتبارها ذات طابع مقدس له أهمية دينية وعقائدية وتراثية وحضارية لدى المسلمين، وأن التلاعب والعبث بالعقارات والأراضي الوقفية وتسريبها يشكل "خيانة وطنية".
ومن ناحية قانونية، يشير المحامي إلى أن القانون الفلسطيني يُجرم تسريب العقارات، لكن القضاء الإسرائيلي يسعى بكل ما أوتي من قوة لتشجيع عملية البيع والشراء.
ويؤكد ضرورة حماية النسيج الاجتماعي في القدس، وحصانة الشعب الفلسطيني من الانزلاق وراء مثل هذه الأعمال، والتحرك على المستوى الدولي لإدانة عمليات التسريب، والعمل على منع حدوثها.
تداعيات خطيرة
أما الكتاب والمحلل السياسي راسم عبيدات، فيقول لوكالة "صفا" إن تسريب العقارات في القدس، وتحديدًا بسلوان يتم من أشخاص تجردوا من كل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية، في إطار محاولة السيطرة على البلدة.
ويوضح أن 44 عقارًا جرى تسريبها في البلدة القديمة وسلوان منذ العام 2014 حتى عام 2018، لصالح الجمعيات الاستيطانية، من بينها 36 عقارًا في سلوان وحدها.
وبحسبه، فإن الاحتلال يسعى من وراء تسريب العقارات، إلى ضرب النسيج الاجتماعي والوطني في القدس، وإظهار المقدسيين وكأنهم يبيعون أراضيهم وعقاراتهم مقابل المال، "وهذه ظاهرة خطيرة جدًا، لها تداعيات نفسية واجتماعية على المجتمع المقدسي".
وينتقد عبيدات دور السلطة وأجهزتها الأمنية إزاء منع عمليات التسريب وعدم ملاحقة المتورطين فيها، لافتًا إلى تشكيل لجان تحقيق في قضايا تسريب العقارات، في عهد رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، لكنها أُغلقت دون أن تعلن نتائجها.
ويشير إلى أن عدم متابعة السلطة لهذه القضية وملاحقة كل شخص قام بالتسريب والبيع للمستوطنين، بالإضافة إلى الحفاظ على العقارات المقدسية أعطى ضوءًا أخضر للاستمرار في تنفيذ مثل هذه الجرائم.
وتستغل الجمعيات الاستيطانية أية ثغرات بتسجيلات الأراضي والعقارات المقدسية في "الطابو" لتبدأ عملية الابتزاز والإغراءات بالأموال التي قد تصل لعشرة أضعاف سعر العقار الفعلي.
طرق ملتوية
أما المحامي مدحت ديبة، فينظر بعين الخطورة لأي عملية تسريب تتم في القدس، مشيرًا إلى أن "المسؤول الأول عن تسريب العقار للمستوطنين هو صاحبه".
ويحذر ديبة في حديثة لوكالة "صفا"، أصحاب العقارات من التعاطي مع "السماسرة وأصحاب النفوس الضعيفة والمجردين من الأخلاق والدين لإرغامهم على البيع، وضرورة المحافظة على عقاراتهم، وتسجيلها في "الطابو" حتى لا يتم تسريبها".
ويوضح أن الاحتلال ومستوطنيه يتبعون عدة طرق ملتوية لأجل إرغام بعض المقدسيين على بيع عقاراتهم، منها تقديم الجمعيات الاستيطانية لوائح اتهام ضد من يقومون بالبناء دون ترخيص، للضغط على سلطات الاحتلال لتنفيذ أمر الهدم، "فهنا قد يفكر البعض في بيع العقار لسماسرة فلسطينيين خوفًا من خسارته".
ويضيف أن بيع العقارات تتم أيضًا عبر تزوير الأوراق والمستندات الثبوتية الخاصة بالعقار، أو عبر حجز الجهات الضريبية على العقار، وعرضه للبيع في المزاد العلني.
وبحسبه، فإن هناك شركات إسرائيلية وهمية في الخارج تعمل على شراء عقارات الفلسطينيين في القدس وتحويلها فيما بعد للجمعيات الاستيطانية، وأحيانًا قد يلجأ السماسرة إلى إقامة شركات بأسماء وطنية لأجل استغلال حاجة بعض المقدسيين للمال وبالتالي تحقيق عملية التسريب.
Sent from my iPhone