هوية – لبنان
ياسر قدورة
الاثنين 4/10/2021
هي زيارة خاطفة قام بها فريق عمل هوية إلى بلدة زبقين في جنوب لبنان يوم الجمعة 1/10/2021، ولكننا استطعنا أن نلمس خلال ساعاتها القلائل عمق العلاقة التي تربط عدداً كبيراً من بيوت وعائلات زبقين بفلسطين وتحديداً مدينة الناصرة والقرى المحيطة بها، وقد كانت عائلة بزيع مدخل الزيارة وعنوانها.
من بين الوثائق التي تعاملنا معها في (هوية) عام 2019 شهادة هوية فلسطينية لمواطن لبناني هو المرحوم علي نايف بزيع صادرة عام 1947 بحكم إقامته في الناصرة لبضع سنوات في أربعينيات القرن الماضي، وحرصنا على إرسال نسخة عن هذه الوثيقة لأفراد عائلته المقيمين في زبقين عبر وسائل التواصل، وقد وردتنا رسائل شكر على هذا الجهد تعبر عن الامتنان بل الاعتزاز بهذه الشهادة وهذا التاريخ.
في عام 2021 وقعنا على شهادتي هوية مماثلتين تخص كلاً من محمود محمد بزيع وحمد محمد بزيع، صادرتين في ذات السنة (1947)، فارتأينا أن نقوم هذه المرة بمحاولات للتواصل المباشر مع العائلة لإيصال الوثائق لأبناء أو أحفاد أصحابها.
بعد عدة محاولات وأكثر من اتصال، كانت صفحة (أخبار زبقين) مدخلاً سهلاً للوصول إلى غايتنا، فقد جاءنا الرد سريعاً من السيد وسيم بزيع: "حمد محمد بزيع توفي منذ بضع سنوات والحاج محمود على قيد الحياة، وهو خالي".
بعد يومين انطلقنا من مدينة صيدا في زيارة إلى بلدة زبقين بعد التنسيق مع وسيم وجعفر بزيع المتواجد حالياً في البرازيل، وهو ابن الحاج محمود.
كان وسيم في استقبالنا عند باب الدار، ودخلنا إلى منزل الحاج محمود بزيع لنبدأ مع فنجان القهوة والفرحة والسعادة تغمر المكان وأهله، ولا يصعب ملاحظة ذلك مع حفاوة الترحاب وكرم الضيافة.
بداية الحوار مع الحاج محمود كان بوضع شهادة هويته التي تحمل صورته وهو شاب بين يديه، وسؤاله عن صاحب الصورة.. علت ضحكته المصحوبة بتعابير الدهشة والإعجاب: "هذا محمود .. هذا أنا". والحاج قد ناهز من العمر 97 عاماً ولكنه كتلة من النشاط وذاكرته قوية بل حادة.
دقائق وحضر الحفيد يوسف بزيع وشاركنا الحديث لنلحظ أنه مثل وسيم وكل من التقيناهم من العائلة، يحفظون معظم ما يتحدث به الحاج محمود، أي أن السنوات التي قضاها الحاج محمود في الناصرة وما صاحبها من أحداث لم تكن حبيسة في ذهنه أو ذاكرته ولكنه نثرها وأورثها لأبنائه وأحفاده، تماماً كما فعلت العائلات الفلسطينية في الشتات.
انتقلنا مع الحاج محمود ووسيم ويوسف إلى مشارف الوادي في زبقين، وانضمّ إلينا محمد ابن الحاج محمود وهناك عرّفونا على التلال والقرى المحيطة وعن الطرق التي توصل إلى فلسطين التي لا تبعد أكثر من 7 كيلومترات عن موقعنا. ومن هناك كان الحاج يشير بأصبعه إلى موقع قرية الزيب الفلسطينية ويقول لدينا في زبقين مقولة شعبية: (برق الزيب ما بيخيب)، أي إذا أبرقت السماء من جهة الزيب فالشتاء واقع لا محالة.
بعدما أنجزنا اللقاء المصور معه، توجهنا جميعاً إلى ضريح أخيه المرحوم حمد محمد بزيع، ووضعنا صورة وثيقته عند شاهد القبر وقرأنا له الفاتحة، وقبل المغادرة أصر الحاج محمود على المرور بأضرحة شهداء زبقين فهم قد "استشهدوا من أجل فلسطين" وهكذا فعلنا.
في الطريق توقف الحفيد يوسف عند منزل المرحوم علي نايف بزيع، الذي أرسلنا وثيقته عام 2019، لنلقي التحية على التحية على أهله عند الباب. هناك التقينا ابنته ليلى التي رحبت وفرحت وبكت ورفضت أن نتحرك قبل أن ندخل بيت المرحوم. دخلنا وتعرفنا إلى والدتها الفلسطينية اللبنانية، وجلنا في المنزل الذي تعبق فيه رائحة فلسطين من خلال الصور والوثائق المعلّقة على جدران المنزل، وحضر الابن نبيل الذي أوجز لنا تجربة الوالد في فلسطين ومع الثورة الفلسطينية، غادرنا ومررنا بضريح المرحوم علي بزيع ثم عدنا إلى حيث بدأنا، منزل الحاج محمود وكان صهره المختار الحاج رائف بزيع بانتظارنا. تعددت القصص والحكايات على مائدة الفطور ولكنها كلها كانت تدور حول فلسطين، وإذ تنوعت المداخلات بين الإسلامي واليساري والعلماني ولكنها كانت بروح العائلة الواحدة التي تحب فلسطين وأهلها.
غادرنا زبقين وهناك ما يشدنا للعودة إليها، فهناك بيوت وعائلات أخرى في البلدة لها قصص وحكايات مختلفة مع فلسطين، وهناك جمال الطبيعة في زبقين، وفوق ذلك طيبة أهلها وأصالتهم وحسن استقبالهم.
هوية – زبقين – الرسالة(1)