جبل الزيتون في القدس
منذ مطلع هذا العام، كثفت سلطات الاحتلال وأذرعها الاستيطانية هجماتها التهويدية الشرسة في مدينة القدس المحتلة، بهدف فرض أمر واقع جديد، يغير طابع المدينة وهويتها الحضارية العربية الإسلامية، ضمن مساعيها لحسم أمر القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال.
يوم الأربعاء الماضي، أعلنت بلدية الاحتلال في القدس، أنه تم الاتفاق بين وزير القدس والإسكان والتراث الإسرائيلي زئيف إلكين، ورئيس بلدية الاحتلال موشيه ليون، على إقامة مركز تهويدي ضخم على أجزاء من جبل الزيتون، أعلى المقبرة اليهودية في حي الطور شرقي المدينة، كجزء من قرار سلطات الاحتلال تطوير ما يسمى بـ(الحوض المقدس).
مرافق المشروع التهويدي
ووفق المخطط سيضم المشروع: "مركزا للزوار اليهود"، كنيسًا يستوعب الأعداد الكبيرة قبل دفن الموتى، معهدا لأبحاث المقابر، مركزا للتدريب والمكتبات، محلات بيع التذكارات، صالة عرض المقبرة، قاعة للمحاضرات ورسم الخرائط، مكاتب يهودية، ومركزا أمنيًّا لحماية هذه المباني والمقبرة اليهودية، بميزانية مفتوحة بملايين الشواكل.
وسيحتوي "مركز الزوار اليهود" على مركز معلومات حول عشرات الآلاف من اليهود المدفونين في المقبرة اليهودية (غالبيتها قبور وهمية) بجبل الزيتون، علمًا بأنها أراضي وقف إسلامي خالص استُأجرت في عام 1897 لمدة 99 سنة، وقد انتهت فترة الإيجار منذ عشرات السنوات.
وقالت بلدية الاحتلال في بيان مقتضب مع صورة للحفل "يقف خلف هذا الاتفاق والمشروع الكبير في شرقي القدس الوزير إلكين، ورئيس البلدية، ونشطاء من اللجنة الدولية لحماية جبل الزيتون (منظمة يهودية مقرها ولاية نيويورك الأمريكية) برئاسة الأخوين أفراهام ومناحيم لوبنسكي اللذين قالا: كنا نحلم في هذا المشروع منذ 10 سنوات على هذه المكان التاريخي العظيم".
وزعمت بلدية الاحتلال أنه في السنوات الأخيرة، بدأ كل من الوزير إلكين ورئيس البلدية بدفع هذا المشروع الكبير من أجل بناء مركز الزوار، ورأوا أنه يمثل قيمة عليا مهمة للقدس عامة وجبل الزيتون خاصة، بحكم الموقع الاستراتيجي المشرف والمكان الذي يعد ذخرا يمكن استغلاله لتعزيز الوجود اليهودي في شرق المدينة قرب المقبرة اليهودية.
محاولة لتزوير التاريخ
في حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" قال الباحث في شؤون القدس، فخري أبو دياب: "هذا المشروع التهويدي سيقام في الجهة الغربية لجبل الزيتون المطل على المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة"، مؤكدًا أن هذه الأرض هي أرض وقفية تابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وأن أغلب القبور الموجودة في المقبرة اليهودية هي قبور وهمية".
ويضيف: هذا الموقع مطل مباشرة على المسجد الأقصى، وبالتالي سيراقبون المسجد وكل ما يجري في ساحاته، ومن خلاله سيشرفون على المخططات التهويدية التي تستهدف المسجد، ومن خلال مركز الأبحاث سيعملون على تزييف التاريخ، وترويج الروايات الكاذبة عن مدينة القدس عمومًا، ومنطقة جبل الزيتون خصوصًا.
أما المركز الأمني، فهو بغرض فرض السيطرة، ومراقبة كل الأحياء المقدسية المحيطة بدقة، بالإضافة لإشعار المستوطنين أنهم في مكان آمن عند وصولهم للمنطقة.
ويتابع: هي محاولة لجلب المزيد من المستوطنين إلى هذه المنطقة، من خلال حضورهم العروض التي ستقام في قاعة العرض، أو زيارتهم لمركز الأبحاث، فهذا مشروع تهويدي استيطاني بغلاف ثقافي تاريخي مزيف، وهو جزء من محاولة بسط الاحتلال سيطرته على القدس ومحيط المسجد الأقصى.
تشويه معالم الأقصى
ويواصل الباحث المختص في شؤن القدس: "سيغلق الأفق في محيط المسجد الأقصى لتشويه المعالم، ففي هذه المنطقة منحدرات جبل الزيتون باتجاه المسجد الأقصى، يوجد أديرة ومعالم تاريخية تدلل على هوية القدس الحقيقية إن كانت عربية مسيحية أو إسلامية، فالاحتلال يريد تشويه هذه المعالم، ووضع بصمات يهودية في هذه المنطقة للادعاء بأنه كان لهم فيها ماضٍ وحضارة".
وعن مشروع (الحوض المقدس) التهويدي يقول أبو دياب: يبدأ مشروع (الحوض المقدس) من حي الشيخ جراح شمالي البلدة القديمة، سلوان جنوبي المسجد الأقصى بما في ذلك البلدة القديمة، وأضيف له ما سمي بالـ(حدائق الوطنية) في محيط البلدة القديمة، وهي جبل الزيتون، فالاحتلال يدعي أنه كان في هذه المنطقة قبل 3 آلاف عام، أي عند بداية دولة اليهود الأولى ومملكة داود، ولذلك هم يحاولون إثبات أحقية يهود في هذه المنطقة من خلال المشروع التهويدي المسمى (الحوض المقدس) وهو ما لم يثبت لا علميًّا ولا تاريخيًّا ولا من خلال الحفريات التي نفذوها، ولكنهم يزورن التاريخ، مدعين أن هذه المنطقة كانت تشكل الخاصرة الشرقية لما يسمى (الحوض المقدس) فهم يحاولون إعادة صياغة التاريخ بالطريقة التي تتلاءم مع رواياتهم التلمودية.
وأكد أبو دياب أن سلطات الاحتلال ومنذ بداية هذا العام، تعمل بدأب على فرض وقائع تهويدية على الأرض، ومحو كل ما هو عربي وإسلامي، من أجل حسم موضوع القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، مستغلًا انصراف اهتمام العالم بالحرب في أوكرانيا، كما وجد الاحتلال في هذه الأيام، وخاصة مع موجة التطبيع العربي، فرصة سانحة لسلخ القدس عن إرثها وحضارتها العربية والإسلامية وتزوير التاريخ فيها.
فجور وكذب وتزوير
أما الباحث المختص في شؤون وعمارة القدس، الدكتور جمال عمرو، فقد أكد أنه "في عام 1897 استأجر اليهود ثلاثة دونمات لدفن موتاهم بجوار الكنيسة الجثمانية بعقد إيجار مدته 99 سنة، وفي عام 1997 انتهى عقد الإيجار، والمفروض أن هذه الـ3 دونمات لا تتحول لأكثر من 250 دونما، وهذا منتهى الفجور والكذب والتزييف والعدوان على أملاك المسلمين، بأن جبلا بأكمله وهو وقف إسلامي يتحول إلى قبور معظمها وهمي، وبعضها له رمزية خاصة، إذ وضعوا فيها مناحين بيغن، وبعض الحاخامات".
ويضيف: "المقبرة عنوان ظلم اليهود أحياءً وأمواتًا، ومقبرة مأمن الله عنوان إجرام اليهود أحياءً وأمواتًا، وهي المقبرة الإسلامية الأكبر في فلسطين كلها، إذ تبلغ مساحتها 200 دونم، لكنهم جرفوها، ولم يبقوا منها إلا 10 دونمات أي 5٪ فقط، ثم جاءوا وبنوا متحف التسامح فوق الـ10 دونمات التي بقيت من المقبرة، هؤلاء ليسوا بشر، وإنما وحوش على هيئة بشر، وحوش بشرية مجرمة".
ويتابع عمرو: نحن نعرف أخلاق اليهود، والعالم كله بدأ يستفيق الآن، ولن يستطيعوا أن يستمروا في الكذب للأبد، و"امنستي انترناشونال" والتي تضم في عضويتها 10 مليون عضو قالت لهم: أنتم تعاملون الفلسطينيين بعنصرية وفاشية ودونية "دونية يعني أدنى من جنس البشر".
محاولات استدراكية
ويواصل: عند انتهاء مدة عقد الإيجار عام 1997 (العقد موجود في الأوقاف الإسلامية) واليهود يعرفونه جيدًا، "قدمنا مشروعا ضخما اسمه القدس للضيافة والإرشاد، وكان الهدف من هذا المشروع أن نستقبل ونرشد كل زوار مدينة القدس ومحبيها وحجاجها مسيحيين ومسلمين".
واستدرك: "لكن بلدية الاحتلال عودتنا أن تكون بالمرصاد لأي مشروع عربي، وتمنعه منعًا باتًّا، وترفض منح التراخيص اللازمة، مع العلم أن الأرض التي اخترناها للمشروع بجوار كنيسة الجثمانية هي أرض وقف إسلامي لآل الأنصاري، مساحتها 30 دونما، وهي أجمل مكان لهذا المشروع، لكن رفض بلدية الاحتلال كان صارخًا جدًّا وعدوانيًّا، الآن هم نفسهم جاءوا بنفس الفكرة وفي نفس المنطقة ليكون مشروعًا صهيونيًّا، وهو أكبر دليل على عنصرية الاحتلال".
وبيَّن أستاذ الهندسة في جامعة بيرزيت: أنَّ "الصهاينة يطبقون أطواقًا حول المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وهي بمنزلة حبل المشنقة، وهي 3 أطواق، وأينما وجدوا فراغا بسيطا يغلقونه، وقد سرقوا الرمزية، فمن شارع صلاح الدين سلبوا البريد، ومن حي الشيخ جراح سرقوا بعض المنازل، وما زالوا مستمرين في العمل على سرقة ما تبقى.
وأضاف: "في جبل المكبر أيضا أقاموا كلية عسكرية ومستوطنة تل بيوت، هم أينما وجدوا شيئا رمزيًّا تاريخيًّا إسلاميًّا يطبقون عليه النظرية التي كانت مع بداية المشروع الصهيوني، فقد كانوا يقولون: "إذا قامت إسرائيل، وكنت لا تزال على قيد الحياة، لا تترك فيها أثرًا لغير اليهود".
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام