محمود شقير.. الذاكرة سلاح فلسطيني ضد الاحتلال
محمود شقير: توثيق الحياة اليومية للفلسطينيين لازم وضروري والركون للحقائق المجردة وحده لا يكفي في الصراع مع الاحتلال (الجزيرة)
4/3/2016
حاوره: هيثم حسين
يسعى الفلسطيني محمود شقير في أعماله للمحافظة على الذاكرة الفلسطينية بوصفها سلاحاً في مواجهة الصهاينة الساعين إلى الهيمنة على المكان وتبديد هوية أبنائه، ويؤكد شقير أنه يلجأ إلى التوثيق في أعماله، لأن الفلسطينيين تعرضوا -وما زالوا- لأكبر عملية تزوير في التاريخ.
محمود شقير من مواليد جبل المكبّر بالقدس (1941)، متعدد الاهتمامات، ينوع في كتابته، يكتب القصة والرواية للكبار والفتيان والأطفال، أصدر 45 كتاباً، وكتب ستة مسلسلات تلفزيونية طويلة، وأربع مسرحيات، من أعماله: "مدن فاتنة وهواء طائش"، مرايا الغياب.. يوميات الحزن والسياسة"، "القدس وحدها هناك"، "مدينة الخسارات والرغبة"، "باحة صغيرة لأحزان المساء"، "احتمالات طفيفة"، "فرس العائلة".
شقير الذي تنقل بين عدة مدن في الشرق والغرب خلال رحلة حياته الثرية، كبيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حالياً في مدينة القدس، حاز جائزة محمود درويش للحرية والإبداع 2011، كما تُرجمت قصصه إلى عدة لغات منها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والصينية، والمنغولية، والتشيكية.
اختيرت روايته "مديح لنساء العائلة" ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية في دورتها الحالية 2016، وبهذه المناسبة أجرت الجزيرة نت معه الحوار التالي:
تحفر في روايتك "مديح لنساء العائلة" في تاريخ القدس الحديث، هل يأتي ذلك في سياق السعي للمحافظة على ذاكرة المكان وهوية أبنائه والتشبث بها؟
كنت مَعنياً وأنا أكتب هذه الرواية بإضاءة منطقة في التجربة الفلسطينية كانت طوال الوقت في الظل، هي حياة البدو واشتباكهم مع الحداثة والغزاة في آن واحد، وضمن هذا السياق كانت المحافظة على ذاكرة المكان واحدة من ركائز هذه الرواية، باعتبار الهيمنة على المكان تشكل جوهر الصراع مع الغزوة الصهيونية.
وأثناء ذلك، تعرضت الهوية الفلسطينية لمحاولات التبديد والتذويب، إلا أن تمسك الفلسطينيين بأرضهم، وبانتمائهم لوطنهم، أسهم في إبقاء الهوية عصية على كل المحاولات، بل إنها ازدادت غنى بالنظر إلى انفتاحها على ثقافات الشعوب من دون تعصب أو انغلاق.
بطل روايتك "منّان عبد اللات" يمثل مع نسائه رمزاً لشريحة من فلسطينيي الداخل والخارج، توثق عبرهم يوميات القدس والتغييرات الطارئة عليها، إلى أي حد يكون التوثيق سلاح الفلسطيني في صراعه مع المحتل؟
نحن الفلسطينيين في أمس الحاجة إلى هذا التوثيق، لأننا تعرضنا -وما زلنا- لأكبر عملية تزوير في التاريخ، تتمحور حول إنكار وجودنا في أرضنا، واختلاق تاريخ آخر ووقائع ملفقة تبرر الغزو والعدوان، اعتماداً على الأسطورة وعدّها مصدراً للتاريخ، واستناداً إلى منطق القوة الذي يحاول عبثاً إملاء شروطه علينا.
من هنا، يصبح توثيق الحياة اليومية للفلسطينيين لازماً وضرورياً، لأن الركون إلى الحقائق المجردة وحده لا يكفي في ظل هذا الصراع الضاري، حيث تصبح حركة الناس في المكان جزءاً من هذا المكان، وتعبيراً عن جوهره وعن هويته.
تسعى في روايتك لتأكيد دور الأسرة الفلسطينية، خاصة المرأة التي تظهر مكابرة رغم جراحها، وقوية رغم آلامها وفقدها المتعاقب لأبنائها وإخوتها، كيف ترى دورها بين الأمس واليوم؟
ما دمت أتحدث عن عائلة ممتدة في الرواية، فمن الطبيعي أن أعرض لمظاهر التفكك التي تعتور مسيرة هذه العائلة، بفعل التطور الاجتماعي ومستجدات الحياة، وبالطبع لم أنظر لهذا التفكك بوصفه نقيصة، بالنظر إلى أنه يفضي إلى ظهور الأسرة النووية التي تستجيب لمقتضيات الحياة الحديثة.
مع ذلك، وبالنظر إلى الوضع الخاص للفلسطينيين تحت الاحتلال، فثمة نوع من التكافل الموروث من العائلة الممتدة، يجري الحفاظ عليه، واستمراره لمساندة أفراد العائلة في السراء والضراء.
وما له دلالته أن تضطلع نساء العائلة، خاصة الأم الكبيرة، بدور خلاق في هذا الصدد، بحيث تظل هي الحضن الدافئ للأبناء والأحفاد، ويتضح هذا من سلوك الأم "وضحا" تجاه زوجها وأولادها وبقية أبناء العائلة والعشيرة.
ويجدر التنويه إلى أن نفوذ العائلة الممتدة ما زال له حضوره في حياة الفلسطينيين، بسبب الأوضاع الاستثنائية التي يحيون في ظلها، ولا ننسى أن هذا النفوذ يلعب دوراً سلبياً في بعض الأحيان، خاصة تجاه الحدّ من حرية المرأة والأبناء الشباب.
تنوّع في موضوعاتك وأساليبك في الكتابة، إلى أي حد وظفت هذا التنويع في روايتك، لا سيما أنها تحوي كثيراً من التفاصيل التاريخية، سواء تلك المتعلقة بالقدس وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية، أو تلك المرتبطة بالتغيرات الطارئة على الناس؟
تشكل التفاصيل التاريخية التي تظهر على شكل ومضات في الرواية خلفية لا بد منها لموضعة حياة العائلة، عائلة العبد اللات في سياق تاريخي اجتماعي محدّد، بحيث تكتسب هذه الحياة بعداً رمزياً، يفضي عبر تداخله في الشأن العام إلى أفق أوسع، ويوحي بما هي عليه حياة الفلسطينيين في العصر الحديث.
وللتعبير عن ذلك، وظفت خبرتي في كتابة القصة والقصة القصيرة جداً، وما تعنيه من سرد مكثف واقتصاد لغوي، واستفدت من الموروث الثقافي الشعبي والتراثي ومن كتابة الرسائل بالأسلوب التقليدي المعروف، وتعدد أصوات الساردين للتعبير عن حيوات خاصة في واقع شديد التشابك والتعقيد.
كيف تنظر إلى دور الجوائز في تصدير العمل الإبداعي وتسويقه وتسليط الأضواء عليه، خاصة جائزة "البوكر"؟ وماذا يعني لك اختيار روايتك ضمن القائمة القصيرة؟
لا شك أن للجوائز دوراً لا يستهان به في الترويج للأعمال الإبداعية؛ لذلك لا يمكن أن تمر هذه الجوائز، خاصة جائزة البوكر بما هي عليه من شهرة وانتشار، من دون أن تثير من حولها ملاحظات، بعضها لجهة تثمين الجائزة والإشادة بدورها، وبعضها الآخر لجهة نقدها، وهذا متوقع، ويأتي في إطار الحق في الاختلاف، رغم ما يشتمل عليه بعض النقد من شطط ومغالاة.
سررت حين ظهرت روايتي في القائمة الطويلة، وسررت أكثر حين ظهرت في القائمة القصيرة. في ذلك -كما أعتقد- تقدير من المشرفين على الجائزة لهذه الرواية، وفي ذلك أيضاً تقدير للقدس، مدينتي التي أعيش فيها، ولها حضور أكيد في الرواية، وفيه تقدير لتجربتي في الكتابة التي استمرت على امتداد ما يزيد على خمسين عاماً، وما زالت مستمرة حتى الآن.