فصل في تأريخ العشيرة
لا يستطيع أحدٌ من أبناء العشيرة الأحياء في الوقت الراهن ـ على الأقل ـ أن يجزم بمعرفة أصول العشيرة فوق (زيادة الأول)، على الرغم من أن عمر العشيرة لا يتجاوز مائتين، إلى مائتين وخمسين سنة ـ على أبعد تقدير ـ لأن كثيراً من رجالات العشيرة الذين أدركتهم عاصروا الحرب العالمية الأولى، وشاركوا فيها ضمن جنود الدولة العثمانية، وبعضهم استشهد، والأكثرون أُسروا ـ كما سأبين ذلك بالتفصيل عند أسمائهم ـ ولأن كثيراً منهم عمروا طويلاً بالنسبة لأعمار هذه الأمة، التي أخبر النبي أن أعمارها بين الستين والسبعين، فقال:
«أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك» ولو حسبنا بين كل جيلين نحو أربعين سنة، فلن يتجاوز ذلك أكثر من مائتين وخمسين سنة، أي أن دخول (زيادة الأول) إلى فلسطين ـ لأن الروايات متفقة على أنه دخل فلسطين من شرق الأردن، أو من الجزيرة العربية ـ كان في حدود سنة (1180هـ) أو قبلها بقليل، أو بعدها بقليل.
وقد اختلفوا في تحديد أُخُوَّةِ (فارس) جد عشيرة (أبو فارس)، أو (الفوارسة) ـ كما يطلقون عليهم أحياناً ـ لـ(زيادة) وهي ثابتة متواترة ـ وإن لم يُشِرْ إليها الأستاذ أحمد الكرنز في كتابه «الفالوجة؛ أرض وبطولة» عند حديثه عن عشائر الفالوجة، وأرجع أصول الفوارسة إلى قرية السكرية وهي من قرى بئر السبع، ولم يذكر مستنده في ذلك كأكثر المعلومات التي في كتابه ـ.
واختلفوا في تعيين (زيادة) أخو (فارس)، هل هو (زيادة بن أحمد زيادة)، وبالتالي (فارس بن أحمد بن زيادة)، أم أن (فارس) أخو (زيادة الأول)، ولا يُعرفُ أبوهما، وأنهما دخلا فلسطين سوياً، أو متعاقبين.
ولأن مثل هذا التأريخ غير المكتوب، إنما يؤخذ من الروايات الشفهية، ويرجح بترجيحات وقرائن أغلبها مبني على الظن لا على اليقين، فقد ترجح عندي القول الثاني ـ أخوة فارس وزيادة الأول ـ لتعدد رواته، وللمعرفة الأكيدة بذرية (زيادة الأول)، وهو (أحمد) والد (زيادة الثاني)، ووالد (زيدان الأول)، والذين انبثقت منهما فروع (آل زيادة) منشقة عن فروع (فارس)، ومستقلة باسم (زيادة)، أو (الزيادات) كما يطلقون على أنفسهم، أو يطلقها عليهم غيرهم أحياناً، ولو كان (زيادة الأول) أبوه لما انتسب الفوارسة إلا إلى زيادة الأول.
وقد اختلفَ الذين نقلتُ رواياتهم في أصل (زيادة الأول)، ومن أين قَدِمَ إلى الفالوجة؟! ووجدت بعد جمع الروايات أنها لا تخرج عن احتمالات خمس:
1ـ منهم من زعم أنه قدم من شرق الأردن إلى إحدى خرب (دورا) ـ وهي قرية من قرى جبل الخليل ـ ثم نزل بيت حانون، ثم الفالوجة.
2ـ ومنهم من زعم أنه قدم من شرق الأردن إلى الظاهرية ـ وهي قرية من قرى جبل الخليل أيضاً ـ وله في تلك المنطقة آبار تسمى (آبار زيادة)، وكان صاحب غنم، ومعه حريم، ثم نزل بيت حانون، ثم الفالوجة. وبعض فروع آل زيادة في شرق الأردن كثيرين وبعضهم قد ينتسب إلى الأشراف الحسنيين.
أما قدومه من شرق الأردن فهل كان ابتداءً من شرق الأردن، أم مروراً بها من الجزيرة العربية، كما سنبين بعض هذه الاحتمالات.
3ـ ومنهم من زعم أنه قدم من مصر ـ وهو احتمال بعيد جداً ـ مع أن له شواهد، لانحدار بعض آل زيادة في بعض مناطق مصر من الجزيرة العربية.
4ـ ومنهم من زعم أنه قدم من شمال بلاد الشام؛ من إدلب في سوريا، أو طرابلس في شمال لبنان؟ أو داريا في دمشق الشام، وكلها فيها فروع من آل زيادة، وبعضهم قد ينتسب إلى الأشراف الحسنيين.
5ـ ومنهم من زعم أنه من بعض عائلات آل زيادة النصارى ـ وهم كُثْرٌ
في شمال فلسطين، ووسطها، وبعض مناطق شرق الأردن، وسوريا، ولبنان، وأنه بعد إسلامه هجر عشيرته إلى جنوب فلسطين فراراً بدينه. وهذا أبعد الاحتمالات، وقد جعلته آخرها، ولم أسمعه إلا من شخص واحد، وقاله لي على سبيل المزاح، ولكن لم أهمله لأنني أكتب تاريخاً، الأمانة فيه تقتضي أن اكتب كل شيء.
وأرجع الأستاذ أحمد محمد الكرنز من أبناء الفالوجة أصل العشيرة إلى ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، ولم يذكر مصدره، ولعله نقله عن بعض أبناء وكبراء عشيرته، أو بعض أبناء وكبراء الفالوجة.
ووجدت بعد البحث فعلاً أن من المنحدرين من سلالة الحسن ـ ويقال من سلالة الحسين ـ بن علي رضي الله عنهم:
عشائر (الشوليين) من الشوبك، ومنهم البدور، نسبة إلى (بدر) من أبناء ملحام بن خليفة، بن نول، بن (منصور الأعمى)، بن (عز الدين أبو حمرا)، بن إسماعيل (الصالح الأخضر)، بن السيد علي (السلطان)، بن السيد يحيى، بن السيد ثابت، بن السيد علي (الحازم أبو الفوارس)، بن السيد أحمد (المرتضى)، بن السيد علي (المكي المغربي الأشبيلي)، بن السيد رفاعة الحسن، بن السيد محمد (مهدي المكي)، بن السيد محمد (أبو القاسم)، بن السيد الحسن القاسم (رئيس بغداد)، بن السيد الحسين (المحدث)، بن السيد أحمد (الأكبر)، بن السيد موسى (الثاني أبوسبحة)، بن إبراهيم (المرتضى الأصغر)، بن سيدنا موسى (الكاظم)، بن سيدنا جعفر (الصادق)، بن سيدنا محمد (الباقر)، بن سيدنا علي (زين العابدين)، ابن سيدنا الحسين (السبط الشهيد)، بن سيدنا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.
وذكر المؤرخ أبو الهدى الصيادي نسب عز الدين أبو حمرا إلى أنه من الحسنيين (أبناء الحسن بن علي) عليهما السلام.
وأكد كذلك محمد فاخر فخر الدين بأن عز الدين، ونعيم، وفرج أبناء أحمد بن إسماعيل الصالح من الحسينية.
وسواء كان الشوليون ـ ومنهم البدور ـ من الحسنيين، أو الحسينيين فآل زيادة فرع من البدور: نسبة لجدهم بدر بن ملحام، وفروعهم في عشيرة البدور أربعة فروع هي:
آل زيادة وجدهم يدعى موسى وهم:
1ـ عيال حسن .
2ـ عيال محمد.
3ـ آل السهيمات وجدهم سليمان بن زيادة.
4ـ آل سالم وجدهم سليمان بن زيادة)
وقد أرجع الباحث والمؤرخ مصطفى مراد الدباغ في كتابه «بلادنا فلسطين» أصول عشائر حارة (المطرية) في الفالوجة ـ وعشيرة (زيادة) من عشائر تلك الحارة ـ إلى المطيرات من بني صخر، ولكنه لم يورد مصدره في ذلك، ولعله اشتبه عليه الاسم بين مطيرات بني صخر، وقبيلة مطير في نجد.
ولعل احتمال انتمائهم إلى قبيلة مطير، ومساكنهم الزلفي، وهي محافظة معروفة من المملكة العربية السعودية اليوم، وتقع بين محافظتي المجمعة، والغاط، ومنطقة القصيم من بلاد نجد،وهذا رابط ينبئكم عن موقع الزلفي:
وهناك روابط عديدة تثبت نسب آل زيادة ضمن قبيلة مطير المتحضرين في الزلفي، وأنها من العشائر الأصيلة فيها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
وهذا يؤيد زَعْمَ من زَعَمَ أن (زيادة) قدم من الجزيرة العربية إلى شرق الأردن، ثم إلى دورا الخليل، أو الظاهرية، ثم إلى بيت حانون، ثم إلى الفالوجة.
ويرجع البعض أصول عشائر حارة المطرية إلى حي المطرية في القاهرة في
جمهورية مصر العربية، وقد وجدت بعض من ينتسب إلى آل زيادة في بعض بلدان مصر؛ كالمنصورة، وأسيوط، وعين شمس، ودمياط، والحسينية في الشرقية، والمنوفية، ودسوق، وكفر السياه.
وعلى كل حال فأنا أستبعد هذا الاحتمال الأخير، وأقف متردداً حائراً أمام الاحتمالين الأولين، وإن كنت أرجح الأول، وهو انحدارهم من آل الحسن ابن علي رضي الله عنه لعدة أسباب منها:
1ـ أن الأستاذ أحمد محمد الكرنز لا بد وأنه نقل ذلك عن بعض كبراء عشيرته وهم ينحدرون من سلالة الحسن بن علي أيضاً.
2ـ أن يكون الأستاذ أحمد محمد الكرنز نقل هذا عن بعض عشائر الفالوجة الآخرين مثل أولاد أحمد، أو أولاد عيسى الحسينيين.
3ـ أن (زيادة الأول) قدم من شرق الأردن، من آل زيادة من البدور الشوليين في الشوبك، في شرق الأردن، وهم ينحدرون من سلالة الحسن بن علي أيضاً، وهذه الرواية تتفق مع رواية قدوم (زيادة الأول) من شرق الأردن.
وعلى كل حال فأنا لا أقطع بانتساب (آل زيادة) لآل الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ نسباً قطعياً ـ مع أنه مثبت في روايات بعض من نقلت عنهم، وفي كتاب الأستاذ أحمد محمد الكرنز «الفالوجة، أرض وبطولة» ـ خوفاً من الوقوع في وعيد من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه كما تواتر من قوله × عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم مثل قوله :
«ليس من رجل ادعى لغير أبيه ـ وهو يعلمه ـ إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ معقده من النار». وفي قوله:
«إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تره، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل». وفي قوله×:
«من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام». وفي قوله :
«من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ». وفي قوله :
«..ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا». وفي قوله :
«من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة». وفي قوله :
«..ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة..» وفي قوله :
«..ومن أدعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى مواليه رغبة منه عنهم فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا..» . وفي قوله :
«من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين». وفي قوله ×:
«إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من
أبيه وَزَنَّى أمه». وفي قوله :
«..من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام..»
ولا أنفي عنهم هذا النسب خوفاً من الوقوع في وعيد من طعن في نسب ثابت كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله:
«اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت» .
ومع علمي القطعي أن العبرة برحمة الله أولاً، ثم بالأعمال الصالحة ثانياً، وليس بالأنساب، لقوله ×:
«ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» .
إلا أن معرفة الأنساب، والحرص على إثباتها، وتوثيقها سنة نبوية، كما بينا بعض أدلته في المقدمة، عن نبين، ومنهجاً سلفياً حرص عليه أصحابه رضي الله عنهم، ثم أتباعهم، ثم سائر المسلمين على مر العصور والأزمنة.
([1]) (حسن صحيح) رواه الترمذي (3550) ـ واللفظ له ـ وابن ماجه (423) ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن أبي هريرة، وحسنه وصححه شيخنا فيهما.
([2]) الكرنز، أحمد محمد، «الفالوجة؛ أرض وبطولة»، مطبعة الشعب، إربد، الطبعة الأولى، سنة 1994م، (ص:117 و122).
([3]) الكرنز، أحمد محمد، «الفالوجة؛ أرض وبطولة»، مصدر سابق
([5]) الدباغ، مصطفى مراد، «بلادنا فلسطين»، دار الهدى، كفر قرع، فلسطين المحتلة طبعة جديدة، سنة 2003م، الجزء الأول، القسم الثاني، (ج1/ب/ص: 225).
([6]) http://zulfiedu.gov.sa/vb/showthread.php?t=1079
([7]) http://www.mutairnet.net/Ansab/Hadr.htm
([9]) رواه البخاري (3317) ـ واللفظ له ـ ومسلم (61) ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن أبي ذر، وعند مسلم ـ وغيره ـ زيادات أخرى، وإنما أردت الشاهد.
([10]) رواه البخاري (3318) عن واثلة بن الأسقع
([11]) رواه البخاري (4071) ـ واللفظ له ـ ومسلم (63) ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن أبي بكرة، وعند مسلم ـ وغيره ـ زيادات أخرى، وإنما أردت الشاهد أيضاً.
([12]) رواه مسلم (1370) عن علي بن أبي طالب.
([13]) رواه البخاري (4071) عن سعد بن أبي وقاص، وهو شاهد حديث أبي بكرة، وفي سبب إيراده عند مسلم وغيره قصة انتساب زياد بن أبيه إلى أبي سفيان بن حرب.
([14]) (صحيح) رواه أبو داود (5115) عن أنس بن مالك.
([15]) (صحيح) رواه الترمذي (2120) عن أبي أمامة الباهلي.
([16]) (صحيح) رواه الترمذي (2121) ـ واللفظ له ـ وابن ماجه ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن عمرو بن خارجة.
([17]) (صحيح) رواه ابن ماجه (2609) عن ابن عباس، وصححه شيخنا فيه.
([18]) (صحيح) رواه ابن ماجه (3761) عن ابن عائشة، وصححه شيخنا فيه.
([19]) (ضعيف) رواه ابن ماجه (2611) عن عبد الله بن عمرو بن العاص وضعفه شيخنا فيه.
([20])رواه مسلم (67) وغيره عن أبي هريرة.
([21])رواه مسلم (2699) وغيره عن أبي هريرة.