تقع قرية زكريا شمال غرب الخليل، جنوب الخط الحديد بين القدس والرملة، خلال فترات العهود المتعاقبة على فلسطين كانت تابعة للقدس، والرملة، وسقطت عام 1948 وهي تابعة لمحافظة الخليل.
وعلى ارض زكريا أقامت إسرائيل مستعمرتين هما سيدوت ميخا وكفار زخريا وهما من أهم القواعد النووية الإسرائيلية الان.
ومثل معظم القرى الفلسطينية الأخرى فان تاريخ القرية يعود للعصر الكنعاني، ومن الأحداث التي ارتبطت بالقرية، وقوع معركة أجنادين بين الروم والمسلمين بالقرب منها، والموقع الآن معروف باسم بـ (الجنابتين) وهي خربتان تابعتان لزكريا، وبالقرب من (جنابا) الفوقا يقع مقام (الصالحي) وهو المكان الذي دفن به الصحابة الذين استشهدوا في (أجنادين) التي انتصر فيها الفاتحون الجدد يوم 30 تموز (يوليو) 634م.
وتكتسب أهمية هذه المعركة، من كونها مهدت للنصر الكبير الذي حالف العرب في معركة اليرموك فيما بعد، والتي غيرت وجه منطقة الشرق الأوسط، ووضعت حدا نهائيا للإمبراطورية الرومانية في هذه المنطقة.
وارتبطت بعض المواقع في زكريا بما ورد في الكتاب المقدس، وفي عام 1898م نقب اثاريون أجانب في موقع تل زكريا، وتوصلوا إلى انه أنه موقع لمدينة (ازكاح) القديمة، التي كانت المكان الذي انتصر فيه يشوع على الكنعانيين.
قرية زكريا، كانت من أوائل القرى الفلسطينية التي ظهر فيها التعليم، وانتقل التعليم من الكتاتيب إلى المدرسة الابتدائية في العشرينات من القرن الماضي، وفي أواخر العشرينات كانت المدرسة ابتدائية كاملة ومختلطة.
ومن الأمور التي يفخر بها أهالي زكريا المشتتين الآن أن القرى المجاورة كانت تحضر إلى زكريا لكتابة الرسائل أو فكها أو تحرير عقود الزواج أو حجج البيع والشراء، أو كتابة التعاويذ الدينية، وما زال الناس يتندرون حتى الآن على استخدام أهالي زكريا المبالغ به للغة الفصحى، ولاستخدامهم لحرف الكاف بالفصحى، وليس بالعامية الفلسطينية المعروفة...أهل زكريا كانوا مغرمين باقتناء الكتب مثل تفاسير القرآن، وكتب الطبري وابن مالك، والبخاري، على سبيل المثال، وكانوا يتابعون في الثلاثينيات والأربعينيات مجلتي (الرسالة) و (الثقافة) المصريتين، وهو أمر ربما كان مفاجئا لأهالي قرية فلسطينية صغيرة لا ترى على الخارطة.
كان الأهالي يسمعون أخبار حرب عام 1948 عن طريق الراديو الموجود لدى مختار القرية، وقبل التشريد بقليل أصبح هناك راديو آخر لدى أحمد يونس العيسة، وكان من يريد أن يسمع الأخبار يذهب إلى حيث يضع المختار الراديو في الطابق الثاني من بيته على الشباك المشرف على الجامع، وعادة ما يتم فتح الراديو للناس بعد انتهاء الصلاة.
وأيضا كان الأهالي يتابعون الأخبار عن طريق المجاهدين الذين يذهبون ويعودون أو يمرون من القرية، أو عن طريق الجرائد مثل (الجامعة الإسلامية) و(الدفاع). حيث من كان يأتي من يافا أو من الخليل مثلا يحضر معه الجرائد.
وبعد سقوط مدينتي الرملة واللد في تموز (يوليو) عام 1948 تهددت زكريا مثل عشرات القرى التي تقع في المناطق الجنوبية من فلسطين، و بعد قيام إسرائيل، تعرضت زكريا للقصف المدفعي المباشر في منتصف تشرين أول (اكتوبر) من نفس العام، ولكن لم يحل ذلك من تمسك الأهالي بقريتهم وعدم لجوئهم منها. و استمرت الحياة في القرية وكان مقاتلون منها يقاتلون ضد العصابات الصهيونية في مناطق أخرى ساخنة. وجمعت تبرعات من الأهالي وتم شراء بنادق للدفاع عن القرية.
ولكن حسب بعض الرواة أن أخبار استشهاد مقاتلين من القرية في مواقع أخرى بدا يؤثر على الوضع داخل القرية حتى دخول العصابات الصهيونية لها.
ويورد الرواة حكايات عن الجهاد الفردي والبطولات المبعثرة دون توجيه أو قيادة. وكانت تعتمد على استنهاض الهمم و"النخوة" و"الفزعة"، فالقيادة كانت غادرت فلسطين لتكتب فصلا في تاريخ محير و مؤلم جدا و ملفت للانتباه في سلوكيات القيادات الفلسطينية حتى وقتنا الحاضر، وتلك قصة أخرى لم تكتب بعد.
ويشير الرواة إلى تشكيل لجان من أهالي القرية ومن الجنود المصريين الذي عسكروا قريبا من القرية وكانت لهم علاقات وثيقة مع السكان، ويتضح ذلك من قول أحد الرواة أن طائرات صهيونية رمت مناشير على القرية تطالب الأهالي بالبقاء في القرية وطرد المصريين منها، و يمكن أن يدل ذلك على الأسلوب النفسي والإعلامي الذي استخدمته إسرائيل منذ إقامتها، وإذا كان الإعلام الإسرائيلي أو جهاز دعايتها الذكي والضخم نجح في اختراقات عربية مهمة فيما بعد، فإنه في تلك الفترة لم يحقق نجاحا يذكر، ويستهجن الرواة كيف يمكن أن يطردوا إخوانهم المصريين العرب، وكانوا يعرفون مبكرا أن هدف المناشير "دق إسفين بين أهالي زكريا والقرى المجاورة، وقيادة الجيش المصري التي كانت تشرف على المتطوعين وتوجيههم".
من أهم العوامل التي هجرت سكان القرية، عامل الخوف من جراء ما مارسته المنظمات الصهيونية من قتل ومجازر، و يقول أحد الرواة "إن الإذاعات العربية، لعبت دوراً في الرحيل"، يقصد تركيز هذه الإذاعات على أخبار المجازر وإيرادها بشكل مضخم.
وكان حادث قتل ثلاثة من الأهالي وقطع رؤوسهم ووضعها على حجارة سببا في الرحيل والشهداء الذين قتلوا هم: الشيخ عبد الفتاح الكواملة، وعبد الله جفال، وإبراهيم عليان
والسبب الآخر للهزيمة الذي تورده إحدى الراويات هو الكلام الذي تكرر عن الخوف على العرض بعد سماع أنباء عن حوادث اغتصابات.
وتم الرحيل عن القرية في منتصف تشرين أول (أكتوبر) عام 1948 بعد قصف القرية من قبل المدفعية الصهيونية، ويقول الراوي محمود الخطيب وأحد مثقفي القرية عن تلك الأيام "بعد دخول الجيوش العربية إلى فلسطين عام 1948، حاول المناضلون الفلسطينيون تثبيت خط دفاعي لهم في منطقتنا على الجبال الواقعة جنوب وادي الصرار، وامتد ذلك الخط من قرية (دير ابان) إلى قرية البريج، وساهمت قريتنا بنصيبها في حماية هذا الخط وتحصينه والدفاع عنه، وكان الجيش المصري قد أرسل بعض المدربين إلى القرى في منطقتنا، ولكن هذا الخط ما لبث أن تداعى أمام الهجوم الصهيوني الذي شن على المنطقة في 14/10/1948م".
وحسب المؤرخ الإسرائيلي المعروف بني موريس، فإن قرية زكريا وقعت في الفترة بين 19-22 تشرين أول (أكتوبر) 1948 في (عملية الجبل).
ويختلف الرواة عن عدد المشاركين من أبناء القرية في معارك عام 1948، وأكبر تقدير أنهم كانوا أربعين مسلحا و شبان القرية ورجالها كانوا يشاركون في النضال منذ الانتداب الإنجليزي على فلسطين وقدموا شهداء في هذه المقاومة، وأن قادة الثوار أمثال عبد القادر الحسيني وأبو الوليد اللحام وفؤاد نصار، كانوا يشاهدون وهم يجوبون شوارع القرية ويرتادون الحارات حيث تقرا المنشورات والبلاغات الثورية.
رحلة اللجوء
خرج السكان إلى المواقع القريبة للقرية وكانوا يعودوا إليها متسللين بين الوقت والآخر ومع تطور الأمور ذهبوا إلى القرى القريبة والمجاورة، واستقر معظم السكان بعد اشهر في مخيمات اللجوء، وكان الأمل لدى السكان بالعودة كبيرا وكانوا يعتقدون أن لجوئهم مؤقتا، وفي هذا السياق يمكن إيراد حكاية الحاج عبد الفتاح محيسن الذي هجر من قرية زكريا إلى مخيم الدهيشة، وفيه اشترى أكثر من خمسين دونما في قرية زكريا عام 1952 أي بعد أربعة أعوام من لجوئه من قريته، و لا يمكن تفسير ذلك إلا بأن الأمل كان كبيرا لديه ولدى غيره بالعودة إلى قريتهم المحتلة.
محاولات كثيرة بذلها اللاجئون للعودة حيث تركوا ورائهم غلالهم وفراشهم وملابسهم ونقودهم ومصاغ زوجاتهم.
وعرفت هذه المحاولات في الإعلام الإسرائيلي، بمحاولات التسلل وهناك محاولات تسلل جماعية ناجحة حدثت وكانت تستمر أياماً وبعضها لمدة شهر، عرفت بأنها من أكبر عمليات التسلل، وكان من نتيجتها أن ذبح الإسرائيليون أكثر من خمس أشخاص منهم.
وهناك من استشهد وهو يحاول العودة إلى القرية مثل: إبراهيم المغربي، وإسماعيل الجمل، واحمد الجمل، وعبد الكريم سمرين.
وفي 9 حزيران (يونيو) 1950 قرر دافيد بن غوريون رئيس وزراء دولة إسرائيل الوليدة، طرد ما تبقى من سكان قرية زكريا، وإسكان يهود مكانهم فيما عرف بتفريغ القرى الحدودية وهو ما وصفه الفلسطينيون بالطرد الثاني لأهالي زكريا. وتم في هذه الفترة تدمير القرية باستثناء بعض البيوت. ويسكنها الآن يهود أكراد.
وتم في إطار عمليات تطهير القرى الحدودية وفقا للمعطيات الإسرائيلية طرد 10000 فلسطيني، غير الآلاف من عرب النقب.
الشهداء والشعراء
يورد الباحث قائمة بأسماء شهداء القرية منذ عام 1939، حيث سقط الشهيد احمد مصطفى عدوي أثناء معركة مع الجيش البريطاني، حتى شهداء الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وسقوط الفتاة رفيدة أبو لبن عام 1989، -الشهيد -" يوسف عبدالحميد شاهين"،الشهيد " بدوان محمد بدوان"،الشهيد " إبراهيم يوسف العيسة"،الشهيد " محمود إسماعيل سالم الفرارجة"، الشهيد " طه أحمد علي الكواملة"، الشهيد " عبدالفتاح أحمد علي الكواملة"، الشهيد " عبدالله جفال"، الشهيد "إبراهيم عليان الكواملة"،الشهيد "محمود عطير" ،الشهيدة " أم علي العماش "،الشهيد " إبراهيم محمد المغربي"، الشهيد " إسماعيل محمد(الجمل) عدوي"، الشهيد " أحمد محمد(الجمل) عدوي "،الشهيد " عبد الكريم عيسى سمرين" ، الشهيد "محمد عيسى سمرين" أخ الشهيد عبدالكريم ، الشهيد لطفي محمود شاهين ، الشهيد حسن أحمد عطالله عباد العيسة وغيرهم - رحمهم الله جميعا -.
ويتطرق الباحث إلى شعراء القرية، وأكثرهم شهرة كان خليل زقطان الذي ذاع صيته في الخمسينات بعد نشره لديوانه (صوت الجياع)، والشاعر الثاني هو فتحي الكواملة الذي اصدر ديوانين من الشعر، الأول (يا رسول السلام)، وهو مدح للرسول العربي، والثاني بعنوان (البركان)، يدعو فيه "للثورة والتمرد والعمل من اجل الخلاص من الأنظمة العربية، وصودر هذا الديوان من قبل السلطات الأردنية فور صدوره".
والشاعر الثالث لم يكن أقل مشاغبة من سابقه، واسمه عبد الفتاح الكواملة، والذي أصبح طريدا "لمعظم الأنظمة العربية بعد أن هاجم سياساتها و تأمرها على قضية فلسطين".
وعاش الكواملة، كما يقول الباحث مجهولا ومات محروما تعيسا، بعد أن اقدم على إنهاء حياته بيده عندما أطلق الرصاص على نفسه عام 1987 في مدينة إربد الأردنية.
لم يعد يشعر بذاته بعد أن فقد قريته