لقد كان الاستيلاء على قرى يافا واللد والرملة أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لليهود، فهذه القرى تقع على تقاطعات عديدة لطرق حيوية تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، وكانت تمر بها السكك الحديدية، وكان يقع في احدى تلك القرى (صرفند) أكبر معسكر للجيش البريطاني، وعلى بعد كيلو مترات قليلة من اللد يقع المطار، وكانت رأس العين قرب اللد تمثل المصدر الرئيس لامدادات المياه للقدس، فلا عجب إذن أن تكون السيطرة على تلك القرى هدفاً رئيساً لليهود لعزل يافا عن عمقها بالداخل.
خرج أهل بيت دجن من قريتهم يوم الأحد 25 نيسان 1948م وذلك على إثر ما سمعوا عن جرائم اقترفها اليهود بحق سكان القرى المجاورة وبخاصة أهالي الخيرية الذين تعرض بعضهم لمذبحة وهم نائمون والتجأ من نجا منهم إلى بيت دجن.
ثم دخلت القوات الصهيونية بيت دجن يوم 30 نيسان سنة 1948م (أو بعد ذلك بأسبوع حسب رواية صحيفة نيويورك تايمز) في نطاق عملية عسكرية واسعة هي عملية داني (Dani Operation). لقد كان الهدف من هذه العملية هو الهجوم على اللد والرملة والقرى المحيطة لاحتلالها وتشريد أهلها. وكان قائد العملية هو إيغال ألون الذي ضمت قواته أكثر من ثمانية آلاف جندي موزعين على عدة كتائب وعصابات كالتالي (60):
1. لواءان (Brigades) تابعان لقوات البالماخ، أحدهما بقيادة اسحق رابين.
2. اللواء المدرع الثامن الذي كان يضم كتيبتين:
أ. الأولى، بقيادة موشيه دايان، وتضم 700 عنصراً من عصابة الأرغون، إضافة إلى عدد كبير من الجنود اليهود الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء ضمن صفوف المتطوعين القادمين من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وجنوب افريقيا وكان يطلق عليهم اسم أعضاء برنامج الماحال (Mahal Program).
ب. الثانية: وهي لواء اسكندروني (Alexandaroni Brigade).
ولكي يتفادى اليهود هجوماً تصادمياً مع يافا شنّوا هجوماً عنيفاً على حي المنشية الاستراتيجي المتاخم لتل أبيب لعزل بقية أجزاء يافا قبل الهجوم عليها. وبعد ثمانين ساعة من الهجوم على حي المنشية وبعد مقاومة عنيفة، سقط الحي فجر يوم 29 نيسان 1948م. وقد أنهكت المقاومة قوات الأرغون التي اضطرت إلى الانضواء تحت قيادة الهاغاناة. وهاجمت إحدى وحدات العصابات اليهودية قرى ساقية والخيرية واستولت عليهما، بينما هاجمت وحدات لواء آخر قرية سلمة واستولت عليها، وهوجمت ضاحيتا "أبو كبير وجباليا" من ضواحي يافا، كما واجهت وحدات أخرى بعد الاستيلاء على يازور في 29 نيسان مقاومة باسلة في تل الريش وهو تل حصين بين يازور ويافا إلى أن تم احتلاله هو الآخر.
وكانت القوات التي دخلت بيت دجن هي قوات لواء الكسندروني في نطاق ما أسموه عملية حيمتس (Operation Hametz or Chametz) التي استهدفت القرى الواقعة جنوب سكة حديد يافا ـ القدس وهي بيت دجن والسافرية ويازور واستهدفت أيضاً قرى تقع شمال سكة الحديد وهي سلمة والخيرية وساقية وكفرعانة.
وكلمة حيمتس تعني بالعربية (الخميرة) لأن العملية نُفِّذت في 25 نيسان 1948م الذي صادف يوم عيد الفصح اليهودي في تلك السنة، حيث يحرم على اليهود في ذلك اليوم تناول أي طعام تدخل الخميرة في تحضيره (47،48،60).
شُرِّد أهل بيت دجن من قريتهم وأخذوا معهم القليل من الامتعة، ومفاتيح الدور، اعتقاداً منهم ـ كما قيل لبعضهم ـ أنهم سيعودون إليها بعد أسبوع! بعضهم من حملتهم الشاحنات وبعضهم من مشي سيراً على الأقدام نحو قرى ومدن أخرى ومكثوا هناك أياماً وأشهر وسنين بانتظار العودة!
بمجمل القول، نفذت القوات الصهيونية عمليات عسكرية ضد 25 قرية، وتم طرد وتشريد ثمانين الفاً من الفلسطينين خلال وقت قصير في نيسان وأيار من عام 1948م، مما يجعلها أكبر عملية طرد جماعي وتطهير عرقي شامل في فلسطين خلال ذلك العام، ناهيك عن مئات المشردين الذين ماتوا تحت أشعة الشمس الحارة.
وبعد سقوط غالبية قرى يافا وحيفا وعكا وصفد وطبريا وبيسان دخلت الجيوش العربية في 15/5/1948 واشتركت في المعارك ثم أُعلن عن هدنة لأربعة أسابيع بين العرب واليهود استغلها اليهود لإدخال أسلحة من التشيك وقاموا بنقض الهدنة في 9/7/1948.ثم شن اليهود هجومهم على اللد والرملة في نطاق أحد مهام عملية داني او عملية الأيام العشرة من 8 – 18 تموز 1948م، بأمر من بن غوريون. وكان اليهود قد حاولوا احتلال اللد في نيسان 1948م لكنهم فشلوا. وكان هجومهم على اللد في التاسع من تموز 1948م عنيفاً شاركت فيه الطائرات بالقصف الجوي وصاحبها القصف بالمدافع وراجمات الألغام، ودافع أهل اللد عن مدينتهم بشجاعة إلى أن نفدت ذخيرتهم.
وقد ارتدى مقاتلون يهود اللباس العسكري العربي ورفعوا الأعلام العربية ليشعروا أهل اللد أنهم أفراد من الجيوش العربية، فدخلوا اللد، ولما دخلوها وأصبحوا في وسط البلد فتحوا نيران رشاشاتهم على الأبرياء والمدنيين العزّل. وكان أحد المناضلين الفلسطينيين يقف على أعلى مئذنة مسجد دهمش المعروف بالمسجد الكبير، وفتح نيران رشاش مدفعه على تلك القوة اليهودية وقتل الكثير منهم إلى أن نفدت ذخيرته، ثم اعتقلوه وربطوه بحبال إلى سيارتين عسكريتين قام اليهود بقيادتها باتجاهين متعاكسين فاستشهد وشُطر جسمه إلى جزئين (59).
وسقطت اللد والرملة في الفترة الواقعة بين 10 – 14 تموز وقتل الصهاينة عند دخول اللد 426 مدنياً منهم 176 قتلوا في المسجد، وأجبر اليهود السكان على الرحيل (61). وفي مقال بعنوان سقوط اللد ـ نشر في مجلة الدراسات الفلسطينية (62) ـ يصف سبيرو المنير الذي كان أحد سكان اللد الألف الذين لم يغادروها من أصل 50 ألفاً شُرّد منهم 49 ألفاً، يصف الفظائع وأعمال القتل والتشريد التي تعرض لها أهل اللد وأهل القرى الذين لجأوا إلى اللد. وكان المنير يعمل في الإسعاف والطوارئ في المدينة وشاهد بأم عينيه جرائم التنكيل بالأبرياء وقتلهم بدم بارد من قبل قوات العصابات الصهيونية.
وفي وثيقة إسرائيلية سرية رسمية تعود للفترة الواقعة بين 1945 – 1948م، يورد فيها جنود وموظفون رسميون يهود مشاهداتهم خلال موجة التشريد تلك. يقول هؤلاء: "في البداية كنا نرى قطع الأثاث الثمين وقد تركت على قارعة الطريق، ثم شاهدنا الجثث؛ جثث النساء والأطفال مبعثرة على الطريق. رأينا الشيوخ الطاعنين بالسن مصابين بالجفاف يتوسلون لقطرة ماء. ولم تكن هناك رحمة في قلوب الجنود الاسرائيليين. لقد فقد الكثير منّا وجهه الانساني. كيف يتحدثون بهذه السهولة عن إلقاء آلاف النساء والأطفال على الطريق مبررين ذلك بأهداف استراتيجية!" (51).
أرسلها: رامي مصطفي ابو البراء
nasem-elbaraa@hotmail