الحياة السياسية والإدارية:
زرنوقا قرية ريفية نائية عن مركز القرار السياسي في القدس أو يافا أو غزة، كما أنها كانت تابعة لقضاء الرملة الذي كان معروفاً بضعف دوره السياسي والثوري نظراً لضعف تأثره المباشر بسياسات الاحتلال الإنجليزي وعدم وجود نشاط للأحزاب العربية الوطنية في المنطقة التي كانت تعتمد على الوجاهات العائلية ذات النفوذ المالي والامتداد البشري أو التاريخ الأسري العريق، وكانت الرملة وقضاؤها أشبه بخزينة اقتصادية استثمارية للطبقات الحاكمة للبلاد.
وكانت القرية تتأثر كغيرها من قرى القضاء بكل المراحل السياسية التي مرت على فلسطين، لكن لم يشتهر عنها اشتراكها المباشر في هذه الأحداث نظراً لبعد هذه الأحداث عنها، وضعف مصادر الأخبار والمعلومات ، إذ تعتمد المعلومة للوصول إلى النقل الشفوي عبر الاتصال المباشر في الغالب وموجة إذاعية موجهة أو اثنتين تصلان إلى القرية عن طريق مذياعين أو ثلاثة على الأكثر ، مما يؤدي إلى اضطراب المعلومات وتغيّر معطياتها، ويجري تصحيح هذه المعطيات أو إعادة توجيهها من خلال التبادل المعرفي نتيجة الحراك الاقتصادي والاجتماعي بين القرية ومحيطها ومراكز الإدارة القريبة في الرملة ويافا والقدس .
وربما أدى الاستقرار الاقتصادي في القرية، والازدهار التنموي فيها نتيجة وجود القرى الاستيطانية الأجنبية من حولها، وقيام أسواق عديدة مزدهرة ومكتظة قريباً منها إلى ضعف المشاركة السياسية، الذي اتسمت به هذه المنطقة عموماً قبل النكبة.
ولا شك عندي أن وجود المجتمعات الاستيطانية الأجنبية، الملتصقة بالقريبة والقائمة على جزء من أراضيها ساهم في رفع مستوى الوعي السياسي، وهو ما تشير إليه مستويات التعليم أعلاه، ولكن ليس إلى الحد الذي يدفع بهذا المجتمع الريفي لإدراك أخطار الاستيطان ومشروعه الاستراتيجي في طرد السكان الأصليين وإحلال مجموعات بشرية استيطانية جديدة مكانه.
وأعلى المناصب في القرية مناصب إدارية وجاهية وهو منصب المخترة " مختار القرية" ونظراً لزيادة عدد سكان القرية عن الألفين وكثرة العائلات والحمائل فيها فقد كان فيها مختاران قبل النكبة يمثلان العائلات الأكثر تعداداً وثراءً وهم عائلتا عيد والحمارنة كما يذكر جميع من لقيناهم ممن عاصروا حياة القرية قبل النكبة ، بينما يذكر الحاج هشام يوسف البالغ من العمر 86 عاماً في 13/06/2003 لموقع نداء القدس الإلكتروني أنه كان يوجد في القرية أربعة مخاتير ، وبالنظر إلى عمره فقد وعى أواخر العشرينات والثلاثينات والأربعينات، ولم أحصل على تأكيد من أي طرف قابلته يؤكد هذه الرواية إلا أنه قد ظهر لي مؤخراً من بعض الشهود أن الحاج محمد عبد الرازق كان أحد مخاتير هذه القرية.
وأما المستوطنات اليهودي فلها استقلالية إدارية منفصلة عن التجمعات العربية لكونها قرى معترفاً من قبل الاحتلال الإنجليزي، ولها مرجعيات دينية وصهيونية مختلفة بحسب الجهة التي موّلت إنشاءها، وكانت علاقتها بالقرى العربية المحيطة بها علاقة مصالح اقتصادية متبادلة لا تزيد عن ذلك في الأعم الغالب.
وبحسب شهادة يوسف محمد البربار فلم يكن في القرية مخفر شرطة وكان يوجد سجن إنجليزي لليهود في مستوطنة رحوبوت ولكن اليهود هم المتحكمون فيه، وكانت تفصل الخصومات فيه عن طريق المختار فإذا تطورت لجؤوا للمحاكم في الرملة ويافا.
وبحسب شهادته أيضاً فلم يكن في القرية مستوصف صحي وكانوا يطلبون العلاج في الرملة أو يافا إذا كانت الحالة خطيرة أو في مستوطنة رحبوت المجاورة حيث يوجد فيها طبيب. وحوادث الكلَب كانت تحول إلى مستشفى الرملة .
وكانوا كثيرا ما يعتمدون على طب الأعشاب والرقى الشرعية أو الشعبية، وكان الحلاق يتحمل مهمة قلع الأسنان والإسعافات الأولية.
وتروي الحاجة آمنة داود أن عائلتها كانت تذهب إلى طبيب يدعى "كونداريس" في مستوطنة ديران إحدى ضواحي مستوطنة رحوبوت.
ووسيلة النقل قبيل النكبة تطورت بفعل الازدهار الاقتصادي حيث كانت هناك حافلة ركاب وثلاث سيارات تتحرك من يافا إلى زرنوقة وبالعكس ثلاث مرات في اليوم.
وكان أهل القرية يسمون هذه الحافلة باسم عائلة مالكها " باص أبو استيتة"، ويبدو أن صاحبها من خارج القرية، وكانت عائلة أبو جبارة تمتلك سيارة خاصة سوداء اللون، كما يقول الحاج يوسف البربار .
ووسيلة النقل الأهم كانت القطار حيث تمر سكة الحديد في طرف زرنوقا من الجهة الغربية ويوجد فيها محطة للركاب والبضائع .
كما توجد وسائل نقل أخرى تستخدم غالباً في التنقلات الداخلية أو في محيطها القريب مثل الدراجات الهوائية التي كانت معروفة بالعشرات، كما تكثر وسائل النقل البدائية كالجمال والبغال والحمير.
المصدر: الدكتور اسامة الاشقر
كتاب زرنوقة جنة الليمون والبرتقال