يقول أبو زياد: " بتشرين أول 1948 دخل الجيش الإسرائيلي ع بلدنا، أهل كيبوتس إيلون كانوا نايمين بالاستحكامات، بعد ما الجيش العربي ترك المنطقة وفلّ. يومها أنا كنت عم بنشل ميّ من البير وبسقي البقرات، والاّ شفت الجنود بتطلع على بلدنا، ركضت عند أبوي وقلت له: يابا يابا، اليهود أجوا. قال لي: يابا، المختار وأهل البلد اتفقوا يطلعوا ع سطح الكنسية.
رميت سطل الميّ وطلعت ع الكنسية. لما وصلنا سطح الكنيسة، ربطنا الحطة البيضا، ونزل وفد من عنا يلاقي الجيش. التقوا وين المعصرة، وين كراج دار عطاالله. الوفدين سلموا على بعضهم ومشوا باتجاه الكنسية. وقتها أنا كنت واقف على سطح الكنسية ورافع العلم.
بالكنسية جابوا لهم أهل البلد حلويات وشرّبوهم قهوة وبسكوت. خالي نادى عليّ إنه أنزل من سطح الكنيسة وقال لي إنه اليهود استلموا البلد وكتبوا أوراق، وطلبوا إنه نجمع كل سلاح المقاومين الهاربين".
عودة المسلحين ورفع الراية البيضاء على حمارة القرية
وعن إرجاعه للمقاومين أضاف أبو زياد: " يومها أنا كنت أكبر شاب بالبلد . وأهل البلد طلبوا مني أروح على بيت محمد القاسم وألتقي بالمسلـّحين وأطمئنهم وآخذ منهم سلاح، حسب الاتفاقية مع الجيش. مشيت ووصلت عند طريق المقبرة، تطلعت على الجبل وشفت جنود وخفت يقتلوني، حملت علم صغير، نزلت على أرض اسمها كُسبر (أرض في إقرث)، على قطمون (أرض مثلث، حواليها جبال، وصالحة للزراعة) وكمّلت على بيت محمود القاسم. هذا محمود كان بدوي وساكن بأرض لحاله مش بعيدة عن أراضي إقرث. مشيت حوالي ساعة، ولما شافوني المسلحين أجوا يركضوا عشان أحكيهم شو صار، بذكر منهم إلياس سلوم، حنا توما، لطف ويوسف جريس. حكيت لهم شو صار، وإنه اليهود اجتمعوا مع المختار وسلموا البلد وبعتوني عشان أطلب منكم تسلموا السلاح وإنه ما راح يصير عليكم إشي وانتو بأمان. قسم وافق وقسم لأ. كان معنا يومها ذيب الشيبان، وذيب قال إنه ما بده يسلم البلد وسحب حاله وراح. مشينا رافعين العلم الأبيض على عصا، ونزلنا من الجبل على القطمون، قطعنا الوادي لحد ما وصلنا على مشارف إقرث.
واحد من الشباب قال كيف بدنا نسلم بواريدنا ونذلّ حالنا، خلينا نحطّ السلاح كله على الحمارة، ميلاد ولبيب بجرّوها وإحنا بنمشي معهم. المجموعة وافقت وحمّلوا حوالي تسع بواريد على الحمارة ورفعوا العلم الأبيض عليها لحتى وصلوا العين الغربية بإقرث. هناك لاقيت عمتي مريم وأم ماضي، قلت لها: شو يا عمتي؟، قالت لي: البلد مليانة جيش والجنود ع البيادر، إنتو توزّعوا، وما تطلعوا طريق واحدة".
وتضيف كاميليا خيّاط - أم راضي (1924)، وهي تسكن اليوم في كفرياسيف:
" بعد ما رجعوا الشباب، أجا الجيش وصفّ حوالي 10 شباب من البلد بدّه يطخهم (باكية). الخوري أندراوس قرداحي هجم عليهم وقال لهم: طخّوني أنا وما تطخوا الشباب. احنا ما عملنا لكم إشي ولا طلقة طلعت من بلدنا. قالوا له: راح نتركهم إذا فتحوا الطريق لكيبوتس أيلون وأزالوا الألغام. وبالفعل هيك صار وهيك نجيوا الشباب".
أبو نعمة كان واحداً من هؤلاء الشباب المسلحين الذين عادوا، وعن هذا حدثنا قائلاً:
" أنا كنت مع الشباب اللي أجوا ووقفت مع الشباب اللي صفوهم ع الحيط وبذكر الخوف اللي كنّا حاسين فيه. بس بعد ما أفرجوا عنا رحنا حتى نفتح الطريق للكيبوتس. أنا كنت يومها صار لي يومين بدون أكل ونوم. رحت ع بيتنا، وبعد ما أكلت رحنا وصرنا نجيب حبال عشان نربطها باللغم ونسحبه. ولمّا خلصنا شغل روّحنا. أنا شخصيا قعدت يومين بالبيت ما طلعت، كنت حاسس بحزن كبير".