قضاء عكا - قرية سحماتا
سحماتا قبل النكبة:
تقع سحماتا في قلب الجليل الاعلى وتنهض على قمتي تلّتين، ترنو بعزّة وشموخ الى مرجها في الجنوب، وعلى ينابيع القواطيع (وادي الخرب) في الغرب... تطل على كروم التين والزيتون وصبرها المشهور، وتسلم على الوهاد والتلال والجبال، وعلى الغابات التي تتهادى بها اشجار البطم والغوردة المحيطة بها. يمر بمحاذاتها طريق عام يربطها بمدينة صفد، وبمدينتي نهاريا وعكا وبعض القرى الاخرى.. ترتفع عن سطح البحر 575م، وتبعد عن عكا للشمال الشرقي 30كم، وعن نهاريا للشرق 18كم. تحدها قرى ترشيحا غرباً، كفر سميع والبقيعة جنوباً، بيت جن جنوب شرق، حرفيش وسبلان شرقاً، ودير القاسي وفسوطة شمالاً..
بلغت مساحتها 135 دونما.. وكانت تتكون من حارتين اساسيتين تفصل بينهما البرك وساحة القرية (الرحبة) التي كانت تشهد ليالي الاعراس.
الحارة الغربية (التحتا) يتوسطها المسجد والكنيسة المتجاوران المتحابان.. وكانت تضم المدرسة الابتدائية التي اسسها العثمانيون عام 1886، والدراسة فيها كانت حتى الصف الرابع.. وتضم ايضا المنزول (الديوان). والحارة الشرقية (الفوقا) التي تقع في اعاليها القلعة التي بناها الصليبيون، وفي القرب منها جنوبا كانت المدرسة الزراعية التي تأسست ايام الانتداب البريطاني تحيطها حديقة مساحتها عشرة دونمات لتدريب الطلاب على طرق الزراعة العملية، تربية الدواجن (الدجاج والحمام)، وتربية النحل بالاسلوب الحديث.
وفي شرق جنوب الحارة الشرقية تقع المقبرة الاسلامية للقرية التي تبلغ مساحتها 30 دونما، لم يبق منها الا حوالي 8 دونمات تحوي بقايا قبور اسلافنا المبعثرة هنا وهناك، واما اكثر من ثلثيها فقد غرسته دائرة اراضي اسرائيل بالصنوبر لتغيير معالمها، تماما كما هي في دأبٍ دائم من اجل تغيير معالم القرية خدمة للمصالح والاهداف الصهيونية.
كانت سحماتا ابّان الحكم العثماني تتبع لقضاء صفد، وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، اعادت حكومة الانتداب البريطاني تقسيم الالوية والاقضية، والحقتها بقضاء عكا - لواء الجليل..
تاريخ سحماتا القديم:
سحماتا بلدة كنعانية وقد يكون اسمها حرّف من السريانية وتعني النور والاشراق.. آثارها التاريخية تشهد على انه حتى الغزوة الفارسية 612 - 627 م كانت عامرة. دمرتها هذه الغزوة وتركتها خرابا، وانتقل موقعها من التل الشمالي (المعروف باسم الدوير) الى التل الجنوبي.. فتحها العرب المسلمون سنة 636 م وأقام فيها عدد منهم.. وهكذا اصبح سكانها من العرب، من المسيحيين والمسلمين.
احتلها الصليبيون وتركوا فيها بعض آثارهم: القلعة في اعالي الحارة الشرقية للقرية (وهناك كان برج قائم في شرقها)، وبأسفلها خزان ماء كبير لحاجة سكان القلعة في الحرب والسلم، وآثارها لا زالت موجودة بعد ان عملت فيها اسرائيل تدميرا.. والثاني السور الذي كان يطوّق جزءا كبيرا من الحارة الغربية والذي كانت حجارته في بعض المواقع ترتفع الى عدة امتار، وأضحى اليوم بعد احتلال القرية جزءا من الدمار او تحت انقاضه.. وكانت هناك قطعة ارض تعرف باسم "برنان" وهي تحريف على ما يبدو من كلمة "برناند" الصليبي الذي كان يتصرّف بها...
وفي ايام ظاهر العمر الزيداني الذي احتل مدينة عكا عام 1744 وتحول الى الحاكم الفعلي لفترة قصيرة لفلسطين الشمالية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وتوليه لمدينة صفد واستيلائه على الاقاليم الجبلية التابعة لها، اصبحت قرية سحماتا تحت حكمه.. وقد قام بترميم ما أصاب القلعة من دمار في الحروب الصليبية..
وكما اسلفنا، فقد دمر الفرس سحماتا القديمة وتركوا التل الشمالي خرابا.. ولم ينسَ المواطنون الذين انتقلوا الى التل الجنوبي من ان يرووا قصة نكبتهم عبر الاجيال.. واكثر ما كانوا يذكرون ديرهم هناك الذي اصبح انقاضاً..
وفي عهد الانتداب البريطاني تشرّف اهالي سحماتا بزيارة سيادة المطران غريغورس حجار، فذكر له المعمّرون منهم مكان الدير وما كان يتناقله الآباء عن الاجداد. فما كان منه الا ان طلب بعد ذلك من دائرة الآثار الحفر والتنقيب عن هذا المكان.. واثناء عمليات الحفر التي تمت وجدت ارض الدير المرصوفة بالفسيفساء وعثر على ثلاثة قبور كتب على احداها باللغة اليونانية: "هنا يرقد المطران ثيوفيلوس اليوناني - مطران قرحاتا المتوفي سنة 592 م".
ان الكنيسة البيزنطية في منطقة "الدوير" على التل الشمالي يعود تاريخها الى حوالي عام 550 م، وتظهر فيها جليّة صور اكواز الرمان وعناقيد العنب والعصافير والكؤوس المزخرفة المرصوفة بالفسيفساء..
"وكان اهل القرية حتى عام 1948 يشاهدون الكثير من المغاور وبرك الماء، وبعض اساسات البيوت وزواياها لا يزال قائما، وعلى علو اكثر من متر في بعض الحالات... البركة الشمالية التي يعرفها الآباء تزيد مساحتها عن 200 متر مربع وعلوها يزيد عن اربعة امتار.. والنزول اليها بدرج من الجهة الشمالية... وهي خالية من المياه، لأن العوامل الطبيعية اتلفتها.. كما يذكر اهل القرية الذين عاشوا فيها حتى عام 1948 انه على بعد مسافة لا تزيد عن ثلاثماية متر شرقي البركة توجد أنقاض بناء.. جدران، معالم ابواب منقورة في الصخر..
سكان القرية:
بلغ عدد سكان القرية في اواخر القرن التاسع عشر حوالي 400 نسمة.. وفي اول احصاء قامت به سلطات الانتداب البريطاني عام 1922 بلغ عددهم 632. وفي الاحصاء الثاني الذي اجري عام 1931 اصبح العدد 796 مواطنا موزعين كالتالي: كما جاء في كتاب "سحماتا زهرة من رياض الجليل الاعلى" ص - 27.
ذكور اناث المجموع
المسلمون 371 381 752
المسيحيون 24 20 44
المجموع 395 401 796
وفي عام 1945 بلغ عدد سكان سحماتا 1130، ويقدر عددهم في عام النكبة 1948 بحوالي 1200 مواطن، منهم 65 مسيحيا.
ان اهالي سحماتا كوّنوا جزءا من النسيج الفلسطيني، عاشوا عبر القرون في قريتهم التي احبوا.. فلحوا الارض واكلوا من عرق جبينهم.. تناسلوا وتكاثروا وعرفوا معنى الوطن.. أسهم بعضهم في المعارك الوطنية اثناء ثورة 1936 - 1939، وكذلك عشية النكبة عام 1948.. وكانوا يفخرون ويعتزون بأن قريتهم كانت ملجأ للثوار إبّان الثورة..
عائلات القرية:
عائلات المسيحيين:
سمعان، عيد، سلوم، جبران
عائلات المسلمين:
قدورة(اكبر عائلات القرية)، موسى، حسين، الجشي، عزام، سلمون، حسون، عامر، عثمان، بلشة، سليمان، زيدان، مرة، حمادة، خشان، الشبلي، شاهين، ايوب، فايز، الحجار، عسقول، ، الدوخي، الذياب، اليفاوي، عيسى، يعقوب، عبد الرزاق، الحجارية....
أهالي سحماتا في الشتات:
حوّلت النكبة التي طالت الشعب الفلسطيني معظم اهالي سحماتا الى لاجئين في المنافي والشتات، هاموا على وجوههم وحطّت بهم الرحال في ديار الغربة والتشريد. قسم منهم وصل الى سوريا، وتوزع بعد فترة على مواقع في ضواحي دمشق.. وهذه المواقع هي: مخيم اليرموك، كفر سوسة، جوبر، الطبالة، الزاهرية... واما الغالبية العظمى منهم فقد حطّت بهم الرحال في لبنان وتوزعوا على مخيمات برج البراجنة، تل الزعتر، ضبيّة، عين الحلوة، النبطية، البص، الرشيدية.. وهناك عدة عائلات استقرّت في بعض مدن وقرى لبنان.. هذا، ويضم العديد من الدول العربية والاوروبية وبقاع عدة من العالم اعدادا غير قليلة من لاجئي سحماتا كبقية لاجئي فلسطين.