البصة
كلمة كنعانية قديمة بمعنى (المستنقع) ترتفع 75 متراً عن سطح البحر، ونقطة تحديدها على الخريطة 756/1637، تقع إلى الشمال منها قرية لبونة ومن الشمال الشرقي قرية (علما ـ الشعب) التابعة لصور من الجنوب ترشيحا ومعليا والكابري ومن الجنوب الغربي الزيب ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشرق مستوطنة حانيتا (حانون) سابقاً وقد اشتراها اليهود من عائلة زعرب أصحابها (من سكان قرية علما الشعب في لبنان)، أما من الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية فتوجد قرية معصوبة (مستوطنة ما تسوفا ـ الان) التي تأسست سنة 1940 صاحبها (نقولا البنا) من أهالي صور.
تقع هذه البلدة على هضبة قليلة الارتفاع فلا يزيد علوها على 75 متراً فوق سطح البحر.
كان يسكن في الجهة الشرقية منها عرب العرامشة وعرب السمينة. يمر في أراضيها واديان هما وادي كركرة ويسمى عند مصبه في البحر وادي الزيب وإلى الجنوب منه وادي القرن الذي يشكل حداً فاصلاً بين أراضي البصة وأراضي قريتي ترشيحا ومعليا، كما يقع إلى الشمال منها وادي اجي جعران وإلى الشمال منه يمتد جبل (المشقح) سلم صور الذي شكل حداً فاصلاً مع لبنان حسب اتفاقية سايكس بيكو وتوابعها.
تربتها رسوبية حمراء ومصادر مياهها، عين ماء في داخل القرية وبئر ماء حفرت في عهد الانتداب في موقع المشيرفة.
أسماء المواقع الزراعية:
من الجهة الشمالية: باط الجبل، الطبايق، السيرة، برقرق، درب المشيرفة، الموراس، المعلقة، الكسارة.
من الجهة الجنوبية: المسارب، درب الزيب، الحريقة، بير كفر نبيد، الأشاليل، أرض العرب، الجرانة، حمصين، الخلال، الصحراء، مغارة الجان، المربعات، الدحدالي، خلة سلامة حسن، أرض البركة، قلعة عبده، الزور، أم عمار، السيح، مرج عبده، درب عكا.
من الجهة الغربية: الخان، المشيرفة، السوادي، الحمرا، درب الحمرا، الرمل، العجوة، عصيدة.
من الجهة الشرقية: العباسية، بنا، مأمر، تل الزعتر، الجديدة، الهمبوزية، الغريب (2734/1663) القيصرية، مرج الزيتونة، جلالي الصوص، أم عاشة.
المباني في غالبيتها، على سفح هضبة قليلة الانحدار، وهناك قسم آخر حديث العهد أقيم على رابية قريبة جداً من القرية منذ الثلاثينات، ويعرف بـ طالجبيل" ومبانيه كلها حديثة ومنفصلة عن بعضها البعض، والقس الأخير منها في منطقة كثيرة المياه والبساتين والمتنزهات تعرف بالمشيرفة وتبعد عنها قرابة الكيلومترين.
هذه القرية كانت من (بلاد عامل) اللبناني استولى عليها البريطانيون في الجرب العالمية الأولى وألحقوها بفلسطين بعد اتفاقية سايكس بيكو.
بلغ عدد سكانها سنة 1948 حوالي 4000 نسمة كانوا يملكون 25.000 دونم وقد عملوا في الزراعة وتربية المواشي وقليل منهم بالتجارة، كانت البصة من بين البلدان القليلة التي تضم مدرسة ثانوية، وكان عدد المتعلمين فيها عالياً.
في سنة 200م. ذكرت ضم الأملاك الصليبية باسم ( Le Bassa) وفي سنة 1249 ذكرت تحت اسم Le Baca وفي سنة 1275 أخذت اسم Bassa (بصه) وهو الاسم الذي حملته حتى سنة 1948.
في عام 1932 جرت فيها أعمال تنقيب عن الآثار عثر فيها على مدفن من العصر البيزنطي فيه مجموعة من النقود والزجاج والسرج تعود إلى أواخر القرن الرابع الميلادي وقد تم ذلك أثناء حفر الأساسات لإقامة جامع في القرية ذكرها عماد الدين الأصفهاني سنة 1021 م. باسم (عين بصة) وفي القرن الثامن عشر جرت على البصة منازعات بين مشايخ جبل عامل وضاهر العمر.
إن اليهود، بعد شرائهم خربة معصوبة حانوتا وسمح من إقطاعيين لبنانيين، وهي أراضي مجاورة لأراضي البصة، قد انتزعوا، بمظلة بريطانيا، بعض الأراضي العائدة للسادة جبران وشويري وموسى بشارة الخوري وخليل قسيس في منطقة "الهمبوزية"، ولبطرس بولس وإلياس خوري جبر في مناطق معصوبة "وجل السلطنة" والغريب.
ولقد انقسمت البصة نتيجة للصراع على النفوذ في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى قسمين: "الحارة الشمالية"، و"الحارة الجنوبية"، وسكان هاتين "الحارتين" من المسيحيين. وبسبب تمكن عائلة فريوات المهيمنة على الحارة الجنوبية من النفوذ في الدوائر الرسمية أكثر من وجهاء "الحارة الشمالية"، استطاعت هذه العائلة أن تذل أهالي "الحارة الشمالية"، فكان أن نشأت "الطوشات" أي الصراع الدامي بين "الحارتين"، إذ دفع وجهاء "الحارة الشمالية"، أتباعهم إلى قتل عميد عائلة فيروات رغم مصاهرته لوجهاء الحارة الشمالية واستمر الاقتتال الدموي قرابة ربع قرن، وسقط ما لا يقل عن سبعين قتيلاً كانوا كلهم من الفلاحين البسطاء، وتعرضت منازل كل فريق للهب ومزروعاته للحريق، وأحياناً كانت "الحارة" المنتصرة تجلي سكان "الحارة" المهزومة عنها. على أن ظروف هذا النزاع وأوضاعه تشيران إلى أنه لم يكن للفلاحين الذين كانوا أدواته أية مصلحة فيه. وقد أدت تدخلات المطران حجار ووجهاء "حارة" الإسلام الغربية في البلدة إلى تخفيف حدة الصراع، ثم إيقافه بعد سلسلة متلاحقة من الدمار والخراب. واللافت للنظر أنه لم ينشأ صراع طائفي في تاريخ البصة.
كان مخاتير البلدة الثلاثة، وأعضاء المجلس المحلي، وهم، بحكم تفرغهم وعدم تعاطيهم العمل الزراعي أقاموا صلات مع أصحاب الشأن الرسميين في القضاء، وهذا ما عزز مكانتهم. وكثيراً ما كان النزاع يقوم بين هذه الطبقة بسبب المصالح الشخصية والنفوذ.
ولقد نشأت مشاكل بين أهل القرية وبين البدو عرفت "بالطوشات"، ونتج عنها، في حادثة مشهورة، مقتل بدويين على يد آل كنعان من أهالي البصة.
النشاط السياسي:
لم يكن في العهد التركي نشاط سياسي يذكر، شأن البصة في ذلك شأن بقية القرى في فلسطين، ولقد بات التذمر من الأتراك واضحاً قبيل الحرب العالمية الأولى وأثناءها. وربما كان العامل الاقتصادي سبباً مهماً في هذا التدمير، وذلك ناتج عن كثرة الضرائب وعن إرهاق الفلاح بها، ومن جراء القسوة التي كانت أجهزة الدولة العثمانية تمارسها بحق الأهلين، ثم الضائقة الاقتصادية والمجاعة التي حدثت إبان الحرب والتي يسميها الناس (السفر برلك). ولقد استفاد بعض الوجهاء من هذا الوضع، وذلك بتوظيف نفوذهم في السلطة للتنكيل بخصومهم من "الحارة الشمالية" بالوشايات الكاذبة، فاتهم البعض بأنه يعمل ضد السلطة ومنهم على سبيل المثال يوسف توما الذي شنق في عكا.
أما في العهد البريطاني، فقد قامت في جوار البصة ثلاث مستوطنات، وحيث كان الوعي قد ازداد، فقد شاركت البصة في كافة الثورات لاسيما في الفترة من 1937 ـ 1939. وكان لها دور لكونها حدودية، فالعتاد والرجال كانوا يمرون عبرها إلى داخل فلسطين. وهذا ما دفع السلطات البريطانية لإقامة سورة من الأسلاك الشائكة يزيد عرضه على عشرة أمتار وعلوه على ثلاثة امتار، يمتد من ابحر حتى المطلة، وكانت ضمنه بوابة تقتحمها السلطات ثلاث مرات يومياً ولمدة ساعة كل مرة، كانت تسلط الأنوار الكاشفة على الشريط، كي لا يتم نقل أسلحة من لبنان إلى داخل فلسطين. لكن ذلك لم يكن يشكل حائلاً، واستمر شبان البصة بالقيام طيلة فترة الثورة، بنقل العتاد إلى داخل فلسطين، الأمر الذي عرض القرية مراراً للتطويق والتفتيش وهدم المنازل وقتل الأبرياء والتنكيل بالجرحى وقتل مواشي المزارعين وحرق مزروعاتهم.
ولقد ساهمت البصة في هذه الثورة بنضالات متعددة، منها نصب الكمائن للسيارات البريطانية، وبث الألغام ونسف الجسور، الأمر الذي حدا بالسلطات البريطانية إلى الانتقام بوسائل شتى، كاقتياد المئات إلى معسكرات الاعتقال والتعذيب، وكاستخدام الطائرات في قصف مواقع الثوار وسقوط العديد من الشهداء، منهم على سبيل المثال يوسف يونان وتوفيق الجمل وأحمد الجمل. ومن وسائل الإرهاب التي مورست فرض الضرائب الجماعية.
ومن أحداث الثورة وما تعرضت له قرية البصة من فظائع ما جاء في الوثيقة التالية الموقعة باسم "أسعد" وهو أحمد العفيفي بتاريخ 8/9/1938 حيث يقول:
"في صباح يوم 7/9/1938 داهمت قرية البصة قوة كبيرة من الجند وانتشرت في القرية، وهي تطلق النار على السكان الآمنين في المقاهي والشوارع والبيوت، فقتل من جراء ذلك أربعة أشخاص: 1 ـ خليل حلقة، 2 ـ ركاد الليوس، 3 ـ والد شكري الليوس، 4 ـ عودة اليماني.
ثم بدأت عمليات النهب فنهب من زوجة عطا الله كنعان خمسون جنيهاً، ومن بسمة بنت أبو زيّان عشرة جنيهات ومن كيسانة بنت شكري زيوات مصاغ يقدر ثمنه بثلاثين جنيهاً، ثم ابتدأت عملية جمع الناس من البيوت والشوارع، وبسبب هذه العملية جرح ما يقرب من ماية (100) شخص بالحراب والعصي وأيدي البنادق، وسيقت هذه الجمع إلى باب المعسكر رقم (1) وهناك انتخب قائد المعسكر أربعة أشخاص هم:
1 ـ صالح ورده، 2 ـ أحمد كنعان، 3 ـ سليم العانوتي، 4 ـ غريب آخر، ثم قام بعض الجنود بتجريد هؤلاء الأربعة من ملابسهم وطلبوا إليهم الركوع عراة، حفاة على أشواك وألواح الصبر، التي كانت معدة لتعذيبهم، كما تعرضوا لعملية ضرب وتعذيب من غير رحمة حتى تطايرت نتف اللحم والجلد من أجسامهم، وعندما يغمى على أحدهم كان يأتي طبيب ويفحص المصاب، فإذا وجد فيه نبضاً تستمر العملية حتى فقد الجميع الوعي والحس فتركوا.
ثم سيقت الجماهير إلى المعسكر رقم (25) بالضرب بأعقاب البنادق والسياط والعصي، وتوجهت شرذمة من الجند إلى القرية فنسفت دكاناً وداراً ومقهى وغرفة وثلاثة مخازن".
وجاء في ص 509 من كتاب أكرم زعيتر (الوثائق) ما يلي:
طوقت القرية بتاريخ 6/10/1938 ونتيجة لإطلاق الرصاص أصيب ثلاثة أطفال ثم دخلوا القرية وعاثوا فيها فساداً.
أما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في الفترة ما بين 1946 ـ 1947، أي قبل سقوط القضاء فقد تألفت في البصة لجنة قومية فرعية، عملت على شراء الأسلحة من لبنان وسوريا وأنشأت تنظيماً عسكرياً عرف بالنجادة، وكانت تشرف على إقامة حراسة على أطراف القرية ودوريات متحركة، وشاركت مع قرى أخرى في معارك طاحنة كمعركة الكابري، وجرت عدة مناوشات بين أهاليها والمستوطنات المجاورة، كما أدت نفس الدور الذي أدته إبان الثورة الكبرى كمعبر لنقل الرجال والعتاد إلى الداخل.
كان من الشهداء الذين سقطوا في البصة: أحمد علما، ويوسف يونان، وأحمد الجمل، ومحمد الجمل، ومحمود الجمل، وقد دفنوا في موقع "كرم نصار" غربي القرية. وعثمان علي دغش وعبد القادر حجاب.
ضمت القرية عدة عائلات مثل عائلة متى، عائلة واكيم، وكان منهم خوري البلد المرحوم صالح واكيم، يعود البيت القائم إلى صالح واكيم وكان يضم مدرسة في طابقه الأول وقد ضمت البصة عشر معاصر زيتون وعشرة مقاهي وأشهرها مقهى النصراوي على طريق بيروت ومقهى المشيرفة بجانب عين "ماء العسل".
كان السكان يعيشون في مؤاخاة حقيقية كانت زفة المسلم تنتهي بالكنسية وزفة العريس المسيحي في المسجد..
كشفت في الجهات الجنوبية القريبة منها عن آثار دير فيه أرضية من الفسيفساء وعليه كتابات يونانية وإلى الجنوب منه كشفت الآثار عن معبد كنعاني يمتد على مساحة واسعة. دخلت النصرانية البصة في أوائل القرن الثاني الميلادي وبقيت هناك حتى لجأ سكانها إلى لبنان في 15/6/1948 بعد أن سقطت هي وأم الفرج والكابري والزيب، وسكنوا مخيمات الرشيدية وعين الحلوة والمية ومية وبعضهم رحل إلى سوريا واستقر في مخيم النيرب قرب حلب وبقي حوالي 100 نسمة في البصة رحلوا فيما بعد بالقوة إلى بلدة المزرعة وهدمت القرية عن آخرها وقامت مكانها مستوطنة شلومي سنة 1950 وبيتست.
وتقول روز ماري صايغ في كتابها ص (112) عن تهجير البصة ما يلي:
وبحلول 14 أيار/ مايو كان العديد من عائلاتها قد لجأ إلى لبنان، ولم يبق في القرية سوى 40 مسلماً وبعض الكبار في السن والأقلية المعهودة التي كانت ترفض الرحيل:
"لم يكن أهل البصة يتوقعون أية مشاكل مع جيرانهم اليهود، سكان معصوبة وحانيتا، فقد كان اليهود قد طمأنوا مخاتير القرية إلى أنهم لا يريدون بهم أي مكروه ذلك أنهم اعتادوا أن يوروا القرية من حين لآخر وكانوا يعرفون دونما شك أن أهلها لا يبيتون لهم أية نيات سيئة".
لكن يوم سقطت القرية، أمر الجنود اليهود جميع الذين كانوا ما يزلوا فيها بالتجميع في الكنيسة.
أخذوا بضعة شباب.. إلى خارج الكنيسة وقتلوهم رمياً بالرصاص. وفي الحال، أمرونا أن ندفنهم، وفي اليوم التالي، نقلونا إلى قرية المزرعة.. حيث التقينا أناساً آخرين كبار السن جاءوا بهم من القرى المجاورة.
إن معظم أهل البصة الذين كانوا يحاولون "التسلل" لجلب حوائجهم قد لاقوا مصرعهم برصاص القناصة اليهود المتمركزين في جبيل المشرفة على البصة.
تحيط بالصبة عدة خرائب يقدر عددها بـ (18) خربة وهذا يدل على أن المنطقة كثيفة السكان ومن أشهر هذه الخرب:
خربة باط الجبل، خربة منية المشيرفة، خربة المعصوب، خربة عين البيضا، خربة عين حود، خربة أدميت، خربة جرديه، خربة الصوانة، خربة كركرة، كنيسات العمري، وخربة بير كفر نبيد.
المصدر: كتاب من قرانا المهجرة في فلسطين