جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
أعلنت سلطة الآثار "الإسرائيلية" عن اكتشاف كنيسة بيزنطية مُثيرة في خربة دَروسِيّة في السهل الساحلي الفلسطيني. وتقع الخربة التي يطلق عليها الإسرائيليون خربة (مِدراس)، إلى الشمال الشرقي من قرية بيت جبرين، بين قريتي عجور وزكريا، وجميعها محتلة منذ عام 1948، وهي واحدة من عشرات مواقع الاستيطان التي اتخذها الإنسان الفلسطيني القديم، والمطلة على سهل أجنادين، الذي تطلق عليه المصادر الإسرائيلية سهل (شيفلا) محاكاة لموقع توراتي شهير. وترتفع خربة دَروسِيّة، 350مترا عن سطح البحر، وكانت آهلة منذ العصر الحديدي، وفيها أثار أسوار، وقبر روماني هرمي من القرن الثالث الميلادي، أطلق عليه السكان اسم المنطار، وهو مبني على أساس مربع طول ضلعه 10 م، له ساحة وهرم له درج، علوه الأساسي 5 م. وفي الخربة أيضاً بركة متهدمة، وبرج روماني للمراقبة، وصهاريج. وتم الكشف الجديد، خلال حفريات إنقاذية نفذتها السلطة الإسرائيلية، أبانت عن مبان عامة، وأرضية فسيفسائية، وبقايا الكنيسة وأعمدة رخامية، وغيرها من معالم هامة. وفي تفسير متسرع، يحركه على الأغلب طموحات علماء الآثار الذين كشفوا عن الموقع، اقترح هؤلاء، أن يكون الموقع مكان إقامة وقبر الني زكريا. وبدأت الحفريات الإسرائيلية في الموقع، قبل أشهر، في أعقاب عملية سطو نفذها لصوص الآثار، الذين حفروا مواقع في خربة دَروسِيّة، لنهب ما تحتها. وتضم الخربة، كهوفاً قديمة، وبقايا مبان، ومنشات زراعية، وملاجيء واسعة، أعاد الاثاريون الإسرائيليون تأريخها، إلى ما يسمونه، فترة الهيكل الثاني، وهي التسمية الإسرائيلية للفترة الرومانية المبكرة في فلسطين، وحسب هؤلاء، فان فلول الثوار اليهود، على السلطة الرومانية، الهاربين اختبئوا في المكان. وأهمية خربة دَروسِيّة الأثرية، حُددت مبكراً، منذ أواخر القرن التاسع عشر، على يد بعثات الاكتشاف الغربية، باعتبارها، موقعاً شهد عمليات استيطان حضارية كبرى، وفي ثمانينات القرن العشرين، تم اكتشاف عتبات، تحمل زخارف فريدة من نوعها، وحينها إقترح البروفيسور عاموس كلونير، والدكتور تسفي ايلان، أن هذه العتبات تخص كنيساً يهودياً، مدفوعين بالتشابه في الزخارف، مع كنيس يهودي في شمال فلسطين. ولكن الأمور بدأت تتغير، مع الحفريات الإنقاذية الاخيرة، فتم الكشف، عن مبنى الكنيسة المهيب، ورائع الجمال، الذي يعود للعصر البيزنطي. وتبين انه تم بناء الكنيسة داخل مجمع عمومي بعود للفترة الرومانية المبكرة، وفي القترة الأخيرة من العهد البيزنطي، تحولت الكنيسة إلى كاتدرائية كبيرة، أمامها فناء واسع، ويتم الدخول إلى صحن الكنيسة من باب ومن ثم مدخل تحيط به ثمانية أعمدة رخامية، تم استيراد مادتها الخام، على الأقل، من تركيا. وعلى جانبي الصحن نوعان من الممرات الواسعة. وأرضيات طوابق المبنى، مكونة من لوحات فسيفساء رائعة مزينة بأنماط زخرفية لحيوانات ونباتات، وتصاميم هندسية، تم الحفاظ عليها بشكل جيد للغاية. ويضم المبنى، غرفتين، وأرضيات رخامية، ومدخل يؤدي إلى قبر، وتحت المبنى بأكمله، يوجد غرف ومرافق مياه وغرف تخزين. ويعتقد الاثاريون الإسرائيليون، أن الحديث يدور حول مبنى روماني، بُنيت عليه كنيسة بيزنطية، ومن بين القطع الأثرية المكتشفة في المكان، عملات معدنية من وقت الثورة اليهودية الكبرى ضد الرومان (66-70 م)، وانتفاضة باركوخبا (132-135 م)، بالإضافة إلى عدد من الأواني الحجرية، والمصابيح، والأواني الفخارية المختلفة. وحول، إمكانية أن يكون الموقع، هو مكان إقامة وقبر النبي زكريا، فان هذا الافتراض، يصطدم، بما حددته المصادر المسيحية المبكرة، بان القبر يقع في قرية زكريا المُهجرة، ووفقا لمدونات بيزنطية، فانه تم الكشف عن مكان القبر في عام 415م. وخلال فترة الحكم الإسلامي لفلسطين، تم بناء مسجد في القرية، يضم مقام النبي زكريا، ولدى اكتشاف خارطة مادبا الفسيفسائية، التي تحدد ابرز المواقع في فلسطين خلال الفترة البيزنطية، ظهر تحديد لقبر النبي زكريا المفترض، في قرية زكريا، ومن المرجح، أن المسلمين بنوا مقام النبي زكريا على كنيسة بيزنطية، ويؤكد كبار السن من القرية المهجرة، ان أرضيات فسيفسائية ما زالت بقاياها موجودة تحت أرضية المقام الحالي، المهدد والمهمل الآن. وحسب بيان لسلطة الآثار "الإسرائيلية"، فانه خلال الفترة المقبلة، سيتم إجراء بحث واسع، من أجل دراسة إمكانية أن يكون الموقع المكتشف في خربة دَروسية، هو مكان إقامة وقبر النبي زكريا. ومن المتوقع أن يصطدم هذا التوجه، مع آراء علماء أثار إسرائيليين، يتمتعون باستقلالية، يؤكدون، أن الحفريات الأثرية في فلسطين، لم تثبت أحداثاً وردت في الكتاب المقدس. وذكرت السلطة، بأنه سيتم تغطية الأرضيات الفسيفسائية لحمايتها، والبدء بالتخطيط، لكيفية الحفاظ على الموقع، وفتحه مستقبلا للجمهور، بوصفه احد المواقع المختارة للتأهيل، في إطار مشروع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المثير للجدل، والهادف، للحفاظ على ما وصفته الحكومة الإسرائيلية مواقع التراث الوطني اليهودي. وحسب إعلان نتنياهو الأخير، فان المبالغ التي رصدت لقائمة إضافية لمواقع تخص التراث الوطني اليهودي، تضم مواقع محتلة وفقا للقانون الدولي، مثل قلعة الهيروديوم شرق بيت لحم، وموقعين في الجولان المحتل. وبهذا يختلط الكشف الأثري الجديد لكنيسة خربة دَروسِيّة، بطموحات فردية لاثاريين، وتوظيف أيديولوجي، يخص العثور على قبر لنبي ورد ذكره في العهد القديم، واخبراً مصادرة الاكتشاف لأسباب سياسية، واعتباره يخص التراث الوطني اليهودي. وتشهد منطقة سهل أجنادين، حركة سياحية واسعة، بسبب وجود بعض من أهم المواقع فيها، مثل آلاف المغر الجرسية، وتل زكريا، واثار بيت جبرين، وبيت نتيف، وغيرها