جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
انطلقت في الرابع والعشرين من الشهر الماضي حملة لرفع العلم الفلسطيني على كل شباك في بيوت الفلسطينيين في حيفا، وأسس المنظمون مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للدعوة إلى المبادرة أسموها "علم فلسطين على كل شباك في حيفا العربية". وتأتي المبادرة بالتزامن مع احتفال (إسرائيل) بالذكرى الرابعة والستين لقيامها، بينما يحيي الفلسطينيون الذكرى الرابعة والستين للنكبة، وقد بدأت الحملة من دعوة أطلقها الفلسطيني المقيم في حيفا "مبدا كيال"، فالتقطها بعض الشباب ومن ثم تبلورت في شكل حملة. منذ 15 عاما وكان كيّال قد رفع العلم الفلسطيني على بيته في حيفا لأول مرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما كونه يسكن في "بيت النجادة" الذي يقول عنه إنه بيت عربي عريق كان مقرا للجيش العربي القادم لإنقاذ حيفه، وبالتالي فإن سقوطه وكأنه سقوط للمعقل الأخير في المدينة، وقد كان الهدف من ذلك أن ترى الأجيال الجديدة العلم مرفوعا سعيا لوقف الخوف عند الناس. وفي حديثه لجهات اعلامية، أوضح كيال أن العلم كان مرفوعا طوال السنوات الماضية، إلى أن استأجر ابنه بيتا خلال الأسبوعين الماضيين في حي يسكنه يهود، وقد اعترضوا على قيامه برفع العلم الفلسطيني فوق بيته وأثاروا ضجة إعلامية اعتراضا على ما قام به، مضيفًا: "للرد على اعتراضاتهم دعونا الفلسطينيين لرفع الأعلام فوق بيوتهم". وتابع: "رفع العلم ليس ردا فحسب أو مناكفة أو محاولة لإثبات الوجود، بل هو واجب، وقد فعلنا ذلك حتى عندما كان القانون يقضي بالحبس لستة أشهر لكل من يرفع العلم الفلسطيني". وأضاف كيال: "ليس الغريب رفع علمنا في حيفا بل الغريب هو عدم رفعه، وقد كان البعض يتعجب من قيامي برفعه لأنه من المحتمل أن يعرضني للخطر، أما الآن فقد ازداد من يرفعونه مع هذه الحملة مما يشجع الآخرين على أن يحذو حذوهم، وقد زال بذلك حاجز الخوف الذي كان موجودا". ويشبّه كيّال المضايقات التي تعرض لها هو ومن رفعوا الأعلام على منازلهم بالحرب النفسية، ومن ذلك قيام مجموعات من اليهود بتصوير البيت وتسجيل بياناته، مؤكدا أن الصمود في وجه هؤلاء وعدم الرضوخ لطلباتهم بإنزال العلم هو السبيل للخلاص منهم. وقال: "نعرف أننا قد ندفع الثمن ونتعرض للأذى لكن هذا لا يخيفنا". ولفت إلى أن البعض يحاول أن يستصدر قوانين من البلديات تمنع رفع الأعلام كون القوانين الحكومية لا تجبر على إزالته. الرسالة التي أراد إيصالها كيال من دعوته لرفع الأعلام يلخصها بالقول: "هي أولا لأبناء شعبي بأنكم أنتم عرب فلسطين وكل الشعب فلسطيني في الداخل المحتل وغزة والضفة والشتات وعلمنا واحد، ولا يجوز التفريق بيننا، وعلينا أن نتمسك بعلمنا وهويتنا، وثانيا لنقول للصهاينة إن حيفا عربية". لكن هذه التحركات من وجهة نظر كيال قد تكون من أقوال لا تقدم ولا تؤخر إن لم يصاحبها أفعال تنصر القضية الفلسطينية كالمشاركة في حملات فك الحصار عن غزة ونصرة الأسرى وغيرها، وهو ما يؤكد أنه موجود في حيفا دائما، مؤكدا أن الاحتلال يتأثر بهذه الحملات أيا كانت. وعن قيام بعض الشباب بتبني الفكرة وتنظيمها في مبادرة، يقول: "فكرتهم ممتازة، وتحمس الشباب يسعدني ويشرفني ويثلج صدري لأن هدفنا هو جيل الشباب". جزء لا يتجزأ وقال أحد منظمي الحملة "سميح جبارين" لـجهات اعلامية : "نحاول أن نعيد لذاكرة الفلسطينيين أولا ومن ثم العالم أجمع أن الشعب الفلسطيني في الداخل قابع تحت احتلال شرس ويجب مقاومته، لذا وجدنا أن ذكرى إقامة كيان الاحتلال فرصة مناسبة للتحدي والقول بأن مدننا عربية فلسطينية وأن العلم الوحيد الذي يجب أن يُرفع فيها هو العلم الفلسطيني، وقد طلبنا في الحملة أن تبقى هذه الأعلام مرفوعة على الأقل حتى ذكرى النكبة". وأوضح أن الهدف من رفع العلم هو تعزيز فكرة أن الشعب الفلسطيني لا يمكن تجزيئه، فالعلم ليس للضفة الغربية وقطاع غزة فقط، وإنما هو للشعب الفلسطيني في كل مكان بما في ذلك الداخل المحتل والشتات، لذا فإن رسالتنا هي أن الفلسطينيين في الداخل هم جزء عضوي مهم ولا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الكامل على حد قوله. وأضاف: "رفع العلم لا يفاجئنا بل يفاجئ الصهاينة وجزء من مجتمعنا الذي ما يزال يرى العلم وكأنه جزء غريب عنه". وتابع: "البعض يتعامل مع قضية فلسطينيي الداخل على أنها قضية حقوق كالمواطنة والمساواة، لكننا نرفض أن ننصاع وراء هذا السراب، فقضيتنا ليست قضية حقوق، وإنما قضية تحرير وتحرر". وبيّن جبارين أن أعداد الأعلام المرفوعة ليست كبيرة جدا كنتيجة لأن العلم الفلسطيني لا يُباع في الداخل، ومن يمتلكها هناك إما أنه يحيكها بنفسه أو يشتريها من القدس والضفة، مؤكدا: "ولو أن الأعلام متوفرة لتزيّنت بها المدينة بكاملها، لذا فإننا نعد لتوفيرها في أحد المحال هنا". ومن باب رفض تجزئة القضية الفلسطينية، فإن القائمين على الحملة ينظمون حملات أخرى مرتبطة بها في ذات الوقت، ومن ذلك عزمهم على توزيع أعلام مضاف إليها عبارات تتناول قضية الأسرى في الأيام القادمة بحسب جبارين. العودة للهوية وعن المضايقات التي يتعرض لها رافعو الأعلام على بيوتهم، يلفت جبارين إلى أن الكثير من الجيران اليهود يبلغون الشرطة بوجود علم مرفوع مما يدفعها للتحرك للمطالبة بإنزاله، لكن ذلك لا يحدث كون اتفاقية أوسلو قد أقرت بقانونيته، متوقعا أن يتعرضوا لدعوات للتحقيق في المخابرات كما يحدث في مثل هذه الحالات عادة. واعتبر جبارين أن الوعي والعودة للهوية هما أكثر ما يرهب الاحتلال ويرعبه ، مبينا أن ما يساعد الفلسطينيين على الاستمرار في المبادرات هو "الواقع الذي نعيشه والقوانين العنصرية المتزايدة، بالإضافة إلى غياب منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت بالنسبة لنا قديما القيادة الشرعية والوحيدة لكننا الآن لا نرى هذه القيادة، لذا فالشباب العربي هنا يحاول أن يوجد بديلا ويعتمد في ذلك على طاقاته الذاتية بمبادرات صغيرة توحي بالوطنية والتمسك بالهوية، وكذلك فإن للواقع العربي الحالي بما فيه من ثورات أثراً مهماً".
المصدر: فلسطين أون لاين