في سياق الحِراك المدني المُتنامي في المجتمع الفلسطيني باتّجاه تكريس العودة إلى القرى الفلسطينية المُدمّرة في فلسطين المُحتلة سنة ١٩٤٨، أقام خليل كسابري احتفال عمادة ابنته زينة في كنيسة "الملاك جبرائيل" في بلدته المُجيدل، في حضور الأهل والأقارب.
ويتوارد الحدث أعقاب إقامة عرس للفتاة غدير البقاعي من بلدة "الدامون" المُدمّرة، وهي أصرّت على إقامة عرسها على أرض بلدتها قبل أسبوعين، وذلك تكريساً لحقّ الفلسطينيين في أرضهم.
وتلاحظ الباحثة الاجتماعية في فلسطين المُحتلة رنا العوايسة ظاهرة مُتجدّدة باتّجاه البلدات المُهجّرة، وتقول: “بعد انتهاء الحكم العسكري عام 1966 أصبح بإمكان المُهجّرين زيارة قراهم، وتصاعدت نشاطاتهم فيها تدريجاً بدءاً من الجيل الأول للنكبة ولغاية الجيل الرابع. أهم تلك النشاطات هو تجمّع المُهجّرين في قراهم في ذكرى احتلالها، وإقامة مسيرة مركزية إلى إحدى القُرى في اليوم الذي تحتفل فيه السلطات الإسرائيلية باستقلالها تحت شعار "يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا".
أضافت: "أقام بعض المُهجّرين الفلسطينيين لجاناً شعبية خاصّة بقراهم تهتمّ بالحفاظ على تُراث القرية، وتقوم بنشاطات عدّة منها التوثيق وترميم المقابر وإقامة جولات داخل تلك القرى للتعريف بتاريخها الفلسطيني. هذه النشاطات تعزّزت أكثر وأكثر مع ظهور الجيلين الثالث والرابع للنكبة الذي أظهر تمسّكاً بالجذور، وانتماء للمكان، حتى وإن لم يَعش فيه، فصرنا مثلاً نشاهد نشاطات مثل إقامة مُعسكرات تطوّعية داخل القرى المُهجّرة، وإحياء مُناسبات، وإقامة طقوس مُعيّنة مثل الأعراس، العماد، الصلاة، فطور رمضان، وترميم المدافن وغيرها”.
وفي توضيح لخطوته ل"الميادين نت"، قال كسابري: "أصرّيت على تعميد إبنتي زينة في المُجيدل، قريتنا المُهجّرة، لأسباب عدّة. أولا، أردت أن أعطي ذكرى حلوة مُحمّلة برسالة وطنية لابنتي زينة، حتى تنمو على مبادئ وطنية. ثانياً، كنت مديناً بهذه الخطوة لأبي، حتى يعلم أن إبنه لم ينسَ أصله وأرضه وبلده، وأن تراثه قد مرّ إلى الجيل التالي. ثالثاً، كان من المهم لي أن أبعث برسالة إلى أبناء شعبي: أصدقائي وأقربائي ومعارفي لأؤكّد لهم أن لا عودة عن حقّ العودة، وأن لا نسيان للموروث والجذر، وأننا حتماً عائدون، وأن عليهم أيضاً إحياء الذكرى والذاكرة في كل فرصة تسنح لهم”.
ومثل كثيرين من الجيل الفلسطيني الجديد، تكوّنت لدى خليل ذاكرة وطنية تزيد من قدرة الفلسطينيين على التمسّك بأرضهم وبحق العودة، ويعود الفضل فيها إلى حرص قُدامى الفلسطينيين على حفظ ذاكرة بلدهم، وهم مدركون الخطر المُحدِق بها، والسعي الصهيوني إلى إزالتها، تحضيراً لأن يصبح الكيان الإسرائيلي أمراً لا رجوع عنه في المستقبل.
يتحدّث خليل عن ذلك بقوله: "أذكر كيف أخذني أبي لزيارة أطلال قريتنا أواخر الثمانينات، حيث لم تكن يد الاستعمار الاستيطاني قد طاولتها بعد، ولم تصل في حينها المستوطنة “مجدال هعيمك” إلى أراضي السكن في المُجيدل، وقد رأيت القرية يومئذ، حجارة بالية وبيوت فلاحين صغيرة آيلة للانهيار. كنت في الثامنة من عمري حينها وهذه الصوَر لن تزول من مُخيّلتي”. ويتابع: "بعد حوالى 30 سنة، أصبحت أنا أباً، وتكريسا لحقنا في أرضنا كان اقتراحي أن نعمّد “زينة” في كنيسة بلدتنا "المُجيدل”.
العائلة حريصة على وطنيتها وأرضها بحسب ما يذكر خليل، راوياً أن جدّه خليل عبده كسابري كان من الموكلين في متابعة قضايا أراضي وبيوت أهل المُجيدل، ويذكر أنه "حاول، هو ومجموعة من الوكلاء استرداد حقوقهم. إلا أن بطش وجبروت المنظمّة الصهيونية، من ناحية، وقلّة الموارد وصعوبة العيش لدى أهل المُجيدل من ناحية ثانية، أوقف نضالهم القضائي، فالقضاء الصهيوني"، كما قال، "عادِل للصهاينة، وظالِم على الفلسطينيين”.
خلال احتفال عمادة ابنته يقول خليل: "تلذّذت عندما وقفت أمام بوابة الكنيسة بانتظار المشاركين حيث كان المستوطنون الصهاينة يبطئون حركة سياراتهم ليتحقّقوا من الحدث، وبأعينهم يظهر الغضب لعلمهم أنهم لن يستطيعوا النيل منا، وأننا باقون.. باقون ما دام الزعتر والزيتون”.
ويختم بقوله: "كما تعهّد جدّ جدّي، وجدّي، وأبي بالوفاء للوطن، أتعهّد أنا أيضًا، وأتعهّد أن أربّي أولادي على هذه المبادئ والأخلاق. لن ننسى، ولن نغفر، ولن نتنازل، مهما طال الزمن”.
المصدر: الميادين نت