جفرا؟اختزلت معاني الوطن واللجوء والحب والألم في راحتها؟تغنت بها حروف الشعراء والزجالون؟جفرا؟؟ومن لا يعرف جفرا؟ ومن لم يعشق جفرا؟؟ أسئلة رددها الشاعر الفلسطيني عزالدين مناصرة؟
استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها؟بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ ؟الشعار؟؟ضاعت بين أوراق السياسة والقرارت الدولية ؟وتاهت في أروقة مجلس الأمن ؟جفرا؟إحدى الأرقام في صفحة اللجوء القديمة؟فلم يعرفها أحد؟ومات عاشقها؟فهل نشنق أنفسنا؟؟ونشرب كأس السم العاري؟ ؟!
قصة الـ؟جفرا؟ هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني, والتي تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية. هذه القصة التي بقيت طي الكتمان منذ عشرات السنين ستكشف فصولها لأول مرة, في رحلة بحث امتدت من الخليج إلى بيروت إلى دمشق إلى اسكتلندا إلى الدنيمارك, لعلها تحفظ قبل أن تضيع كغيرها من صفحات التراث الفلسطيني.
ولدت الـ؟جفرا؟ في قرية اسمها ؟كويكات؟ في الجزء الشرقي من سهل عكا ,وهي إحدى قرى قضاء عكا في لواء الجليل الأعلى, وتقع إلى الشمال الشرقي منها وتبعد عنها حوالي 9كم. وتبلغ مساحة قرية ؟كويكات؟ 4723 دونما, وقد اشتغل أهلها في الفلاحة والرعي كباقي قرى الجليل الأعلى.
كانت الـ؟جفرا؟ وحيدة أبويها فلا إخوة ولا أخوات, ولم تتلق التعليم, في حين كان أولاد القرية الذكور يتلقون التعليم في مدرسة (كفر ياسيف) القريبة من قرية ؟كويكات؟. وتقول الإحصاءات بأن عدد سكان القرية كان يقارب الـ 1050 في عام 1945، ومتكون من 163 بيتاً.
وتقول الحاجة (هـ.ح) , واحدة من العشرة المتبقين من أبناء قرية ؟كويكات ؟من جيل النكبة الأولى حول الحياة في القرية : (( كان أهالي قريتنا يشتغلون بالفلاحة، كان لنا أرض نزرعها بالزيتون. في ؟ترم؟ الصيف كنا نزرع البطيخ والتين والصبر والحمضيات و القمح والشعير والحمص والبامية والكوسا والخيار من أرضنا و؟برسيم؟ نطعمه للخيل.كنا نزرعه في أول الصيف وفي شهر 6 نحصدها ثم نضعها على ؟البيدر؟؟ كنا جميعا فلاحين.
في ؟ترم؟ الشتاء كنا نأكل الزيتون الذي حفظناه ونأكل التين الذي جففناه والذي يسمى الـ ؟قطين؟، من خلال وضعه على أسطحة الدور ليجفف وهو موضوع على ؟البلان؟ وهي نبتة يسرها الله لنا لقضاء حاجات الناس، هذه النبتة مرتفعة عن الأرض وتحتها مجرى هواء وبذلك يجفف التين وهو معرض للشمس. وكنا نزرع السمسم ونحفظه أيضا للشتاء ونأكله مع ؟القطين؟ وكنا أيضا نعتمد على الذرة الصفراء لفصل الشتاء.
كان أهالي القرية يملكون الكثير من الدجاج والأرانب ويعتمدون عليها في أكلهم.لكن لم يكن كل الفلاحين يحبون الاشتغال في الزراعة، مع أنهم كانوا يملكون أراضي، فاشتغلوا بالتجارة ومنهم زوج الـ؟جفرا؟))
؟الجفرا؟ لم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر ؟أحمد عبد العزيز علي الحسن؟ عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم ؟أحمد عزيز؟. أما اسم الجفرا الحقيقي فهو كما تروي لنا الحاجة (هـ.ح) : (( ؟رفيقة نايف نمر الحسن؟ من عائلة ؟الحسن؟ وامها ؟شفيقة إسماعيل؟. كانت سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان ؟أحمد عزيز؟ ابن عمها مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل ،تقدم لخطبتها وتمت الموافقة وتزوجوا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما ؟ أحمد عزيز؟ فكان في حوالي الـ20 من عمره. وأعراسنا كانت كسائر أعراس الفلاحين في فلسطين، يعزف فيها المجوز والشبابة والدربكة، وكان الأهالي يرقصون الدبكة نساءا ورجالا.
ولم يتوفقا في زواجهما، وأرادت أمها ان يتم الطلاق وطلقت فعلا. ولم يستمر زواجهما سوى أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهروب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت في بيت أهلها. وتمت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.
بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها ؟ محمد الإبراهيم ؟ من عائلة ؟إبريق؟. وعندما قطع ؟أحمد عزيز ؟ أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها. وكان أهالي القرية يمرون امام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية من عين الماء، حاملة جرة من فخار :
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية
* اختلف الزجالون حول كلمة ؟ميرامية؟، منهم من استبدلها بـ؟بير مية؟ ، لكننا هنا نورد رواية أهل القرية ومن رافق الجفرا في حياتها).
وقد رزقت الجفرا ونحن في فلسطين بعد زواجها من ابن خالتها بابن اسمه ؟كامل؟ وبنت اسمها ؟معلا؟.
أما ؟أحمد عزيز؟ فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه ، وجمعها في كتاب أسماه كتاب ؟الجفرا؟.))
وقد لقب الشاعر نفسه بـ؟راعي الجفرا؟، وذكر الشاعر عز الدين مناصرة بأن الأغنية ولدت حوالي عام 1939، وأصبحت نمطا غنائيا مستقلا في الأربعينات، وانتشرت في كافة انحاء فلسطين ثم وصلت بعد عام 1948 إلى الأردن ولبنان وسوريا.
وقد عرف الشاعر الشعبي ؟أحمد عزيز؟ بصوته الشجي الحنون، ومن أغانيه (على دلعونا):
ست الجفاري يا ام الصـنارة وأخدت الشهرة عاكل الحارة
لوفُت السـجن مع النظـارة عن كل اوصالك ما يمنعونـا
إجا لعنّا حبــي بــالسهرة راكب عَ كحيلة ووراها مهرة
واسمعت إنو صارت له شهرة بقول الغناني وشعر الفنونـا
ويقول الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات : (( كان موقع ؟أبوعلي؟ (أحمد عزيز) في أول الصف روّاسا على تقسيمات الشبابة ونقتطف من بستانه جفرا ويا هالربع بعض المقاطع:
جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا اعمـامي
ماباخـــذ بنيّكــم لو تصحـنوا عظامي
وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه
تمنيت حـالي أكــون ضابـط بالوظــيفة
لاعمل عليـها حـرس مع وقـف الدوريـه
وقعد لــها خــدام حتى تـظل نظيـفـه
يظلوا يخــدموا فيها في الصبح وعشـية))
والقارئ للأبيات الأخيرة يلحظ بأن الشاعر ؟أحمد عزيز؟ يغني على لسان الجفرا التي رفضته زوجا، ثم لسانه وهو يصف حبه لها.
في الفصل الثاني..
وثائق تاريخية وصور تعود إلى ما قبل النكبة، تكشف لنا أبعاد أخرى لقصتنا. مصير الشاعر ؟أحمد عزيز؟ والجفرا بعد النكبة..
يا ترى هل ستفرق الغربة بين القلوب المعتقة بالشوق كما فرقت بين الوطن وأبنائه؟ هل تحصد ليالي الغربة السرمدية تلك الأرواح المسافرة في ربوع ؟كويكات؟ البعيدة؟ وهل تتسع خيمة اللجوء للحب؟..معاناة اللجوء وتفاصيل الغربة محور الفصل الثاني من تحقيق ؟رحلة البحث عن جفرا؟..إلى ذلك الحين، تصبحون على وطن.
رحلة البحث عن جفرا ـ الفصل الثاني
هنا وطن الغياب، كل الفرح يمضي , كل بسمة تنزف حتى الموت. الخيمة المهترئة ترتعش كلما رمقتها عين البرد اللعينة؟وجفرا تدفئ جدرانها بهمس لطيف يثير غضب الرياح العاتية فتجلدها بسياط الزمهرير والقهر؟
ليل الغربة طويل، وما بين بكاء الأطفال وآهات العجائز تقف الجفرا مذهولة أمام هول الكارثة. مرت 10 أيام كما قال ؟كبار؟ البلاد، ولم يسمح لأهالي القرية بالعودة بعد. والمسافة بين وطن الأرواح ووطن الأجساد تزداد وتطول. وما زال اللاجئون ملتحفين بدعواتهم و صلواتهم؟لعلهم يدركون سراب الوعود.
وثايق تاريخية وصور
في بحثنا المستمر عن أي معلومة متعلقة بالشاعر ؟أحمد عزيز؟ أو الجفرا، وقعت بين أيدينا وثائق متعلقة بالشاعر ؟أحمد عزيز؟ تعود إلى فترة ما قبل النكبة. وهي وثائق تاريخية شاهدة على الحق الفلسطيني، وجميعها كانت في ظل ؟حكومة فلسطين؟.
الوثيقة الأولى هي عقد زواج الشاعر ؟احمد عزيز؟ من زوجته الثانية، والتي يبدو أنه تزوجها بعد بضعة سنين من طلاقه من الـ؟جفرا؟. وتعود الوثيقة إلى الـ29 من شهر مارس عام 1941. وقد تزوج الشاعر بـ؟خديجة خليل خالد؟ وهي أيضا من قرية ؟كويكات؟. وكان أهالي القرى في ذلك الوقت يبدلون من عمر الزوجة حتى تكون أكبر سنا مما هي عليه ، حتى يرضى القاضي بتزويجها !
الوثيقة الثانية شهادة ميلاد ابن الشاعر ؟أحمد عزيز؟ الاول واسمه ؟علي؟ في عام 1945.
الوثيقة الثالثة ؟هوية؟ الشاعر ؟أحمد عزيز؟ بتاريخ 1946، وفيها صورته وقد بلغ الـ30 من العمر. وكان الشاعر حلاقا في قرية كويكات.
صورة لأخ ؟أحمد عزيز؟ واسمه ؟حسن عزيز؟ مشيرا بيده إلى جانب أحد جنود جيش الإنقاذ.
صورة لبندقة ؟أحمد عزيز؟ والذي شارك ببسالة في المقاومة الفلسطينية ضد الانجليز.
وقد روى ؟أحمد عزيز؟ بلهجته الفلسطينية الجميلة تجربته في وقعة ؟البروه؟ وذكرها الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات، يقول ؟أحمد عزيز؟ : (( شاركت في وقعة البروه سنة 1936. وكان عمري 18 سنة. كان الشيخ عارف حمدان وأبو زعرورة مطوقين في تمرة. وأجانا الخبر أنهم مطوقين.فزعنا. وصلنا إلى الليات، مرقت مصفحة، ضربنا عليها، لمصفحة أعطت خبر للطيارات في تمرة، أجوا الطيارات ورحنا انزلنا على البروه: طيارات تروح وطيارات تيجي: يرموا أزانات علينا وانحشرنا كان معي كتاب قيادي إنه لما تيجي طياره علي لازم أركي على صخرة أو زتونة أعبطها ولا أعمل ولا حركة. في وقعة البروه كنت لابس أواعي الثوار، إنأسرنا في البروه وفي البيوت هناك كانوا يعلقوا على الحيطان أطباق قش، قمت شلحت الأواعي وخبيتها تحت أطباق القش إللي على الحيط. ولمن دخل الإنجليز ما شافوا علي لبس الثوار. أهل البيت كانوا جابوا لي منديل حرير وفستان حرير ولبستها وقعدت بين البنات)).
ويبدو أن الإنجليز سرعان ما كشفوا أمره، يكمل راعي الجفرا : (( أخذونا الإنجليز في السيارة وكان في السيارة وجوه طمره وكانت القيادة عندهم : الشيخ عارف، أبوعلي زعرورة، صالح سليمان، عبدالسلام الحاج، أنزلونا في حيفا وبعدين في عكا. قال المحامي إنه كان ضايع لي جمل ورحت أدور عليه، حكموني 3 أشهر وكل ما تخلص يمددوها.ظليت سنة في المعتقل (منع جرايم) وبعدين طلعت وحملت البارودة، وكان أبو محمود من صفوريه والشيخ سلمان أبوعلي وأبوعلي النجار)).
جفرا؟والوطن المسبي
بعد انتهاء الإنتداب البريطاني وخروج قواته بدأت القوات الصهيونية بالاعتداء على المدن والقرى العربية. وكان رجال القرية يقومون بالحراسة بما لديهم من بنادق وعددها حوالي 50 بندقية ،ورشاش (برنغن) واحد. وقد نقم الجيش الصهيوني على أهل القرية بسبب مشاركتهم بمعركة الكابري عام 1947، وقامت قوة منه بأول هجوم على القرية في ليلة 19 كانون الثاني 1948 فصدهم الأهالي ، وليلة 7 شباط قاموا بهجوم آخر وصدهم أهل القرية مرة أخرى. ولم يصب أي من أهل القرية بأذى، ولم يقم الجيش الصهيوني بأي اعتداء بعد ذلك.
وقبل الهجوم الأخير، جرت عدة اتصالات غير مباشرة من قبل الصهاينة بوجود وجهاء وكبار القرية، يدعونهم إلى البقاء فيها والعيش بأمان. رفض أهالي القرية هذا العرض، وقرروا الدفاع عنها والمقاومة، على أمل أن تنجدهم الجيوش العربية. وبدأت قرى تتساقط وحدة تلو الأخرى في معارك طاحنة ،غير متكافئة. وارتكب الجيش الصهيوني مجازر في المناطق التي احتلوها، وقد تردد بين القرى روايات الناجين بأن القوات الصهيونية بقروا بطون النساء الحوامل ومزقوا الأطفال أمام أمهاتهم.
كانت قرية كويكات وأهلها على موعد مع الموت في ليلة الحادي عشر من شهر يناير عام 1948، والذي صادف أول يوم من شهر رمضان. قامت الكتائب الصهيونية ؟شيفا؟ و ؟كرميلي؟ بالهجوم على القرية في عملية ؟ديكيل؟. وقد دمرت هذه المنظمات الصهيونية المسلحة القرية وشردت أهلها.وفر معظم أهالي هذه القرية مذعورين باتجاه الأراضي اللبنانية. وقد نجحت الجفرا وعائلتها وابن عمها ؟أحمد عزيز؟ من الفرار من موت مؤكد، وبدأت بذلك أولى فصول النكبة، والتي لم يتصور أهلها الذين أخبروا بأنهم سيبتعدون لمدة 10 أيام فقط، بأنها ستسمر لـ60 سنة قادمة!
هنا بيروت !
مخيم برج البراجنة
عد رحلة طويلة وشاقة، وصل معظم لاجئي قرية كويكات إلى بيروت حيث أقاموا في برج البراجنة، ومنهم من لجأؤوا إلى مخيمات أخرى كالراشدية وعين الحلوة ؟
وتقول الحاجة (هـ.ح) : (( قالوا لنا أن نخرج من القرية لمدة 10 أيام، وقد صدق الناس هذا الكلام وظنوا أنهم سيرجعون. وشيئا فشيئا مرت الأيام وبدأت الأمم المتحدة بتوزيع أماكن للسكن وكانت ضيقة)).
مخيم برج البراجنة
وقد لجأت الجفرا وعائلتها إلى مخيم برج البراجنة والذي أنشئ في عام 1948، على مساحة 104 دونم، ويقع على الطريق الرئيس المؤدي لمطار بيروت. وعاش أهل المخيم ولا زالوا ظروف معيشية صعبة للغاية في مساحة 500 متر طولا و400 عرضا. ويبلغ عدد اللاجئين فيها اليوم ما يقارب الـ20405 لاجئ.
مخيم برج البراجنة
ومع مرور الأيام ازداد المخيم اكتظاظا حتى أن 13 فردا ينامون في حجرة واحدة مساحتها 4*4 امتار، مع انتشار كبير لمختلف أنواع الامراض. وقد شهد المخيم في عام 1985 حصارا من قبل حركة ؟أمل؟ ، فاضظر الناس لأكل العشب، وكان مصير أي إنسان يحاول الخروج من المخيم القتل، فأكل الناس القطط والكلاب.
تقول الحاجة (هـ.ح) : (( عاشت الجفرا في مخيم برج البراجنة، وعملت في الخياطة والتطريز كأمها، إلى أن كبر ابنها كامل وتعلم ثم توظف واشترى بيتا في حارة حريك، بعدما ضاق البيت بساكنيه. وقد رزقت بأبناء :كامل ،عاهد ،خليل ،صائب ،مايز. منهم من ترك لبنان ليعيش في كندا وأمريكا الشمالية.))
وقد توفي زوج الجفرا ؟ محمد إبراهيم العبدالله ؟ قبل ما يقارب 3 سنوات كما روت لنا الحاجة.
صورة قبر الحاج محمد إبراهيم العبدالله في مقبرة برج البراجنة في بيروت
راعي الجفرا
أما ؟أحمد عزيز؟ فقد فرقت النكبة بينه وبين الجفرا إذ لجأ إلى مخيم الراشيدية كما تروي لنا الحاجة، بينما قالت روايات أخرة بأنه لجأ إلى مخيم عين الحلوة. وكان الشاعر المناصرة قد التقى بالشاعر ؟أحمد عزيز؟ وكنيته ؟أبو علي؟ في مخيم عين الحلوة في أواخر شهر شباط عام 1982.
وعن لقائه بالشاعر ؟أحمد عزيز؟، يقول الشاعر المناصرة في كتابه ؟الجفرا والمحاورات؟ : (( لقد التقيت أحمد عزيز علي حسن من أهالي كويكات، في مخيم عين الحلوة، وهو من مواليد 1915 تقريباً، وفق ؟وثيقة اللاجئين الفلسطينيين؟ التي تصدرها الحكومة اللبنانية، وأجريت معه مقابلات شخصية، في أواخر شباط (فبراير) عام 1982. على شريطين ؟.. وأحمد عزيز (كما رأيته) إنسان هادئ ووقور وعلى وجهه مسحة من الأسى والغموض. وخلال الحوار استمر يجيب على الأسئلة دون أن يقاطعنا إلا مرة واحدة للصلاة، وقد غنى معظم النصوص، وهو يمتلك صوتاً حنوناً وجميلاً رغم هذا السن((.
وعن كتاب ؟الجفرا؟ الذي ألفه يقول ؟أحمد عزيز؟ :((أنا أول واحد ألف كتاب عن الجفرا، طلبوني لإذاعة القدس سنة 1944، عشان أغني، كنت أعرف فخري بن عارف يونس الحسيني من أيام وقعة البروة سنة 1936، وكان عمري 18 سنة، ذهبت عند فخري فأوصلني للإذاعة وهناك التقيت يحيى السعودي. فقال لي إنه سيدفع لي 4 ليرات فلسطيني عن كل ربع ساعة أغنيها في الإذاعة. فقلت له إنني أستطيع أن أغني من أول الجمعة إلى آخر الجمعة، فقال لي: سنعطيك ربع ساعة فقط لكل أسبوع، لأن هناك مغنيين آخرين سيغنون أيضاً كل أسبوع))
((أول ما طلّعت الجفرا كان عمري 25 سنة، بعدين طبعت كتاب الجفرا في مطبعة نعيم فرح في حيفا، وبعدين انطبع في عكا عند أولاد البياع، طبعة عكا كانت صورتي على الجلدة.. أنا انشهرت قبل الإذاعة))
وتاريخ الكتاب يعود إلى ما بين 1940-1941، ونقل عزالدين المناصرة في كتابه (الجفرا والمحاورات) عن الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي الذي يعيش في الناصرة: ((؟لم أعثر خلال تنقيبي عن كتب الشعر الشعبي عندنا إلا على كتاب لأحمد حسن عبد العزيز من كويكات قضاء عكا، والنسخة بدون تاريخ، وقد طبعت في عكا، إلا أن فترتها تخميناً قد تعود إلى أواخر الثلاثينات)).
وبعد احتلال جزء من الأرض اللبنانية في الجنوب والبقاع، وانطلاق المقاومة اللبنانبة ضد الاحتلال الصهيوني كان لراعي الجفرا عدة أغنيات، وقد اخترنا مطلعا منها نقتبسها مما أورده الحاج عبدالمجيد العلي :
جفرتنا يــالهربـــع نزلت عالمديـنة
صارت تغني وتــقول يحيا الفلسطـيني
تحيا يا إبــن لـبـنان يا ذراعي اليمين
يا شريكي بدرب التحرير ضد الصـهيونية
هات سلاحك والحــقني فردك والســكين
تانزل عافلسـطـــين نعمل عمـــلية
وناخذ معنا الـــقنابل شغل بلاد الصين
ونهجم عاموشي داـيان هجمة عربــية
وقبل أن يبدأ بالعتابا يغني كسرة ميجانا:
ناوي بأرض الخصم يا صاحب أمر
وأسقي لاخصم كاسات من علقم أمر
لمن فدائيينا بتتلقى أمر
بينفذوا ولو كان في آخر دنا
اللازمة : أهلا وسهلا شرفونا احبابنا
أراضي بلادنا لازم أمرها وأسقي الخصم كاسا ما أمرها
فدائينا إذا القائد أمرهــا بتهجم عالخصم هجمة ذياب
راعي الجفرا بالحطة والعقال في أحد الأعراس في آخر أيامه
ومن المفارقات أن اسم ؟أبو علي الجفرا؟ غلب على اسم ؟أحمد عزيز؟ بعد فترة ، حتى عرفت زوجته ؟خديجة الخالد؟ بـ؟أم علي جفرا؟ مع أنها ليست هي الجفرا!
وقد توفي راعي الجفرا ؟أحمد عزيز؟ كما أفادنا الكاتب والصحفي الفلسطيني ؟ياسر علي؟ في عام 1987 في منطقة الناعمة، في أثناء حرب ؟مغدوشة؟ ،عندما انتقلت حرب المخيامات إلى عين الحلوة، بعد عمر من النضال والإبداع والصبر.
رحلة البحث عن جفرا ؟ الفصل الثالث والأخير
مضت 84 سنة ولحظات، وجفرا تنظر حولها بعيون ناعسة ثم تبتسم؟وأعلن الخبر ! لم يعرف برحيلها سوى قلة من أهل القرية الذين فرقتهم الغربة..تناقلوا الخبر بهدوء. وصوت يتحسر : رحمها الله ! كانت تحافظ على أناقتها وتمشي بالـ؟كعب العالي؟ حتى آخر أيامها ! وصغير يسأل : أبي! ومن هي الجفرا ؟! وموظف الأونورا يضيف اسما جديدا لقائمة اللاجئين الأموات. وعامل يكتب على لوح من الرخام : الفاتحة. بسم الله الرحمن الرحيم. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا.تستريح المرحومة الحاجة رفيقة نايف حماده.أم كامل الجفرة. مواليد كويكات فلسطين 1923. توفيت في 10-1-2007.الموافق 20 ذو الحجة 1427؟
عند قبرك ذرفت دموع الصمت
كنت أتسائل طوال هذه الرحلة الفريدة، لو كانت الجفرا وعاشقها يهوديان، فهل كانت لتبقى هذه القصة طي الكتمان حتى نفجع بخبر وفاة جميع أبطال هذه القصة ؟! يا ترى كم من الأفلام كانت ستخرج في هوليوود ، وكم أغنية ورواية وقصيدة كانت ستتغنى بها؟
الجفرا الآن ترقد في مقبرة برج البراجنة في بيروت، ماتت في غربة الأرواح بعيدة عن نكهة الوطن؟والمخيم الذي عاشت فيه سنين من عمرها اكتظ باللاجئين وتزداد أوضاعهم سوءا يوما بعد يوم. أما قريتها الصغيرة ؟كويكات؟، فقد أقيمت على أنقاذها مستعمرة ؟بيت عميق؟ ليهود بريطانيا وأوروبا !
يا ترى كم شخصية ماتت قبل أن ينتبه إلى وجودها أحد ؟ وهل ستبقى ؟الصدفة؟ وحدها التي تقرر تدوين ما تبقى من التراث فلسطيني؟! هل ستموت أغاني الجفرا كما ماتت هي ؟ ربما كانت هذه القصة ببعدها الإنساني وغيرها الكثير فرصتنا للخروج من حالة ؟التعميم؟ و؟الترقيم؟ التي باتت تلاحق آلام هذا الشعب وشهدائه !
أما أنتِ يا جفرا ؟فتقبلي عذري وأسفي على ما اقترفته حروفي من تقصير؟ورود أنثرها فوق ثراكِ، ووعد باللقاء في جنان السماوات؟
جفرا وحروف القصيدة
كان للجزيرة توك مقابلة مع الشاعر إياد حياتله للتعرف على جوانب أخرى عن هذه الشخصية والأغاني والأشعار التي تغنت بها، وتساؤل عن دور الشعراء والمثقفين في حفظ هذا الموروث الشعبي الفلسطيني.
ولد الشاعر إياد حياتله ( أبو عاطف) عام 1960 في مخيّم العائدين في حمص ، لأسرة تشرّدت من قرية الشجرة قضاء طبريا ، وانتقل مع عائلته إلى مخيّم اليرموك بدمشق عام 1966 ، حيث عاش هناك حتّى العام 2000 ، وبعدها هاجر مع زوجته وأولاده إلى إسكتلندا مؤقتا بانتظار العودة إلى فلسطين؟
الجزيرة توك : بداية شاعرنا الكريم لو تحدثنا عن بداياتك في عالم الشعر والشعر الشعبي خصوصا ؟
بدأت قصّتي مع الأدب والشعر مبّكرا ، حيث فتحت عيوني على أبٍ شاعر ( المرحوم عاطف كامل حياتله ، أبو أيمن ) وجدٍّ شاعرٍ وراوية للشعر أيضا ( المرحوم كامل هويّن حياتله ، أبو هويّن ) ممّا أتاح لي فرصة الإستماع إلى الأشعار والزجليّات في مضافة جدّي ، التي كانت أشبه بالصالون الأدبي حيث كان يجتمع فيه الشّعار والزجّالون والمهتمون من أهالي المخيّم ، لتبادل مواويل الوطن ، واستذكار لياليه الفائتات ، واستشراف صباحاته القادمات
هناك أنصتُ بقلبي قبل آذاني لأبي سعيد الحطّيني ، والحاج فرحان سلاّم ، ويوسف الحسّون ، وشاعر العتابا السّوري أبو محمّد الحسواني ، والشاعر والمغنّي الشجراوي أبو عرب.
بدأت كتابة الشعر الفصيح منذ زمن بعيد ، ونشرت بعضه في المجلاّت ، وشاركت في أمسيات شعريّة كثيرة ، أمّا عن الشعر الشعبي والزجل ، فقد كنت أدندن به وبدأت تدوينه فقط قبل سنتين ، ومن خلال شبكة فلسطين للحوار أولاّ ، وبعض المنتديات الأخرى ، وكتبت في معظم أنواعه ، من العتابا ، إلى المعنّى ، إلى زريف الطول والدلعونا ، والقصيد ، وصولا إلى الجفرا
الجزيرة توك : ما الذي يميز الزجل في بلاد الشام وخصوصا فلسطين؟
يكتسب الزّجل الفلسطيني مميّزات عديدة بسبب موقع فلسطين المركزي بين الأقطار العربيّة ، وأيضا بسبب طبيعتها الجغرافيّة وما تمتاز به من تحوّلات مناخيّة وتضاريس متعدّدة ، وتنوّع ظاهر في تركيبتها الديموغرافيّة ، ممّا جعل اللهجة المحكيّة في فلسطين غنيّة بالمفردات والتراكيب ، متبوّءةً المكان الأقرب من بين جميع اللهجات الأخرى إلى اللغة العربية الفصحى
وينقسم الزجل الفلسطيني إلى عدّة أنواع ، أهمّها:
1 - القصيد .. وعادة ما يكون على وزن البحر الوافر بالشعر العربي أي مفاعلتن مفاعلتن فعولن ، أو على البحر الكامل ، متفاعلن متفاعلن متفاعلن ، ويستخدم في مقدّمة وختام المعارك الزجليّة
2 ؟ المعنّى .. وهو على وزن بحر الرجز بالشعر العربي ، أي مستفعلن مستفعلن مستفعلن ، ويستخدم بشكل أساسي في الحوارات الزجلية في مواضيع الغزل والتحدي وخلافه
3 ؟ القرادي .. وهو من أسهل الاوزان وتأتي أوزانه من البحر المزدوج التي تتألف دعامتيه من 14 حركه ، 7 في الشطر الأول و7 في الشطر الثاني وله أنواع عديدة منها العادي والمهمل والمخمّس المردود والمقلوب وغيرهم
4 ؟ الشروقي .. وغالبا ما يكون على وزن البحر البسيط ، مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ، ويقوم الشاعر أو الجوقة بترديد آخر كل بيتين بنغمة طويلة
5 ؟ العتابا .. وغالبا ما تنظم على البحر الوافر ، وتتألف من أربعة شطرات ، يشترك الصدران والعجز فيهم بنفس الكلمة ولكن بمعانٍ مختلفة ، مما يشكل جناسا تاما ، وينتهي العجز الاخير بحرف الباء المفتوح ما قبله
6 ؟ الميجنا .. وتنظم على بحر الرجز مثل المعنّى وتتكون كما العتابا من اربعة شطرات .. تشترك الثلاث الاولى في نفس جناس تام) والشطرة الاخيرة تنتهي بحرفي النون والالف ( كما كلمة ميجنا مثلا.. او احبابنا ))الكلمة
وهناك الكثير غير هذه الأنواع التي لا مجال لذكرها هنا وأيضا هناك أغاني الدبكات مثل : الدلعونا وزريف الطول والجفرا حيث أعد بعمل بحث موسّع عنهم قريبا إن شاء الله
الجزيرة توك : ما المواضيع التي تغنى بها الزجالون ؟ وكيف تطورت هذه المواضيع ؟
غنَّى الفلسطينيون الزّجل منذ القدم ، وتميّزوا في طرق وأساليب إنشاده ، ولطالما نظر النّاس إلى الزجّال بعين التقدير والإعجاب ، لأنّه كان يمثّل دور النّاطق الرسمي بإسم العشيرة أو القريّة وذلك لمقدرته المدهشة على الارتجال ، ولهذا أُطلق عليه إسم ؟ البَدَّاع ؟، كونه حاضر البديهة ، مبدعا بالإرتجال ، ولم يترك الزجل الفلسطيني مناسبةً إلاّ وتغنّى بها ، فقد أنشد الزجّالون في الأفراح والأتراح ، وكتبوا للينابيع والحقول والبيّارات والبيادر ، وكروم الدوالي والصبر والزيتون ، والطيّور والمراعي والقطعان ، وقد كان للغزل النصيب الأكبر من قصائد الزجّالين والشعراء الشعبيين ، أيضا كانت زجليّات الحماسة والتحدّي والفخر والهجاء تأخذ حيّزا كبيرا عند التقاء الزجّالين في المباريات أو الأعراس ، وكذلك كانت مواضيع أغاني الدبكات في معظمها غزليّة ، تتحدث عن وله الشاعر بفتاة ما ، ووصفه مطارداته لها أو لقاءه بها على العين أو في البيادر ، ولم يقتصر قول الزجل على الرّجال فقط ، فقد شاركت المرأة الفلسطينة بذلك وغنّت وأبدعت ، وخصوصا في ؟ المهاهاة ؟ والزغاريد ( الزلاغيط ) ، وقالت العتابا والميجنا والتهاليل ، والكثيرات تخصّصن في الندب على الأموات .
وقد بدأت مواضيع وأغراض الزجل الفلسطيني تشهد تحوّلا جذريّا فيما تتطرق إليه ، مع بدء الإنتداب البريطاني على فلسطين ، حيث أخذ الزجّالون على عاتقهم تحفيز الناس على الثورة من خلال قصائدهم الداعية إلى رفض الإحتلال ، أو المتغنية بالشهداء وبطولاتهم ، أو المؤرخة للمعارك التي كانت تقع بين الثوّار والإنكليز ، وهناك الكثير من الشعراء الذين انضمّوا إلى ثورة القسّام وخاضوا المعارك ومنهم من استشهد فيها أيضا ، وكمثال على ذالك نورد قصيدة ( من سجن عكّا طلعت جنازة ) للشاعر نوح إبراهيم
ومع تلاحق الأحداث ، وصولا إلى النكبة والتشرّد ، فالنكسة ، فإجتياح لبنان ، فالإنتفاضتين ، حتّى يومنا الحالي ، فقد تابع الشعراء والزجالون الفلسطينيون مهمّتهم ، ولم يألوا جهدا في تأليب الجماهير وتحريضها على الثورة ، والتأريخ للأحداث والتغنّي بالشهداء ، وكان لتشكيل الفرق الغنائيّة الأثر الكبير في إبقاء الشعر الشعبي والأغاني والأناشيد متلازمة مع مسيرة النضال الفلسطيني ، والشواهد على ذلك كثيرة ، لا مجال لحصرها هنا
الجزيرة توك : لطالما كانت شخصية الجفرا غامضة مع أن الكثير من الشعراء والزجالون تغنوا بها في قصائدهم وأغانيهم. ما الذي عرف عنها وعن ؟راعي الجفرا؟ ؟
لم أعد أذكر متى سمعت بالجفرا للمرّة الأولى ، ولكن لا يغيب عن ذهني أنّ هذا الإسم جذبني ، ودعاني للبحث عماّ خلفه ، لأكتشف وأنا ما زلت فتى ، أنّه يعود لمعشوقة تغنّى بها حبيبها يوما ما قبل النكبة ، وسمعت حينها أقوالا متضاربة حول كونها ما زالت حيّة وتعيش في أحد مخيّمات بيروت ، كان هذا في بداية السبعينات في مخيّم اليرموك ، والأدهى أنّني عرفت خبرها اليقين قبل شهورٍ هنا في أسكوتلندا ، حيث شدّ انتباهي حديثٌ جانبي بين عجوزين فلسطينيين عن وفاة الجفرا
- أنو جفرا بتقصدي يا حجّة ؟؟
- أنو جفرا ، أي هو كم جفرا في بالدنيا ، فش غيرها ، جفرتنا ، بنت بلدنا الكويكات ، التي توفّيت من حوالي الشّهر
- بتعرفيها ؟؟
- قال بعرفها قال ، أنا اللّي بعرفها ، وما بنسى يوم هربت من جوزها وتخبّت عند دار عمّي
إذن ، هي وحدها الصدفة التي نبشت الموضوع من جديد ، كما أنّها هي التي قادت الشاعر عز الدين المناصرة إلى مقابلة أبو علي الجفرا قبل عقودٍ من الزمن.
يقول المناصرة في كتابه الجفرا والمحاورات ( قراءة في الشعر اللهجي بفلسطين الشمالية ) الصّادر في عمان 1993
تعود علاقتي بالاغنية الشعبية ( جفرا ويا هالربع ) الى سنوات الطفولة في قريتي في فلسطين حيث كنت اسمع هذا النوع من الأغاني في الخمسينات خلال الأعراس القروية او حفلات السّمر، وظلت هذه الأغنية ترنّ في أذني الى أن كتبت قصيدتي ( جفرا ) من نوع الشعر الحديث الفصيح عام 1975 وغنّاها ( مارسيل خليفة ) و( خالد الهبر ) ممّا ساعد على انتشارها كثيرا ، حتى أطلق إسم ( جفرا ) على عدد من المحلاّت والمؤسّسات في بعض الدول العربية ، كما أطلقه بعض الفلسطينيين على بناتهم .
وفي العام ( 1977 ) كنت في قرية ( قانا ) في مدينة صور حين سمعت ان المؤلف الأصلي للأغنية الشعبية ( الجفرا ) ما زال على قيد الحياة وأنه يعيش في مخيّم الرشيدية قرب صور ولكن تعذّر اللقاء به يومها ، حتى تحقّق أواخر شباط عام 1982 في مخيم عين الحلوة..
يومها قال لي أبو علي بلهجته الجليلية : ( أنا اوّل واحد ألفّ كتاباً عن الجفرا ، ولما طلّعت الجفرا كان عمري ( 25 ) سنة ، تسألني كيف وأنا أقول لك : أننّي بينما كنت غارقاً في منامي في ليلة من الليّالي رأيت فتاة جميلة يحملها شابان مرّا بها من أمامي فخلب جمالها الفتّان نظري وألهب عاطفتي التي أجبرتني على أن اكلّمها، وقبل أن أتكلّم بكلمة فتحت عيني فلم أجدها ، وتبدّل فرحي حزنا وكدراً على تلك الفتاة الجميلة وعلى ذلك نظمت شعراً ، وصرت أغنّي وأنا نايم غناني ما بعرفها، بعدين أقوم أكتبها ؟ كنت مخلّص صف ثاني بس - وانشهرِتْ بفلسطين لمّن طبعت ( الجفرا ) في كتاب من 8 صفحات ، وأوّل مرة طبعت 4 آلاف كتاب ، وبعدين طبعت في عكّا 1500 كتاب ، ويا سيدي ملاَّ إنت ما دام إنك مصّر تعرف شعر المناسبة اللّي كتبت فيها الجفرا طيّب رح أقول لك : كنت أحب واحدة جفرا وكانت البيوت جنب بعضها البعض ، وكانت جفرا على الحيط ( السطح ) ، أخذت أنا محرمة فيها بقلاوة وكنافة ، وطلعت عندها عَ الحيط ، كانوا الألمان يعملوا غارات على الفينري بين عكّا وحيفا ، وأنا عند الجفرا على الحيط ضربت الطيارات.. مسكتني الجفرا من ملابسي وقالت لي: إذا شافك حدا أنا بصيح حرامي حرامي ).
وبعد إلحاح من الشاعر لمعرفة هويّتها ، وهل هي امرأة حقيقية ؟؟ يجيب أبو علي ( بنت كنت احبّها ) ، وعندما يسأله وهل هي من قرية كويكات ؟ يقول : (يمكن ، يجوز إنها من البلد ، انا بعرف إنّها إجتني بنت حلوة في الحلم وبس ) ، ثمّ يضيف : ( طيّب يا اخونا الشاعر اقول لك : أنا أوّل من ألّف الجفرا وبعدين وصلت للأردن وسوريا ولبنان ، طيّب بتعرف إنّو في بيت ليف قضاء بنت جبيل في لبنان كان في عيلتين ، عيلة مع الجفرا وعيلة ضد الجفرا.. وكان يصيربينهم إطلاق نار ، وكانوا يعزموني عالأفراح.. وكلّهم يقولوا : بدنا أبو الجفرا وكمان غنّيت في ترشيحا ودير القاسي ومجد الكروم والكابري وعكا وسحماتا.. حتى وصل صيتي لجبل نابلس وجبل الخليل ).
وهنا يؤكد المناصرة أنّ مبدع الجفرا الشاعر الشعبي أحمد عزيز أبدع ذلك الاثر الفني الغنائي إثر قصّة حب فزواج فطلاق لإبنة عمّه التي أطلق عليها رمز إسم جفرا .
والجدير بالذكر أنّ أغاني الجفرا طُبعت مرّة أخرى تحت عنوان ( شرح ديوان الجفرا ) في مدينة عكّا عام 1999 ، كما أنّ الشاعر سعود الأسدي قام بنشر نصوصها الأصلية على حلقات في صحيفة الإتّحاد الحيفاوية عام 1987 .
الجزيرة توك : كيف تحولت اغاني الجفرا من مواضيع الغزل إلى أغاني وطنية تمجد الثوار والفدائيين؟
تعتبر أغنية الجفرا من أغاني الدبكات ، التي تتميّز بالجاذبية اللحنية والجمل القصيرة ، وتكرار اللازمة التي تشدّ المستمع وتثير الحماسة في الدبّيكة ، ويعيد العروضيّون لحنها إلى البحر المتوازي ، البسيط في الأصل ، المبني على شطر واحدٍ مقسومٍ إلى شطرين ، وعليه تؤدّى أغاني ؟ يمّا مويل الهوى ؟ و؟ هيهات يا بو الزّلف ؟ ، وتفعيلاته هي : مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ، ويُلحّن موسيقيا على مقام البيات .
ولقد تطوّرت هذه الأغنية كمثيلاتها من الأغاني الشعبية الفلسطينيّة وشهدت تحوّلا كبيرا في مواضيعها لأسباب عديدة ، أهمّها على الإطلاق التوازي مع تطوّر القضيّة الفلسطينيّة وتوالي ثوراتها قبل النكبة وبعدها ، ولم تعد الجفرا مجرّد إمراة جميلة ، بل أصبحت تمثل الأرض والبندقيّة والمقاومة والأمل بالتحرير والعودة ، فتحوّلت الأغنية من جفرا ويا هالرّبع إلى :
ثورة ويا هالرّبع شعب وفدائيّه
ماشيين حتّى النصّر على الصهيونيّه
وربّما كانت أغنية فرقة العاشقين هي الشّاهد الأبرز في هذا المجال ، ومنها
جفرا ويا هالرّبع ربع المراتينِ
شلاّل ينبع نبع دمّ الفلسطيني
لمّا يغيب القمر تضوي شراييني
وتزخّ زخّ المطر عَ دروب الحريّة
ومنها أيضا ما قاله الشّاعر أبو عرب :
جفرا ويا ها الرّبع وتقول استنّوني
ما بنسى قطاف الشّجر و قطاف زيتوني
ما بنسى منسف هلي وخبزات طابوني
مهباج دقّ قهَوَه و سهرات ليليّه
وأيضا ما غنّته فرقة الروابي في شريط عهد ووفاء من كلمات الشّاعرة مريم العمّوري:
جفرا وهيه يالرّبع ويا مين يناديني
فِدائي واسمي القسّام ودمّي فلسطيني
من زولي هاب العدو مَ استرجى يلاقيـني
عهدا ي بلادي مَ تهوني وقلبي لِك هديّة
وما تزال الجفرا تلهم الشّعراء والزجّالين إلى يومنا هذا ، وتشهد منتديات الزجل الإنترنتية محاورات يوميّة بين محترفي وهواة الزجل في موضوع الجفرا
الجزيرة توك : هل استطاعت الأغنية الشعبية والتراث الفلسطيني بشكل عام المحافظة على مكانته خصوصا مع تشرد معظم الفلسطينيين إلى المنافي ؟
لم يشهد التاريخ ؟ ماضيه وحاضره ؟ شعب أجبر على التشرّد في المنافي القريبة والبعيدة كالشعب الفلسطيني ، فالمليون الذين توزّعوا على مخيّمات اللجوء والمدن العربيّة القريبة بعد النكبة ، أضحوا اليوم أكثر من ستّة ملايين لاجئ مبعثرين على جهات العالم الأربع ، حتّى أنّه تكاد لا تخلو مدينة على الكرة الأرضيّة من فلسطيني يعيش فيها ، وكما حمل اللاجئون الأول مفاتيح بيوتهم في أيديهم ، فقد حملوا تراثهم في قلوبهم ، وأورثوه للأجيال المتعاقبة شفاهة وكتابة ، وبما أنّ التراث الشعبي هو الحافظ الأمين لذاكرة الشعوب ، وصلة الوصل بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، فقد تمّ إيلاء الجهد الأكبر لحفظ هذا التراث بكلّ مقومّاته ، الزيّ الشعبي وطقوس وعادات الأفراح والأتراح والمناسبات الأخرى والأغنيّات المتوارثة ، وتبدو الفرصة الآن أكبر لمتابعة ذلك ، فمع ثورة الإتصالات والإنترنت ، أصبح من السهل توثيق كل تلك الأمور ، وتبادل معلوماتها من جهة لأخرى.
ويعدّ الزجل الشعبي عمودا أساسيا من أعمدة التراث التي يجب العمل على إبقائه حيّا ، والجاليات في الغرب تتشوّق دائما لسماعه ، والدليل هو توافد الكثيرين من المدن والبلدان المختلفة لحضور حفلات الفرق الإنشادية كالروابي والإعتصام ، وحفلات أبو عرب في بريطانيا وأوروبّا.
ولكن ، هذا كلّه لا يكفي ، فيجب أن تتضافر جهود الجميع ، الأسرة أوّلا ، بتشجيع أبنائها على التمسّك بتراثهم ، ومن ثمّ المؤسسات الثقافية التي يجب أن تعنى بالتوثيق من جهة ، والإحياء من جهة أخرى ، بتنظيم أيّام مفتوحة لذلك التراث ، تلتقي فيها الأجيال المختلفة لتنهل من المنبع الأم.
الجزيرة توك : سعدنا جدا بهذا اللقاء المفيد والممتع، شكرا جزيلا.
شكرا لكِ
مقطوعة عود ؟تراث فلسطيني؟ ؟ لحن الجفرا. للعازف العراقي نصير شمة
أغنية ؟جفرا؟ لمارسيل خليفة
أغنية ؟جفرا؟ لفرقة العاشقين
أغنية ؟ثورة يا هالربع؟
وصلة شعبية من ألبوم ؟عهد ووفاء؟ في رثاء الشيخ أحمد ياسين
أغنية ؟جفرا وياهالربع؟ للفنان الشعبي ؟شفيق كبها؟ (1)
أغنية ؟جفرا وياهالربع؟ للفنان الشعبي ؟شفيق كبها؟ (2)
نهاية البداية
في سطوري الأخيرة؟. وجب شكر الشاعر إياد حياتله الذي نبه لأهمية تدوين قصة الجفرا، وكانت تساؤلاته المتكررة عن حقيقة هذه الشخصية دافعا لبدء هذه الرحلة، كما وجب شكر الحاجة (هـ.ح) التي أسعدتني بسردها الممتع لأحداث هذه القصة، وشكر لجميع من ساهم ولو بحرف في كتابة هذا التحقيق؟دمتم بخير، وتصبحون على وطن؟حر!
|