دير القطمون شاهد على معارك تدور حوله
لقد بدأت المناوشات بين العرب و اليهود بعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947 في معظم مدن وقرى فلسطين خاصة مدينة القدس التي يسكنها العرب و اليهود. إن ما يؤسف له هو إن العرب – وكعادتهم – لا يستعدون لأي طارىء بشكل جدي إلاعند اقتراب وقوعه بوقت قصير أو حتى بعدما يقع و يستفحل بشكل خطير في حين ان الطرف الآخر- و كعادته- يكون قد استعد وجهّز نفسه بكل ما يلزم من أسلحة و تدريب و دراسة جميع الاحتمالات التي قد تحصل و ذلك بوقت طويل قبل وقوعه.
من ضمن هذه المناوشات المتكررة كان في النصف الاول من شهر يناير 1948 حين نسف اليهود عمارة فندق سميرا ميس في حي القطمون ، حيث قتل و جرح العديد من العرب مما حمل الكثير من سكان هذا الحي على هجر منازلهم و الرحيل الى اماكن اخرى اكثر امنا فحل محلهم بعض القوات من رجال الجهاد المقدس، لكن هذه المناوشات لم تتوقف خاصة في الاحياء و المناطق المجاورة لمدينة القدس، وذلك بهدف تطهيرها من أي تواجد عربي لتامين طرق المواصلات الى هذه المدينة المقدسة لتصبح عاصمة لدولتهم . ففي شهر اذار 1948 نسف اليهود عدد من العمارات في حي القطمون وقطعوا عنه الكهرباء كما هاجموا معظم القنصليات العربية التي كانت موجودة فيه .
وكان العرب بالطبع يردون على هذه الأعتداءات في أي مكان تتاح لهم الفرصة فيه، فمثلا ، كانوا يهاجمون مستوطنة ميكور حاييم القريبة من بيت صفافا ومستوطنة رامات راحيل الواقعة بين قرية بيت صفافا وقرية صور باهر كما تمكن المقاومون العرب من نسف دار الوكالة اليهودية في شارع الملك جورج حيث قتل وجرح العديد من اليهود ، كما كانوا ينصبون الكمائن لقوافل اليهود التي كانت تنقل السلاح والمؤن من مكان إلى آخر وإيقاع الأذى فيهم ، فكان الجيش البريطاني وفي معظم الأحوال جاهزا لإنقاذ اليهود من أي خطر فتاك . ومع هذا ؛ فالمحاولات لم تتوقف للاستيلاء على حي القطمون بأكمله.
عند بداية شهر أيار 1948 هاجم اليهود هذا الحي بأعداد كبيرة لم يسبق لها مثيل ، حيث نسفوا عددا من بيوته وقتلوا العديد من رجال المقاومة فيه ، فما أن سمع أهل قرية بيت صفافا المجاورة لهذا الحي بالنبأ ، هب معظم مقاتليه باستثناء مجموعة قليلة من الرجال والنساء والأولاد بقيت في القرية لحراستها خوفا من غدر اليهود والدخول اليها ، ولم يكونوا مسلحين إلا ببعض البنادق والرشاشات الخفيفة مثل "ستن" و "تومي" وكان معظمها قديم باستثناء ما غنموه في معركة القسطل عندما هرب اليهود تاركين أسلحتهم وقتلاهم في ارض المعركة ، فكان مما غنمه منا ضلوا قرية بيت صفافا من أسلحة جديدة رشاشات "برن" و "هوتشكس" وغيرها من الأنواع الأثقل. عندما وصل مناضلوا القرية الى الحرش وهو المدخل بين القرية وحي القطمون في ظلام الليل تقريبا ً متجاوزين الزخات الكثيفة من رصاص العدو المنهمر من مستوطنة ميكورحاييم شرقا ً ومستوطنة كمال غربا ًبالقرب من قرية المالحة ومن أعلى سطح الدير المسيطر على منطقة الحرش وغيرها من المناطق . كان القتلى من رجال الجهاد المقدس ومن غيرهم بالعشرات في أرض الحرش وأماكن أخرى حيث إكتمل إحتلال معظم هذا الحي فكان إطلاق الرصاص مثل المطر دون أن يرى كل طرف مواقع الطرف ألآخر وقد أصيب أثناء الاشتباكات المناضل داود عليان الملقب ب "داود الاقرع " في قدمه ،نقل على أثرها إلىالقرية ومن ثم إلى المستشفى كماجرح عدد من المناضلين بجراح مختلفة . عند بزوغ الفجر تبين للشباب ان المناضل موسى الشايب الذي كان يتجاوز الخمسين من عمره قد وصل الى اسفل الدير الذي يتحصن بداخله قوات كبيرة من اليهود قد اصيب بجراح بليغة لم تمكنه من الانسحاب فأصر المناضل ذيب حماد للذهاب اليه و احضاره ، لكن ارادة الله لم تشأ ذلك فجرح هو الاخر بجراح قاتلة بالقرب منه فهب المناضل محمد سليم محمد لنجدتهم بعد ان اوقع في العدو خسائر فادحة من رشاش " البرن " ووصل اليهم تحت وابل من النيران ، حيث وجد ان الجريح موسى الشايب قد استشهد فحمل الجريح ذيب حماد على ظهره عائدا نحو جماعته فراه احد القناصة اليهود واطلق عليه النار حيث استشهد ذيب حماد على الفور واصيب محمد سليم بجراح قاتلة لكنه تمكن من الزحف الى نقطة مكنت زملاءه من حمله و اخذه الى القرية حيث استشهد قبل ان يصل الى البيت ، فكان الوحيد الذي دفن في تراب قريته .
اعاد المناضلون تنظيم صفوفهم بعد ان تبينت لهم مواقع العدو قبل أن يكتشف العدو مواقعهم مما مكن مناضلين صالح محمد إبراهيم و محمد إبراهيم البعل وبقيا في أرض المعركة مع غيرهم من الشهداء في ذمة الله .لقد بدأ وطيس المعركة يشتد دون أن يتمكن أي طرف من التقدم تجاه الأخر ، وطبعا بدأت الذخيرة تتناقص في أيدي المناضلين لعدم وجود إمدادات من الخارج ، فصاروا يحسبون ألف حساب لكل طلقة يطلقونها رغم تزايد كثافة إطلاق النار من العدو بسبب الإمدادات المتواصلة إليهم . كان هناك مفرزة من الجيش الأردني قريبة من منطقة المعركة أحضروا دبابة لقصف الدير بعد ان أخذوا الإذن من البطركية فرموه بقذيفتين أثارت كل منها الغبار والدخان الأسود الكثيف ، صار بعدها المناضلون يهللون ويكبرون شكرا لله ظنا منهم أن الدير قد دمر على من فيه لكن خيبة الأمل ظهرت بعد زوال الغبار والدخان ، وأن النتيجة لم تكن سوى بقعتين سوداوين على حائط الدير دون أن يكسر حجرا ًواحدا ً ، عندها أعطب اليهود هذه الدبابة بقذيفة من عندهم وانسحب الجنود ألأردنيون سالمين غير غانمين ، ومع حلول الظلام بدأ المناضلون الذين أبلوا البلاء الحسن بالانسحاب مدافعين عن أنفسهم بما تبقى لديهم من ذخيرة .
لقد شارك أهل قرية بيت صفافا في معظم المعارك المجاورة للقرية لمعرفتهم وإدراكهم بفداحة الخطر المحدق بهم في حال سقوط أي موقع مجاور لهم ، إن قرية بيت صفافا صغيرة المساحة قليلة السكان لكنها كبيرة وكبيرة جدا ً بأهلها الذين لم يتخلف منهم أحد من صغيرأو كبير حتى النساء كانوا يتناوبون السهر لحماية القرية ،فإني أهنئ كل أم أنجبت مثل هؤلاء الرجال وكل أب ربى أبناءه على الدين وحب الوطن ، فلو لم أكن من أبناء هذه القرية لتمنيت أن أكون .
رحم الله الشهداء والذين توفاهم الله على هذه الأرض الطيبة أرض الرباط منذ ذلك الحين والى أن يرث الله الأرض وما عليها فالناس هنا في رباط إلى يوم الدين .
أرسلتها للموقع: ماجدة صبحي
في ذروة معارك القطمون
في أعنف الاشتباكات عام 1948
انسحاب القوات العربية في القطمون
تصدي القوات العربية في القطمون
دير القطمون 1948
مواقع دفاعية للقناصة
احتلال الطابق العلوي لدير القطمون
المعارك بجانب دير القطمون استعداداً للاقتحام