6 أكتوبر 2022 ·
الشاعر الشعبي حنّا أبو ذياب ١٨٧٠-١٩٤٣
من أبرز الشعراء الشعبيين في النصف الأول من القرن العشرين ، ولد في بلدة الطيبة شرقي رام الله حوالي عام ١٨٧٠ ، خدم في سلك الجندرمة التركية في منطقة بير السبع أواخر العهد العثماني ، وعاش هناك فترة من الزمان خالط فيها العشائر البدوية وتعرف على عاداتهم وطباعهم ، مما أهله لأن يصبح قاضياً عشائريا فيما بعد . ظهرت موهبته الشعرية في سن مبكرة ، فكان في بداية الأمر يحفظ ما يسمعه من أشعار ويلقيها على مسامع الآخرين ، ثم انتقل إلى مرحلة نظم الشعر وقد برع في قول الشعر مصاحباً لعزفه على الربابة ، إذ كان الناس يجتمعون في مضافته ، مستمتعين بأزجاله على أنغام ربابته ، وكان صاحب طلعة بهية يتصف بالهيبة والوقار ، يعتمر كوفية سوداء من الصوف وعقال ، له مجموعة من القصائد قالها في مناسبات مختلفة ، منها قصيدة له قالها بمناسبة زيارة المفتي الحاج أمين الحسيني للمزرعة الشرقية عام ١٩٢٨ ، وأخرى يهنىء فيها الحاج أمين بمناسبة عودته من الهند عام ١٩٣٣ ، وله قصيدة بمناسبة إستقبال جميل الحسيني في قرية عين سينيا عام ١٩١٨ ، وفِي عام ١٩٣٧ حين نجح المفتي في الهروب من فلسطين ولجأ إلى لبنان نظم شاعرنا حنّا أبو ذياب قصيدة طويلة يشيد فيه بنضالات الحاج أمين ومكانته بين العرب والمسلمين ، يقول في مطلعها :
يا مسندي يا حج شرف ع الأوطان
هبت رياحك بالنفايس والطيب
نسم نسيمك ع العرب صح الأبدان
وترحبوا بأتم وأجلّ ترحيب
مرحباً بيك مرحباً بيك ضيف لبنان
مرحباً بحماي الدجا والعراقيب
حامي الحمى والبيت عمود الأديان
يا الطاهر الفاخر منزه عن العيب
وله قصيدة هامة نظمها خلال مجريات الحرب العالمية الأولى على أرض فلسطين ، ولعلها تعود للعام ١٩١٧م ، إذ يأتي فيها على ذكر ما لحق بالناس من أوضاع صعبة ( المجاعات ، السجن والإعدام ، الأمراض ، غزو الجراد ، التهجير وغير ذلك ) .
وفِي الختام نود التذكير بمكانة هذا الشاعر الشعبي وأهمية ما نظمه من قصائد في مجالي الأدب الشعبي والتاريخ الإجتماعي في فلسطين ، في الوقت الذي تميز شعره بجمال الحرف وعمق المعنى وعذوبة النظم والموسيقى الشعرية ، وندلل على ذلك من خلال ما ذكره الأديب الكبير خليل السكاكيني في محاضرة له عام ١٩٤٢ موضوعها الشعر الشعبي ، إذ تحدث بإسهاب عن حنّا أبو ذياب ، ووصفه بأنه شاعر لا يُجارى ، وأنه شاعر مطبوع ، "ولو قُدّر له أن يكون في العصر الجاهلي لكان إمرأ قيسه أو زهيره أو نابغته ، أو في العصر الإسلامي لكان أخطله أو جريره أو فرزدقه ... " ، وفِي مقامٍ آخر قال السكاكيني : " ومن مزايا شاعرنا ان الشعر عنده كالغناء طربٌ لا طلب ... فإنّ شعره كله من فيض خاطره ... "
ولشعر حنّا أبو ذياب أهمية كبيرة في إعطاء صورة صادقة عن طبيعة العلاقات الإجتماعية ومدى قوتها بين شرائح السكان ، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين ، فمن خلال شعره نقف على شواهد واضحة ومشاهد حيّة تصور قوة العلاقات الإجتماعية بين أتباع الديانتين ، وهذا يتمثل في المشاركة في المناسبات الإجتماعية والوطنية ، وفِي علاقات حسن الجوار ، وتبادل الزيارات بين الطرفين ، وليس أدل على ذلك من تلك القصائد الوطنية والإجتماعية التي نظمها شاعرنا والتي تفيض بمعاني المحبة والمودة والولاء للوطن وقادته .
الباحث عمر موسى مشعل