حسام صفوري .. طبيب نهارا وميكانيكي ليلا
حسام صفوري طبيب فلسطيني مختص بارز بالعظام، لكنه يعشق العمل اليدوي في فروع البلاط والكهرباء والدهان. وبخلاف معظم أرباب الأسر لا يحتاج صفوري ابن قرية كفركنا في الجليل لحرفيين من أجل إنجاز أعمال بناء وصيانة في منزله لاعتماده على نفسه.
كما يمتلئ حسام (39) سعادة حينما يخلع سترة الطب البيضاء ويدخل المرأب بثوب الميكانيكي عدة مرات في الأسبوع وينشغل في العمل اليدوي وترميم المراكب والأدوات القديمة التابعة لعائلته وأصدقائه ومعارفه.
تمت زيارته في مرأبه وعيادته للاطلاع على تجربته طبيبا يداوي البشر ويرمم الآليات، فشهدنا رجلا تسحره الأعمال اليدوية التي يعزف أغلب الناس عنها باعتبارها "أعمالا شاقة".
مع ذلك هو حريص على التواضع ويعبر عنه بالقول جازما "لست عبقريا ويداي ليستا من ذهب، لكنني أتعلم من التجربة ومن أخطائي وأخطاء الآخرين".
حسام الذي يملك سيارتي "مارسيدس" وأربع سيارات "فولكسفاغن" تاريخية يخضعها للعناية والصيانة داخل مرأب خاص أسفل منزله فيقوم بتفكيكها قطعة قطعة أثناء إصلاحها وجعلها صالحة للسير حتى وإن تكن قد صنعت عام 1965.
لهذا الغرض يستعين أحيانا بكتب خاصة حول السيارات تحتوي على تفصيلات دقيقة. ويوضح أن سر إتقانه هذه المهنة-الهواية يكمن بهوايته الكبيرة في ترميم القديم بالعمل اليدوي وحبه للمراكب القديمة.
ولا تقتصر عمليات ترميم الأشياء المتقادمة على المراكب، ففي بيته أجهزة هاتف وتلفاز وماكينات خياطة وطاولات قديمة جعل منها تحفا فنية، وكل ذلك بفضل تعلمه الذاتي.
وينوه إلى أنه يقوم بالبحث عن الأدوات القديمة التي يلقي بها في سلال المهملات لتصبح في اليوم التالي تحفا أثرية جديرة بأن تزين صالونات البيوت.
وللتدليل على ذلك يستذكر أنه بادر قبل سنوات كثيرة لالتقاط جهاز تلفاز صنع في خمسينيات القرن الماضي ألقى به جده رضوان صفوري فحوله لتحفة تزين صالون منزله. ويتابع بلغة الطب "أخضعته لعملية جراحية" قمت خلالها بتنظيف التلفاز المصنوع بصناعة يدوية من الغبار ومعالجة عناصره المعدنية والخشبية حتى بدا جديدا".
وله قصة مماثلة مع ماكينة خياطة تنازلت عنها جدته رممها كما رمم جهاز راديو عمره 70 عاما وأعاد للحياة "طاولة زهر".
كما يشير الطبيب إلى أن لعائلته دورا في عشقه للأشياء الكلاسيكية ولترميم القديم، ويقول إن والده كان يعطيه الفرصة أن يفعل ما يشاء في طفولته حتى عندما أخطأ، وهذا عزز الثقة بنفسه. ومن هنا انطلق مشوار حسام مع عالم المراكب "المخضرمة" والأشياء المتقادمة، وكان يحلم في طفولته أن يقتني سيارة فولكسفاغن قديمة طالما استهوته.
طبيب سيارات
كما هو الحال مع الميكانيكي المحترف يستطيع الطبيب أن يشخص حالة السيارة أحيانا بمجرد الإصغاء لهدير محركها فيحدد موضع العطل بسرعة، كما يؤكد.
ويكشف أنه تعلم الكثير من الاحتكاك بحرفيي السيارات ومن مراقبة عملهم والاستماع لشروحاتهم، لكنه يعمق خبرته بالقراءة النظرية، والإفادة من الحاسوب ومراجعة خرائط المراكب حتى بات يصلح سياراته وسيارات العائلة وحده.
وبخلاف ما يتوقعه البعض فالسيارات القديمة أقل تعقيدا من الحديثة، وهي أمينة ويمكن الاعتماد عليها، كما يؤكد الطبيب صفوري.
ويضيف "حينما تتعطل المركبة القديمة في سفر يمكنك إصلاحها بسرعة، لأنها بلا أجهزة ومجسات إلكترونية معقدة وفي مثل هذه الحالات تكون البساطة أفضلية".
وتستغرق الهواية وقتا ثمينا لا سيما أن عمله طبيب عظام مختصا يكاد لا يبقي له متسعا لممارستها.
لكن الطبيب صفوري الذي يروي قصة حبه مع السيارات ومشاعر السرور تشع في عينيه، لا يفرط بهوايته المحببة فيمارسها حتى في الليل بعد انتهاء دوامه لا سيما أنها تفرج كربه وتريحه بعد عناء العمل.
في المقابل تكاد الهوايات أو المهن اليدوية التي يمارسها أن تسبب له بـ"أوجاع رأس" مع زوجته أحيانا كما يقول، ويضيف "لزوجتي فضل كبير ومن دون دعمها ما تمكنت من كل ذلك، فأعمالي اليدوية تأتي على حساب واجبات اجتماعية".
الغناء الكلاسيكي
وتثير هذه الحالة فضول واستغراب الكثيرين ممن يتساءلون كيف يقوم طبيب بارز بـ"التورط بأعمال يدوية صعبة"، لكنه يدعوهم لاحترام قيمة العمل وتقدير القديم وممارسة ما يحبونه.
وفي المفاضلة بين المهنتين يشير صفوري الذي درس الطب في إيطاليا وأعجب بفنونه إلى أن جسم الإنسان أكثر تعقيدا من كل مراكب وماكينات الدنيا.
وينسحب حبه للسيارات والأدوات القديمة على تذوقه الفني، فهو لا يستطيب إلا الغناء الكلاسيكي من محمد عبد الوهاب حتى أم كلثوم.
المصدر: الجزيرة نت